احسان الفقيه - خاص ترك برس

"ما في الأرض من آدمي إلا وفيه شبه من البهائم، فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد، ومنهم من يعدو عدْو الذئب ومنهم من ينبح نباح الكلاب، ومنهم يتطوّس كفعل الطاووس" العالم المسلم سفيان بن عيينة.

هذا التشابه بين طباع الإنسان والحيوان تكلم فيه كثير من العلماء وهو واقع مشاهد، بل ثبت أن البشر يكتسبون من خصال الحيوانات التي يعاشرونها، فمن يعاشر الخيل يكتسب العزة والشموخ، ومن يعاشر الحمير يكتسب البلادة.

طباع الضبع نجد لها كذلك مثيلا بين البشر، فذلك الحيوان لا يخرج من جُحره غالبا إلا بعد الغروب، ليتصيّد بقايا صيد وفرائس الأسود، صوته مزعج، ورائحته كريهة، وهو شخصية بغيضة في الثقافة الشعبية التي تناقلتها الكتب والمخطوطات.

وكذلك فئاتٌ من البشر، يتربصون بكل ساقطة، فيخرجون من أوكارهم ويذيعونها بأصواتهم المزعجة، وكما قال المثل العربي: لكل ساقطة لاقطة.

ما إن قام الرئيس التركي بتلك الزيارة إلى طهران، حتى انبرى الضباع للاقتيات على الحدث، ومحاولة تبديد فرحتنا بالتقارب العربي التركي الذي كان أبرز إيجابيات المرحلة الراهنة، والإيهام بأن تركيا لا تعبأ بقضايا السنة، وأنها قد تذبحها بسكين بارد إذا اقتضت حساباتها القائمة على المصلحة.

وقد أثار هذا النفخ والنفث قلق المخلصين العرب من أهل السنة، والذين دفعتهم الهواجس للتساؤل: هل ستكون هذه الزيارة بداية للتقارب التركي الإيراني على حساب مصالح المسلمين العرب وقضاياهم وأزماتهم المتعددة في المنطقة؟

وحتى تتضح الصورة أمام القارئ، أودّ أن أرتب كلماتي عبر الوقفات التالية:

السياسة الخارجية لتركيا

تقوم السياسة الخارجية لتركيا على نظرية العمق الاستراتيجي التي كرّس لها رئيس الوزراء الحالي داود أوغلو، والتي ترتكز على تحقيق الاستقرار وخلق وعي إقليمي، وتصفير النزاع، وإقامة علاقات اقتصادية قوية لتدخل تركيا في مصافّ القوى الكبرى في العالم.

فحكومة حزب العدالة والتنمية، استطاعت أن تُخرج تركيا من دوائر الصراع، لكنها في الوقت نفسه تجد لها مكانا حيويا في قضايا المنطقة الحيوية.

نعم هي تتخذ من الدول العربية والإسلامية مجالا حيويا لها، وتتقارب معها مستغلّة البعد التاريخي والتراث العثماني الذي كان العرب أحد أبرز مكوّناته، إلا أنها توازن في علاقتها مع إيران – والتي هي صداع في رأس العرب - بين تعطيل مشروعها الصفوي المجوسي عبر القنوات الرسمية والمبررة والمهضومة دوليا، وبين الحفاظ على روابط مستقرة لا تصل إلى حد القطيعة المباشرة، أو تعطيل المصالح الاقتصادية القائمة بين البلدين، فضلا عن النزاع المسلح.

لذا رأينا أردوغان يصدم إيران بتأييد عاصفة الحزم، وإعلانه الاستعداد لتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي، بالإضافة إلى تصريحه شديد اللهجة ضد إيران، واتهامه إياها بالتحرك على أساس مذهبي طائفي وإشعال المنطقة، وفي الوقت نفسه يحرص كل الحرص على إجراء زيارة طهران في موعدها، رغم موجة السخط في الداخل الإيراني التي وصلت إلى حدّ المطالبة بإلغاء زيارة أردوغان.

إيران وتركيا واختلاف المشاريع

واهمٌ من يظن أن هذه الزيارة تكشف عن تقارب المشروعين التركي والإيراني، أو أن هذه العلاقات تقوم على أشلاء المصالح العربية، فهما بالأصل مشروعان مختلفان في أكثر من أساس.

فالمشروع التركي يقوم على تحقيق الاستقرار لكل الأطراف، بينما المشروع الإيراني كما يعبر الباحث علي حسين باكير، يقوم على التوتير المضبوط.

