د. علي حسين باكير - عربي 21

أعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو يوم الخميس الماضي عن قرب بدء بلاده التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص بسفينتين بدلا من واحدة. وقال أوغلو إنّه يجب الانتباه إلى أنّه من غير الممكن فعل شيء في المنطقة من دون تركيا، مشيراً إلى أنّ الشركات الأجنبية التي جاءت إلى المنطقة من بعيد، عليها أن تعي هي الأخرى ذلك، مضيفا: "لن نسمح بأن يتم فعل أي شيء في المنطقة من دون تركيا".

يعكس هذا التصريح موقف أنقرة التقليدي بشأن عمليات التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط، لاسيما فيما يتعلق بقرار سلطات قبرص اليونانية الدفع باتجاه إرساء العطاءات على الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز دون الأخذ بعين الاعتبار الحقوق الموجودة للقبارصة الأتراك في الثروة المفترضة للغاز في محيط جزيرة قبرص. 

خلال العامين الماضيين، نجحت سفن حربية تركية بالفعل في عرقلة عمل عدّة سفن تابعة لشركات أجنبية ومنعتها من عمليات التنقيب في محيط الجزيرة لاسيما في الأماكن الأكثر حساسية بالنسبة لها، أي في المناطق المتنازع عليها في حدود المنطقة الاقتصادية لقبرص اليونانية وحدود الجرف القاري التركي في المناطق المقسّمة تحت أرقام 1 و4 و5 و6 و7.

علاوةً على ذلك، حثّت أنقرة مراراً الشركات الأجنبية على الامتناع عن عمليات التنقيب، لكنّ دعوتها هذه لم تلقَ أذناً صاغية، وفي نهاية المطاف لم تمنع الإجراءات التركية السلطات اليونانية من إرساء المزيد من العطاءات نهاية العام الماضي، كما لم تحُل دون مواصلة الشركات الأجنبية لعمليات التنقيب عن النفط والغاز لصالح قبرص اليونانية. ولهذا السبب بالتحديد، ولموازنة الخطوات التي تقوم بها قبرص اليونانية، تحاول تركيا هي الأخرى أن تفرض أمراً واقعاً وذلك من خلال الدفع بسفينتي تنقيب عن الغاز إلى مياه شرق المتوسط قبال قبرص. وبهذا المعنى، هي تريد أن تقول إنّنا سنحفر بأنفسنا في المناطق التي نعتبرها تابعة لنا وفي المناطق التي يخوّلنا الاتفاق مع قبرص التركية أن نحفر بها، وهي مناطق مشتركة أيضاً بطبيعة الحال مع قبرص اليونانية. 

هذه الإجراءات والإجراءات المضادة، تغذي إمكانية حصول نزاع عسكري بين الطرفين سيما مع اجتذاب التنافس على النفط والغاز في شرق المتوسط لمجموعة كبيرة من القوى الإقليمية والدولية، ناهيك عن الحسابات السياسية التي تقف خلف إقامة سياسة المحاور في المنطقة، وما "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي أُعلن عن تدشينه الشهر الماضي ويضم مصر وإسرائيل وقبرص واليونان إلى جانب دول أخر إلا تعبيرا عن هذه السياسة. ولا نبالغ إذا ما قلنا إنّ هذا المنتدى موجّه بالدرجة الأولى ضد تركيا لاسيما في هذا التوقيت، أو على الأقل هذا ما يراه الجانب التركي الذي يعتبر أنّه مجرّد محاولة أخرى لعزله في شرق المتوسط. 

وفي هذا السياق، تشير عدّة تقارير إلى أنّ أنقرة تستعد في نهاية شباط (فبراير) وبداية آذار (مارس) لإجراء أضخم مناورات بحرية وجوية منذ أكثر من عقدين من الزمن في منطقة شرق المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، وإذا ما صح هذا الأمر، فهو سيكون بمثابة رسالة أخرى إلى أنّ تركيا ستعزز موقعها في شرق البحر المتوسط وتدافع عنه عسكرياً إن اقتضى الأمر ذلك. السلوك التركي الحازم في شرق المتوسط هو مؤشر على أنّ موضوع النفط والغاز عامل في غاية الأهمية في حسابات تركيا الاستراتيجية، فاكتشاف أي ثروات على ساحل المتوسط أو قبالة قبرص التركية أو في حدود قبرص اليونانية قد يغيّر اللعبة تماماً بالنسبة إلى تركيا التي دفعت ما يقارب الـ43 مليار دولار لاستيراد الطاقة في العام 2018.

يبقى السؤال المطروح، هل ستنجح تركيا في الدفاع عن موقفها في ظل الاستقطاب الحاصل في شرق المتوسط وعلاقاتها غير المستقرة مع الولايات المتحدة؟ وما هي التسوية المقبولة بالنسبة لها في هذا الملف لتجنّب إمكانية اندلاع نزاع مسلّح؟

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس