أعلنت جين بساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أنّ الإدارة الأميركية "لن نعترف بأي منطقة حكم ذاتي في أي مكان في سوريا. وظلت هذه سياستنا منذ وقت بعيد".

الواضح أن الموقف الأميركي الجديد هذا يأتي ردا على تصريح أدلى به الرئيس التركي رجب إردوغان، وشن فيه هجوما عنيفا على ما سماها «مؤامرات كردية لتقسيم سوريا».

وكان إردوغان وجه انتقادات لاذعة للولايات المتحدة لأنها ترسل أسلحة إلى الأكراد بحجة مساعدتهم لاسترداد كوباني من «داعش». وقال إن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تقدم له الولايات المتحدة أسلحة، تربطه صلة وثيقة مع حزب العمال الكردستاني الذي تعاديه تركيا، وإن الولايات المتحدة ترسل أسلحة ثقيلة، وليس فقط بنادق ومعدات عسكرية، وإن هذه الأسلحة الثقيلة يمكن أن تستخدم من جانب الأكراد ضد تركيا.

الموقف الأخير للرئيس التركي ليس جديدا  فإردوغان سبق وعبر عن استيائه من دعم التّحالف الدّولي للجماعات الكردية المتشددة التي تحارب في كوباني، مُعتبراً أنّ تنظيم (PYD) تنظيم إرهابي.

وأعلن إردوغان أنه قال للرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنّ دعم هذا التنظيم بالسّلاح أمر خاطئ.

مُضيفاً أنّ خارطة التحولات السياسية والدستورية وإنهاء الصّراع في سوريا لا يمكن أن تناقش إلّا بعد رحيل النّظام السوري وتخلّيه عن السّلطة.

لكن الرئيس التركي نفسه يميز بين هجماته على حزب الاتحاد الديمقراطي وبين المزاعم التي تقول إنه مُستاء من تحرير بلدة عين العرب - كوباني من يد تنظيم الدّولة الاسلامية بقوله أن هذه الادّعاءات لا صحة لها وأنّ تركيا بقيادتها ومؤسّساتها هي التي بادرت أوّلاً لإنقاذ المنكوبين في هذه البلدة.

أكراد كوباني رفعوا علما كرديا ضخما على هضاب كوباني يراه الأتراك والأكراد في تركيا في الجانب الآخر من الحدود بالعين المجردة. فما الذي يعنيه ذلك وهم يعرفون أن الانتصار ليس من صنعهم وحدهم؟

أكراد كوباني يواصلون حملتهم على القيادة التركية بأنها تدعم داعش وتداوي جرحاه في المستشفيات التركية وتزوده بالسلاح وهم يعرفون قبل غيرهم أنّ هناك تناقضا واضحا بين أن تفعل أنقرة ذلك وأن تفتح تركيا أبوابها أمام قوات البشمركة الكردية والجيش السوري الحر ومن يشاء من الأكراد للذهاب والقتال في كوباني والأهم من كل ذلك فتح أبواب مستشفياتها أمام المصابين من المقاتلين الأكراد دون أي تمييز مع تقديم كل الخدمات والدعم اللوجستي الذي سيغضب داعش حتما.

صالح مسلم القيادي الكردي الماركسي يعمل جاهدا للذهاب إلى واشنطن للتفاهم على المرحلة المقبلة في شمال سوريا وهويعرف أنّ الرفض الأميركي في استقباله له علاقة مباشرة بالعلاقات التركية الأميركية لكنه متفائل باحتمال وجود "فرصة" سانحة توقع بين إدارة أوباما وحكومة العدالة والتنمية ليزيح عن كاهلها التعهد الأميركي لتركيا بمنع تكرار المشهد الكردي الذي شهدناه في شمال العراق في شمال سوريا هذه المرة.

أكراد سوريا يرددون علنا أنّ مشروعهم السياسي والدستوري هو الفدرالية في سوريا وهم يتحركون للتأسيس لهذا المشروع منذ أكثر من 3 أعوام عمليا على الارض وأنّهم بانتظار فرصة سانحة لتوحيد الكانتونات والبيارق تحت راية الدويلة الكردية في سوريا دون انتظار نتيجة الثورة السورية. لكن المشكلة تبقى أن أردوغان هو الذي يجاهر في التصعيد ضد  دولة الأمر الواقع الكردية في سوريا بينما العديد من الدول العربية والجامعة العربية تحديدا لا تقول الكثير عما يجري.

الشعب العراقي انتفض ضد حكم صدام حسين القمعي المصعد ضد دول المنطقة دون تمييز. فدفع ثمن ذلك ولادة دولة كردستان العراق التي تستعد لإعلان انفصالها عاجلا أم آجلا عن الدولة الأم العراق، فالدستور العراقي الذي أعدّته تحت إشراف الإدارة الأميركية وعواصم أوروبية يعطيها هذا الحق. أكراد شمال سوريا يتقدمون على الطريق ذاتها وبسرعة البرق. كل ما ينقصهم هو مجاهرة واشنطن والدول الأوروبية أن لا اعتراض لهم على ما يقوم به الأكراد وأنّ يحصلوا على ما يريدون من ضمانات دستورية سياسية في سوريا حتى قبل انقشاع المشهد السوري ومساره ومستقبله.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس