خاص ترك برس

نفّذت القوات المسلحة التركية في 24 أغسطس/آب المنصرم عملية "درع الفرات"، في شمال سوريا من أجل إبعاد تنظيم "داعش" الإرهابي عن حدود البلاد.

وعقب هذه العملية دخل الجنود الأتراك مجددًا إلى الأراضي السورية وانتشروا في محافظة إدلب (شمال غرب)، التي تقع بجوار حلب وتتمتع بأراض خصبة، وتقابلها "الريحانية" و"التين أوزو" بولاية "هطاي" التركية (جنوب).

وتعدّ إدلب في مقدمة المدن التي خرجت فيها مظاهرات ضد نظام الأسد مع انتقال الربيع العربي إلى سوريا عام 2011، ثم تحوّلت المظاهرات السلمية إلى ثورة مسلحة واتخذت من إدلب مركزًا لها إلى جانب مناطق أخرى.

معظم سكان إدلب هم من العرب السنّة، وتضم قريتين للشيعة ومثلها للدروز، كما يعيش فيها عدد محدود من التركمان والأكراد أيضا.

إن سبب وجود إدلب على أجندتنا، هو إرسال تركيا جنودها إلى هناك بهدف ضمان خفض التصعيد فيها في إطار اتفاق أستانا الذي توصلت إليه مع روسيا وإيران.

لقد حاولت تركيا كعضو من "الكتلة الغربية" إيجاد الحل في سوريا بعد اندلاع الأحداث في عام 2011 وحتى العام الجاري، ولكنها لم تتلق من الكتلة الغربية خلال هذه السنوات الستة، موقفًا يراعي هواجسها تجاه ملفات أمن حدودها واللاجئين ومستقبل سوريا.

من جهة أخرى، عززت الولايات المتحدة الأمريكية قوة حزب الاتحاد الديمقراطي "بي واي دي" الإرهابي أمام حدودنا مع سوريا. كما اتخذت موقفا غامضا بشأن موقع بشار الأسد وحزب البعث في سوريا.

وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في 15 تموز/ يوليو من العام المنصرم، بدأت تركيا بإجراء مباحثات مع روسيا حول سوريا. وتمكنت تركيا من الانتشار في سوريا بعد عملية "درع الفرات" عقب اتخاذ قرار التحرك مع روسيا.

من العوامل الأخرى والغريبة التي سهّلت الانتشار التركي في إدلب، هو موقف هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) التي تسيطر على المحافظة، وذلك لكون تركيا احتضنت اللاجئين السوريين منذ بداية الأحداث.

أظهرت تركيا بعد سيطرتها على مدينتي جرابلس والباب نموذجا للشعب السوري والعالم، مع إعادة ترميم المستشفيات والأفران والمدارس وحتى مكاتب البريد، وبقية مقومات العيش في الأراضي السورية.

وهذا يعني إحياء وتعزيز أمل مواصلة الحياة اليومية في محيط آمن، لدى شعب منهك من الحرب.

قبل أيام، قال لي صديقي الناشط الصحفي عبد الله أبو سلوى، الذي يسكن في "سراقب" التابعة لإدلب: ليت القوات التركية تصل إلى جميع مدننا لكي نتخلص من القنابل ونتمكن من تضميد جراحنا سريعا ونجعل بلادنا قابلة للعيش من جديد.

لقد ارتفعت مشاعر الحب والمودة عند العرب تجاه الأتراك إلى مستويات عالية جدًا بفضل تقديم تركيا مساعداتها للشعب السوري في السنوات الستة الماضية.

هذا لا يعني أن الجميع في العالم العربي يعشقنا، ولكنه موقف من شأنه أن يعزز يد تركيا لاتخاذ خطوات جديدة في سياساتها تجاه الشرق الأوسط على المدى المتوسط والبعيد.

في النهاية، دعونا نتحدث عن التصوّر الذي أحدثه بعض المثقفين العرب عقب انتشار الجيش التركي في إدلب وقبلها في جرابلس والباب في الشمال السوري.

إن النظام الجديد الذي ظهر في الشرق الأوسط مطلع القرن الحالي، كان نظامًا يحصر الأتراك في الأناضول فقط. وكان هناك تطورين فقط أحدثا خللًا في هذا النظام.

التطور الأولى هي إلحاق ولاية هطاي المعروفة سابقًا بـ"لواء اسكندرون" إلى الوطن الأم، وبعدها بحوالي 40 عامًا العملية العسكرية التركية في جزيرة قبرص.

وبعد 42 عامًا من عملية قبرص، أجرت تركيا عملية "درع الفرات"، وها هي اليوم تنتشر في إدلب. وهناك مقولة يرددها بعض العرب المؤيدين والمناهضين لتركيا، إذ يقولون إن "الجنود الأتراك إذا دخلوا مكانًا لا يخرجون منه بسهولة".

هذه المقولة هي في الحقيقة تُشير إلى ظهور الأتراك في آسيا الوسطى ووصولهم إلى غرب آسيا، بالإضافة إلى سلطة الدولتين السلجوقية والعثمانية لفترات طويلة بالمنطقة.

لا نعرف ما الذي يخبئه المستقبل لنا، لكن علينا أن ندرك جيدًا بأن تركيا ستكون أقوى في الشرق الأوسط، من خلال الخطوات الصحيحة والعقلانية.


بقلم "محمد ألغَن"، البرلماني السابق في صفوف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والمهتم بالشأن العربي

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!