كما أن الجانبين يرتبطان بعلاقة عكسية فيما يختص بالنفوذ الإقليمي، حيث أن تنامي النفوذ التركي في المنطقة يضعف النفوذ الإيراني، والعكس صحيح.

وإضافة إلى ذلك فإن تركيا تبني سياستها مع العرب على الشراكة الاستراتيجية،

 بينما إيران تبني سياستها على التوسع الإقليمي والاستحواذ، مدفوعة بمشروعها القومي الفارسي الذي يرتكز على أساس مذهبي طائفي.

لذلك لا ينبغي للدول العربية السُنية أن يساورها القلق تجاه أي تقارب تركي إيراني، حيث أن سقفه محدّد، تعلم تركيا أن تجاوزه سوف ينسف سياستها الخارجية.

الشأن الداخلي التركي وتأثيره على العلاقات مع إيران

حتما الشأن الداخلي في تركيا له دوره الفاعل في رسم شكل العلاقات مع الدول الأخرى، فحكومة العدالة والتنمية تواجه معارضة أتاتوركية قوية، ودخلت في صراع شرس مع الكيان الموازي الذي يتزعمه فتح الله غولن وحلفاؤه.

فاتجاه أردوغان لتوتير العلاقات مع إيران التي يعتمد عليها بصفة كبيرة في موارد الطاقة، ويصل حجم التبادل التجاري معها إلى نحو 30 مليار دولار، سوف يتم استغلاله داخليا والترويج لأن الحزب الحاكم يقود مشروعا قوميا على أساس طائفي وهو ما ينذر بانهيار البناء الذي شرع فيه الحزب منذ تولّيه الحكم ولما يكتمل بعد.

وفي نفس الوقت لا يسع الحزب الذي يحاول استعادة الهوية العثمانية كفكرة مركزية يجتمع عليها الأتراك، إلا أن يدعم المنطقة العربية في قضاياها، ويقوم في الوقت نفسه بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة والذي له انعكاساته في الملفات الأخرى التي تقلق تركيا كالأزمة السورية والملف العراقي.

لذا تتسم دائما تحركات أردوغان بالعقلانية والاتزان، كان من أبرزها –من وجهة نظري قطعا- هذا الموقف الذي رأى البعض فيه التناقض، وهو موقفه الصارم من تأييد عاصفة الحزم، ثم حرصه على زيارة طهران.

تركيا لم تنفرد بعلاقات مع إيران

إذا كان البعض من إخواني العرب يطالب تركيا بقطع العلاقات مع إيران باعتباره حتميا لتكوين حلف سني في المنطقة، فمن الإنصاف أن نطالب أيضا حكوماتنا العربية بقطع العلاقات نهائيا مع إيران.

نطالب مثلا المملكة العربية السعودية بطرد السفير الإيراني وسحب سفيرها في طهران.

نطالب مثلا دولة الإمارات بقطع علاقاتها الاقتصادية القوية مع إيران.

لذا لا ينبغي التهويل من أمر هذه الزيارة، التي تدخل في إطار الحفاظ على بعض المصالح الاقتصادية أو الإقليمية، فحتى إيران تدرك أهمية هذا البُعد، وتراعي إقامة علاقات متوازنة مع تركيا أيضا، لأنها تدرك أن دولة بحجم تركيا لديها من أوراق القوة ما يمكنها تفعيله حال توتر العلاقات مع إيران.

متى نغضب من أردوغان

سنغضب من أردوغان حتما إذا ما جاءت علاقته بطهران على حساب المصالح العربية الإسلامية.

سنغضب من أردوغان إذا ساوم بقضايا البؤر الإسلامية والعربية المشتعلة مع الكيان الصهيوي أمريكي أو الإيراني.

سنغضب من أردوغان إذا كال بمكيالين ووقع في ازدواجية المعايير تجاه قضايا المنطقة الإسلامية والعربية.

سنغضب من أردوغان إذا باع القضية الفلسطينية وتخلى عنها، وطرد السوريين لأجل عيون بشار الأسد.

سنغضب من أردوغان إذا دعم الانقلابيين على الشرعية في دول المنطقة.

وحينئذ سأكون أنا - المتهمة دائما بـ (التطبيل) لأردوغان- أول من يغضب وأسلّ قلمي لانتقاده.

وحتى تسفر الأيام عن الحقائق وتتضح كالشمس في رابعة النهار، أقول للضباع: زيارة أردوغان لإيران أبدا لن تكون وليمة لكم. 

عن الكاتب

احسان الفقيه

كاتبة أردنية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس