برهان الدين دوران مدير مركز سيتا للأبحاث في أنقرة – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

مصر هي قلب العالم العربي، وتشكل الوجهة التي تقود الحراك الإسلامي نحو التغيير ونحو النهضة، ومصر صاحبة الدور الأكبر لتحديد معادلات توازن القوى في الشرق الأوسط.

قاد انقلاب السيسي مصر إلى حالة من عدم الاستقرار، ومارس الأخير العديد من أشكال الظلم والجبروت بحق الشعب المصري، كان آخرها استخدام العنف وكل أساليب القمع من أجل إخماد الحراك الذي تم في الذكرى الرابعة للثورة، وبعد ذلك، وتحديدا مساء الخميس قتل 52 رجل شرطة مصري في سيناء.

جماعة الإخوان المسلمين أعلنت مجددا رفضها لكل أعمال العنف تجاه الشرطة ورجال الأمن والجيش، ليخرج ذراع داعش في سيناء المسمى منظمة "أنصار بيت المقدس" لتتبنى ذلك الهجوم، وبرغم ذلك قام نظام السيسي بإعلان كتائب عز الدين القسام الذراع المسلح لحركة حماس كمنظمة إرهابية.

لا شك أنّ كل هذه الأحداث يسعى من خلالها نظام السيسي إلى زيادة التعصب والتشدد في قاعدة الإخوان المسلمين الذي يصفهم دوما بالإرهابيين، من أجل إجبارهم على استخدام العنف والسلاح ثم إخمادهم بالقوة، ولا شك أنّ هذا الضغط الشديد على الإخوان المسلمين لم يتعرضوا له حتى في عهد جمال عبد الناصر عام 1954.

مع كل حملات التشويه والافتراءات على الإخوان المسلمين، إلا أنهم حتى الآن رفضوا استخدام العنف، لكننا لاحظنا في الفترة الأخيرة وتحديدا بعد أحداث الذكرى الرابعة للثورة المصرية، استخدام الإخوان المسلمين للغة حادة عبر تلفزيوناتهم وقنواتهم، وأصبحنا نلاحظ أنّ شباب الإخوان يميلون اليوم إلى التشدد والراديكالية أكثر فأكثر.

يوجد خياران أمام الإخوان المسلمين: الأول، هو نقل الصراع مع السيسي إلى صراع مسلح من أجل القضاء على نظامه وأعماله الإرهابية، وهذا الخيار سيجعل الإخوان المسلمين تحت حمل كبير جدا لن يستطيعوا التخلص منه ولن يُمحى من تاريخهم، وسيقفل هذا الخيار الطريق أمام نموذج التحول الديمقراطي السليم.

أما الخيار الثاني فيتمثل بالتمسك بالخيارات السياسية الديمقراطية آخذين بعين الاعتبار التغييرات التي ستحصل في معادلات قوى المنطقة، فما لم يستطع الإخوان المسلمون القيام به وهم في الحُكم، سيُجبرون على القيام به وهم في المعارضة، وهم مجبرون على اللعب وفق القواعد الموجودة.

لم يستطع الإخوان المسلمون الاستمرار في الحُكم بسبب سياسة نظام مرسي غير المرنة، ولذلك وبرغم كل التحذيرات المسبقة لم يستطيعوا منع حدوث الانقلاب، وبسبب حجج الأردن بأنها أصبحت "هلالا إخوانيا"، وبسبب احتجاج إسرائيل بأنّ الربيع العربي أصبح "ربيعا إخوانيا"، بسبب كل تلك الحجج التي قدمت لواشنطن، فقدت مصر دعمها من الولايات المتحدة الأمريكية أثناء حكم مرسي.

وبعد ذلك استخدمت الإمارات العربية المتحدة سياسة "مكافحة الإخوان"، ودعمتها المملكة العربية السعودية ليشكل ذلك حصارا إقليميا على الإخوان في مصر، وليس من المعقول أنْ يستمر هذا الحصار لفترة زمنية طويلة.

اليوم، وبعد أنْ أصبح سلمان بن عبد العزيز ملكا للمملكة العربية السعودية، أصبحنا نلاحظ مؤشرات قوية تدل على تغييرات محتملة في سياستها الخارجية، ومن هذه المؤشرات استلام ولي العهد الثاني محمد بن نايف لوزارة الشؤون السياسية والأمن، وتنصيب بندر بن سلطان كسكرتير عام لمجلس الأمن القومي.

لهذا من الممكن أنْ تلين السعودية في تعاملها مع الإخوان المسلمين، خصوصا بعد زيادة نفوذ إيران في المنطقة، وفقدان السعودية لنفوذها في العراق ولبنان واليمن، مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة المنظمات المتشددة في المنطقة وتهديدها المستمر لكل دول الشرق الأوسط بما فيها المملكة العربية السعودية.

لتلك الأسباب قد يبني الملك السعودي الجديد علاقة جديدة مع الإخوان المسلمين، وهذا سيخفف من وطأة سياسة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في مكافحتها للإخوان المسلمين حيث ستفقد عنصر تأثير هام وهو المملكة العربية السعودية، وربما يقود ذلك إلى عودة الأوضاع إلى طبيعتها في مصر.

وربما تقبل واشنطن بالإخوان المسلمين بديلا عن المنظمات الإرهابية المتشددة مثل داعش والقاعدة، التي ربما تزداد قوة وتشددا ويزداد عدد المنضمين إليها في حال استبعاد الإخوان المسلمين من المشهد السياسي.

لكن حصول كل ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بابتعاد قاعدة ومناصري الإخوان المسلمين عن استخدام السلاح ابتعادا مطلقا، لهذا فإن الخطر المحدق أمام الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة هو السقوط في الفخ الذي نصبه نظام السيسي، ألا وهو فخ التشدد واستخدام العنف والسلاح.

لن يستمر الحصار المفروض على الإخوان المسلمين طويلا، لذا لا يوجد أمامهم خيار سوى العودة إلى السياسة، برغم التكلفة الباهظة التي تنتظرهم.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس