سعيد الحاج - عربي بوست

مع دخول المنافسة الانتخابية في تركيا أيامها وساعاتها الأخيرة، وبانتظار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، يتركز اهتمام الناخب التركي على آخر إصدارات شركات استطلاع الرأي وما تقوله توقعاتها، وليس المتابع العربي بأقل فضولاً منه.

ومع الضخ السريع والمتواصل لعدد كبير جداً من استطلاعات الرأي ونتائجها المختلفة وأحياناً المتضاربة، تثور التساؤلات في الأذهان عن الطريقة المثلى للتعامل مع هذه النتائج، وأي شركاتِ استطلاع الرأي التركية يمكن الوثوق بها، وكيف يمكن قراءة التوقعات واستشراف النتائج.

بعد سنوات طويلة من متابعة الانتخابات التركية بمختلف أشكالها الرئاسية والبرلمانية والمحلية والاستفتاءات الشعبية، خرجتُ بخلاصة واضحة، مفادها أن التوقعات التي تصدرها هذه الشركات في عمومها تصلح للاستئناس والاطلاع على السياقات العامة فقط وليس التقييم الدقيق على النتائج التفصيلية.

والسبب الرئيس في ذلك، أن الغالبية العظمى منها غير مهنية في عملها ونتائجها، فكثير منها مسيّس، يحاول من خلال ما ينشره التأثير على رأي الناخب وتوجيهه وليس رصده والتعبير عنه، كما أن الكثير منها يفتقد إما إلى الخبرة المطلوبة أو الأدوات الضرورية أو كليهما.

وهكذا، نجد أن الشركة التي تستطيع توقع نتيجة إحدى المحطات الانتخابية بفارق بسيط تضع توقعات بعيدة جداً في الانتخابات التي تليها، والعكس بالعكس. فمثلاً، شركة A&G التي يرأسها عادل غور، ويطلق عليها في السنوات الأخيرة لقب "الشركة التي تتوقع نتيجة الانتخابات"؛ لقرب توقعاتها من النتائج الحقيقية في أكثر من مناسبة، كانت قد توقعت قبول استفتاء النظام الرئاسي العام الماضي (2017) بنسبة 60%، في حين أُقِرَّ فعلياً بنسبة 51%.

في المقابل، فإن الشركات التي توقعت نتيجة الاستفتاء بشكل قريب جداً في استطلاعاتها، مثل "كونسانسوس" و"جازيجي" و"كوندا" و"أنار"، قد فشلت فشلاً ذريعاً في توقُّع نتيجة الانتخابات الرئاسية في 2014 والبرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث كانت أقربها إلى النتيجة على بُعد 3-4 نقاط وأبعدها 7-9 نقاط عن النتيجة الفعلية.

يعني ذلك باختصار أن استطلاعات هذه الشركات قد "صادفت" النتيجة الصحيحة ولم "تتوقعها" وفق منهجية صحيحة؛ ومن ثم فلا يمكن الوثوق بها تماماً على طول الخط.

حسناً، أليس هناك استطلاعات رأي دقيقة في تركيا؟ بلى، توجد ولكن غير معلنة؛ إذ تنفذها بعض شركات الاستطلاع لصالح الأحزاب السياسية بشكل سري، وتستفيد منها تلك الأحزاب في تعديل استراتيجيتها وتصويب خطابها وتطوير حملاتها الانتخابية.

لطالما اعتبرتُ هذه المقدمات أكثر أهمية من عرض توقُّعات شركات استطلاع الرأي، ولكن لا بأس في عرض بعضها والتعقيب عليه. في الجدول التالي توقعات 6 شركات استطلاع رأي من توجهات مختلفة، حيث تعتبر كل من "كونسانسوس" و"أوبتيمار" مقربتين من "العدالة والتنمية"، و"سونار" من "الحركة القومية"، و"جازيجي" من "الشعب الجمهوري"، و"ميتروبول" من "الجيد"، وأجرت شركة فوسايت استطلاعها لحساب شركة بلومبيرغ الإعلامية الأميركية. وهذا ما توقعته هذه الشركات للانتخابات الرئاسية:

استطلاعات رأي الشركات نفسها للانتخابات البرلمانية:

يُستخلص من استطلاعات رأي هذه الشركات ما يلي:

أولاً، ثمة تفاوت واضح في التوقعات بينها.

ثانياً، يتقدم أردوغان المرشحين الرئاسيين، و"العدالة والتنمية" الأحزاب المشاركة بفارق كبير، ولكن غير حاسم.

ثالثاً، من المرجح، لكن ليس من المقطوع به أن يفوز أردوغان بالرئاسة من الجولة الأولى، ولكن لن تكون مفاجأة كبيرة إن تأخَّر الحسم لجولة إعادة.

رابعاً، ثمة تراجع في نسبة التصويت لـ"العدالة والتنمية" (لأسباب موضوعية وذاتية كثيرة) بحيث لا يبدو قادراً وحده على الفوز بأغلبية البرلمان، لكن ذلك وارد مع حليفه "الحركة القومية".

خامساً، تُظهر استطلاعات الرأي كافة أن حزب الشعوب الديمقراطي قادر على تخطي العتبة الانتخابية ودخول البرلمان.

وهذه النقطة في غاية الأهمية؛ لأن نتيجة الحزب هي العامل الأهم في نتيجة الانتخابات البرلمانية، حيث سيؤدي تجاوزه العتبة الانتخابية ودخوله البرلمان إلى تعاونه مع تحالف الأمة المعارض باعتباره أقرب له سياسياً، و"قد" يشكلان معاً أغلبية البرلمان. في حين سيؤدي فشله في ذلك إلى مكسب كبير لـ"العدالة والتنمية"، "قد" يمكنه من الفوز بأغلبية البرلمان وحده وليس فقط مع "الحركة القومية"، بفضل طريقة "دي هوندت" للتمثيل النسبي المطبقة في تركيا.

أخيراً، كيف ينبغي التعامل مع توقعات شركات استطلاع الرأي؟ بمعرفة تاريخها وخلفياتها/علاقاتها ونتائجها في الانتخابات السابقة، والاستئناس برأيها دون الوثوق الكامل، خصوصاً في هذه الانتخابات الحساسة ذات الحسابات المعقدة، وعدم الاهتمام بتوقعات الشركات الحديثة التي لا نتائج سابقة لها، وهي في غالبها أمور أبعد من متناول القارئ والمتابع العربي غير المختص.

أخيراً، لم تعلن شركة A&G عن استطلاعها حتى لحظة كتابة هذه السطور، وإن كان رئيسها قد توقع فوز أردوغان من الجولة الأولى في بعض مقابلاته التلفزية. في حين تبدو شركة أوبتيمار الأفضل نسبياً بين الشركات سالفة الذكر والواردة في الجدول، حيث كانت من أقرب مَن توقَّع نتيجة الاستفتاء في 2017 والانتخابات الرئاسية في 2014، وثاني أفضل من توقَّع نتيجة انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 البرلمانية بعد A&G (ولكن بفارق 5 نقاط).

وتبدو التوقعات التي نشرتها الشركة منطقية إلى حد بعيد، ومتناغمة مع الخريطة السياسية والسوسيولوجية للناخبين الأتراك، فضلاً عن كونها الأقرب زمنياً إلى تاريخ الاقتراع. وهو ما يعضد التوقعات بفوز أردوغان من الجولة الأولى، وكون فرص تحالف الشعب بكسب أغلبية البرلمان أعلى بكثير من فرص تحالف الأمة، دون إمكانية الجزم بذلك.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس