منذر فؤاد - خاص ترك برس

فتحة القبر التي دخلها شهيد الأمة الرئيس محمد مرسي، لم تكن إلا بابًا واسعًا من أبواب التاريخ لا يدخله إلا العظماء ممن استحقوا شرف الثبات على المبادئ والموت في سبيلها، ودفعوا ثمن مواقفهم الأصيلة، والرئيس مرسي كان أحدهم.

عندما تولى مرسي السلطة كأول رئيس مدني اختاره المصريون في انتخابات نزيهة، كان عليه أن يخوض معركة طويلة مع تركة ثقيلة تعود للنظام العسكري الذي حكم مصر لستة عقود، فضلا عما تتطلبه الوظيفة في مرحلة استثنائية كانت مليئة بالمطالب ومحفوفة بالفوضى، وهي أشبه بمن يسير في طريق ملغمة لأول مرة.

ولم تكد تمضي ستة أشهر على توليه الرئاسة، حتى دفعت المعارضة اليسارية بأتباعها إلى الميادين للمطالبة برحيل مرسي، وأضحت المظاهرات المليونية سمة بارزة خلال عهد مرسي، إذ شهد عهده 24 تظاهرة كبيرة - وصفتها المعارضة بالمليونية - مناوئة لحكمه، وخلالها جرى تعطيل الحركة على نحو غير مسبوق، ورغم ذلك لم يأمر باستخدام القوة بقدر ما كان يدعو دائما للحوار، ومن المهم الإشارة إلى أن مرسي عرض على قيادات يسارية معارضة تولي مناصب حساسة كمنصبي نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكنها قابلت عرضه بالرفض وأصرت على إسقاطه مهما كان الثمن.

وبنفس القدر الذي تركته فوضى الشارع التي أفرزها الخطاب السياسي المعارض، كانت الفوضى الإعلامية تنخر في الجسد المصري، وتجيّش وتحشد ضد حكم مرسي، مستفيدة من سقف الحريات الذي وفرته ثورة يناير، وحافظ عليه مرسي انطلاقًا من حرصه على ضرورة الوفاء لثورة يناير وأهدافها النبيلة في الحرية والكرامة وتحسين الأوضاع المعيشية، لكن ما تجاهله مرسي هو أن الإعلام المصري انحرف عن بوصلته وتفرّغ للتحريض ومارس التضليل الإعلامي وهو ما لا يمت بصلة للحرية الإعلامية وإنما يندرج في سياق الأجندة المشبوهة والتآمر على مكتسبات الثورة.

المؤسسة العسكرية هي الأخرى ظلت تتآمر ضد مرسي، وتدير المشهد المتأزم سياسيا وإعلاميا، بعد اتخاذ مرسي لقرارات جريئة شملت تغييرات وإعفاءات داخل المؤسسة العسكرية، لكن ثمة نقلة خاطئة خدع بها الرئيس بتعيينه للمجرم عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع، وهذه النقلة سيكون ثمنها الانقلاب على الرئيس وحبسه لست سنوات تعرض خلالها لقتل بطيء تمثّل في تعامل غير إنساني وإهمال متعمد وتعذيب نفسي، ومحاكمة هزلية، واتهامات باطلة طالته ورفاقه.

وحتى القضاء الذي كان المصريون مخدوعين بنزاهته المزيفة، عمل على إعاقة مرسي في كثير من القرارات التي اعتبرها تدخلا سافرا في شؤونه، بل إن القضاء اتخذ قرارات أعاقت إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، وليس أبلغ من ذلك قرارها بحل البرلمان المنتخب قبل أن يؤدي مرسي اليمين رئيسا بأيام قليلة.

خاض مرسي معارك مريرة للارتقاء بالاقتصاد المصري وتشجيع الصناعات المحلية، وعمل جاهدًا لتفعيل دور المؤسسات الحيوية في البلاد وتحقيق أهداف ثورة يناير، لكنه كان يصطدم بالسلطة القضائية والمؤسسة العسكرية في كثير من المرات، وكانت الاتهامات لا تتوقف ضمن حملة ممنهجة لشيطنة الرجل تمهيدا للقضاء على حكمه، وهي حملة أدارها العسكر بنجاح ومولتها مخابرات دول غربية وعربية وشارك في تنفيذها جهات مصرية احترفت الارتزاق والعمالة تحت يافطة العمل السياسي والقضائي تارة والعمل الإعلامي تارة أخرى.

لقد سجل الرئيس مرسي مواقف مشّرفة في تعامله مع القضايا الإسلامية، فلم يتأخر في إعلان دعمه للثورة السورية وإعلان قطع العلاقات مع نظام مجرم قتل الآلاف وشرّد الملايين، ولم يتأخر في الوقوف مع أبناء غزة خلال العدوان الصهيوني على القطاع في 2012، حتى أوقف الكيان عدوانه بعد اسبوع فقط نتيجة للموقف الذي اتخذه مرسي بأنه لن يترك غزة وحدها.

وهي مواقف اتخذها مرسي انطلاقا من الروح الإسلامية التي تحث على التعاون في مواجهة الشدائد كجسد واحد، ويقول مرسي في تغريدة له: "ما يجري في سوريا وليبيا واليمن وفلسطين لا يمكن فصله عما يجري في مصر، وفصل مصر عنه".

لقد اتخذ مرسي مواقف أصيلة، كانت سببًا في التآمر عليه من أطراف داخلية  كالمؤسسة العسكرية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، وجبهة الإنقاذ والنظام القديم، وجهات خارجية، كدول الغرب والكيان الصهيوني، والإمارات والسعودية، ونظرا لأن الرئيس مرسي لم يحصّن هذه المواقف بتغييرات جذرية في مؤسسات الدولة التي بقيت تحت سيطرة الدولة العميقة نظرا لحداثة عهده بالحكم وإدارة الدولة، فقد دفع ثمن مواقفه المشرفة بكل ثبات رافضًا كل العروض التي حاولت إقناعه بالتخلي عن الشرعية الدستورية التي بموجبها أصدر هذه المواقف كرئيس لمصر، حتى كتب الله له الشهادة في سجون العسكر شامخًا عزيزًا وصابرًا محتسبًا.

عن الكاتب

منذر فؤاد

كاتب ومدون يمني، إنسان ينتمي للإنسان في زمن اللانسانية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس