نهاد علي أوزجان – صحيفة ملليت – ترجمة وتحرير ترك برس

مع اقتراب تاريخ استفتاء الانفصال الذي أعلنته حكومة الإقليم الكردي في العراق تستعر النقاشات ويتزايد عدد المشاركين فيها. اهتمام الجميع منصب على مواقف وأهداف جميع الأطراف الفاعلة وليس حكومة الإقليم فقط.

نهاية الأسبوع الماضي توجهت إلى أربيل لحضور اجتماع هناك. تبلور لدي انطباع بأن تراجع بارزاني يبدو غير ممكن في ظل الظروف الحالية. جميع مناحي الحياة مسيسة، نتحدث عن مجتمع تصاعدت فيه المشاعر القومية وتزايدت الناحية العاطفية، ولذلك فإن ردود الأفعال والطموحات تكون غير عقلانية ومبالغ فيها. جميع من تحدثت معهم يعتقدون أن "الكرة الأرضية تدور حول الإقليم الكردي"، وأن الاستفتاء هو القضية الأولى عالميًّا.

لا شك في أن للاستفتاء أهميته ونواحيه المختلفة. وكما يمكننا مناقشته على صعيد القانون الدولي أو القانون العراقي، نستطيع تناوله أيضًا على صعيد المسألة الكردية التي لها تأثير على سياسات الطاقة والمنافسة الإقليمية والسياسة الداخلية للبلد، أو على صعيد التركمان أو الشيعة.

وفي هذا الإطار، هناك أمر يجب أن لا نغفله وهو سير المستجدات والبعد الزمني. المشهد الحالي يقول إن الاستفتاء ليس كافيًا للمضي بالإقليم الكردي إلى الاستقلال دفعة واحدة. فإذا أصرت الحكومة الكردية على الاستقلال أو إنشاء كيان كونفدرالي مرن سيكون هناك مفاوضات طويلة، أو قد نشهد نزاعات مختلفة.

تركيا معنية بالاستفتاء وما سيتلوه من تطورات من عدة نواحٍ. القائمة طويلة للغاية: مسألة التركمان ووضع محافظة كركوك، حاجة تركيا المتزايدة يومًا بعد يوم للغاز الطبيعي والبترول، دور الإقليم الكردي الذي سيتغير في مسألة حزب العمال الكردستاني ومسؤولياته وصلاحياته، موقف المواطنين الأتراك من أصول كردية، تأثيرات الاستقلال المحتمل على التوازنات والحدود في الشرق الأوسط المضطرب أصلًا، وأخيرا المصالح الاقتصادية.

تركيا لاعب هام إلى حد لا يمكن التغاضي عنه خلال عملية تطبيق قرارات حكومة الإقليم الكردي. فهي تملك أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية وجيوبوليتيكية ودبلوماسية، فضلًا عن ميزات أخرى متنوعة. ولهذا فإن اتخاذ تركيا موقفًا قاطعًا في المرحلة الأولى قد لا يكون سلوكًا عقلانيًّا جدًّا.

فعند وضع طبيعة المسألة وجغرافيتها وأطرافها في عين الاعتبار نجد أن تركيا لا يمكنها بمفردها أن تحدد المصير النهائي للتطورات، لكنها قادرة على التأثير فيها بشكل قوي. ولهذا ينبغي عليها ألا تتعامل بشكل عاطفي مع المستجدات كما تفعل حكومة الإقليم الكردي أو شعبه، وألا تختزل الجدل بمسألة نعم أو لا.

تشير التجارب التاريخية إلى أن تأسيس دولة ذات حدود مثيرة للجدل تتغذى من الأطماع العاطفية الهوجاء، هو عبارة عن مغامرة مجهولة تستمر على مدى سنوات، وتؤكد أن الدور الفاعل فيها ليس دول الجوار وإنما مؤسسو الدولة ذاتها. ولهذا، فإن اتخاذ موقف قاطع في البداية قد لا يكون فكرة حسنة.

عن الكاتب

نهاد علي أوزجان

كاتب في صحيفة ملييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس