ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

المشروع الإيراني في المنطقة وشيطنتها

لا شك في أن إيران لديها مشروعها التوسعي في المنطقة، مشروع يحمل العداء الأيدلوجي لمحيطها الإقليمي، ويهدد أمن المنطقة، وبحكم موقعها الجيواستراتيجي، فإنه يزعج أصحاب المصالح من البائع والمشتري لنفط الخليج العربي، لكن ومع ذلك فإن إيران تم شيطنتها بشكل ممنهج لتظهر كشيطان العالم ومصدر شروره، ونضرب على ذلك مثالا بالاتفاق النووي الذي عقدته مع الغرب، فرغم التنازلات التي قدمتها في الاتفاق النووي مع الغرب، فبحسب المعلن من بنود الاتفاق فإن حجم التنازلات التي قدمتها إيران لم يكن ليحلم بها أكثر الناس طموحا، فيكفي أن الاتفاق ألزم إيران على وقف تشغيل ثلثي ما تملك من أجهزة الطرد المركزي، بل تشغيل أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول فقط، بنسبة تخصيب لا تتجاوز 3.67%.
رغم ذلك وجد الاتفاق عملية تهوين ممنهج إعلاميا وسياسيا من بعض الأطراف في حينها. وعلى رأس من اعترض على الاتفاق كان رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو إلى حد توتر العلاقات بين تل أبيب وواشنطن.

دور تل أبيب في شيطنة إيران 

كتب الصحفي الإسرائيلي براك رفيد في صحيفة  هآرتس العبرية، بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب، مادحا الدور الذي قام به الرئيس أوباما في في خدمة المصالح الإستراتيجية والأمنية للكيان المحتل، مع ذلك انتهج نتنياهو نهجا يخالف ما ذهب إليه المحللون والسياسيون الصهاينة في تل أبيب، بل وفي العالم أجمع، بالهجوم على الاتفاق ولايزال يدفع في هذا الاتجاه حتى وصل ترامب إلى البيت الأبيض، وأدار مسرحية تلفزيونية أعلن فيها حصول مخابراته على وثائق مخبأة في مخزن تؤكد امتلاك إيران لمقومات انتاج السلاح النووي، ليدفع ترامب للانسحاب من الاتفاقية ويحرض حلفاءه الموقعين على الاتفاق للسير حذوه، وهو ما لم يستجب له شركاء الاتفاق وعكر العلاقات الأمريكية -  الغربية.
دور تل أبيب في شيطنة الاتفاق النووي ليس الوحيد في سبيل سعيها لشيطنة إيران فعقوبات أمريكا على إيران المتتالية والمبرمجة على شكل تصاعدي، وضرب أذرع إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان والدفع نحو تمديد حظر بيع السلاح لطهران مدفوع من اللوبي الصهيوني الذي وصل من خلال كوشنر وبومبيو إلى البيت الأبيض ويحرك خيوط اللعبة، واللذان أقنعا ترامب بفتح المجال للطيران الصهيوني في قصف الميليشيات اللبنانية والعراقية الموالية لإيران وكذا الحرس الثوري في سوريا عدة مرات.

علاقات حكومة العدالة والتنمية بالكيان الصهيوني

اعترفت تركيا ما قبل العدالة والتنمية بالكيان الصهيوني، كما كان مخططا لها أن تكون، بعد عزله عن محيطها العربي والإسلامي، كعلامة مؤكدة على قيام الجمهورية الجديدة، وللخروج من العزلة وحالة الهوان الاقتصادي الذي تعيشه من خلال ترضية رعاة الكيان المحتل في الغرب الأوروبي والأمريكي، لتتصاعد وتيرة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، ويشهد عام 1994 أول زيارة لرئيسة الوزراء التركية، تانسو تشيلر، لتل أبيب، وتوقع بعدها بعامين الاتفاقية الأمنية العسكرية بينهما.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية في العام 2002 وما حققه من انجازات على المستوى الداخلي، بدأت تتبلور أجندة الحزب الخارجية، وظهرت توجهات الحزب المنحرف بشكل كبير عما أصلته الحكومات المتعاقبة منذ نشأ الجمهورية، وبدأ يظهر موقف الحزب من الكيان الصهيوني بعد أن اتخذ قرار الاتجاه شرقا حيث محيطه العربي والإسلامي واتخاذ مواقف واضحة تجاه قضاياه، تخالف ما اعتادت عليه تل أبيب.

نهضة العدالة والتنمية تقلق تل أبيب

 لعل النهضة التي حققها حزب العدالة والتنمية والمسنود بظهير شعبي، ما أدى إلى تصاعد أسهمه في المنطقة والمصاحب لتنامي قوته الاقتصادية والعسكرية، في ظل تقارب عربي واضح سرعت وتيرته ثورات الربيع العربي، وموقف الإدارة التركية المنحاز لإرادة الشعوب، جعلت قادة الاحتلال الصهيوني قلقين من هذا الصعود الصاروخي لتركيا العدالة والتنمية، وهو ما عكسته بشكل صريح عناوين الصحف العبرية ومحللوها السياسيون بوصف تركيا كخطر داهم على وجود كيانهم الغاصب، وشبهت الصحف العبرية مواقف الإدارة التركية بخطاب إيران التصعيدي بعد نجاح الثورة في السبعينات من القرن الماضي، والذي تحول من خطاب كراهية معادي للكيان المحتل إلى سلوك تهديدي، داعم لكل الحركات المعادية من وجهة نظرهم كحركة حماس وحركة الجهاد الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني، فموقف الرئيس أردوغان من حادثة السفينة مرمرة في أسطول الحرية، ثم لقائه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أكد هذه الفكرة – معاداة الكيان المحتل - التي تجد راوجا في أوساط شعوب الربيع العربي التي يمتلك العدالة والتنمية التركي رصيدا جبارا في قلوبها.

على الطريق والطريقة تُستهدف تركيا           

 على طريق وطريقة شيطنة إيران تعمل تل أبيب على استهداف تركيا، فالتحول الكبير في العلاقات بين حكومة العدالة والتنمية وتل أبيب وتباين المصالح في العديد من القضايا وعلى رأسها تنامي قدرات تركيا في المنطقة كقوة إقليمية كبيرة، وكذا مشروعات نقل الغاز في المتوسط وما صاحبه من ترسيم للحدود الاقتصادية، كل ذلك جعل تل أبيب تتحرك بوتيرة أسرع لشيطنة تركيا، وقد ظهر ذلك في انخراطها بشكل أو بآخر في محاولة الانقلاب الفاشلة، وتحريك الولايات المتحدة على ملفات عسكرية بعد قرارات تركية بعد الانقلاب وكان قرار أنقرة شراء منظومة الدفاع الروسية المتطورة (S400) فرصة عظيمة لضرب إسفين بين تركيا وأمريكا ما دفع الأخيرة إلى وقف توريد الطائرات (F35) المتطورة التي تشكل تهديدا عليها، واستغلت تل أبيب أذرعها في أوروبا والعالم في زرع فكرة التمدد التركي بمشروع هيمنة على المنطقة ودللت على ذلك بمواقف أرادت تركيا منها الحفاظ على أمنها أو حقوقها بتصوير تحركاتها على أنها مشروع استعماري توسعي، ما أفرغ محيطها العربي من كبرى دوله، كمصر والسعودية، وشحن محيطها الإقليمي كالعراق والأردن واليونان وقبرص ومن ورائهم فرنسا، لمحاولة عزل أنقرة كما عزلت إيران حتى وصل الأمر إلى تهديد الاتحاد الأوروبي بعقوبات على أنقرة، كما تعاقب إيران. 

المعضلة التي تواجه مشروع تل أبيب

قد تكون تل أبيب نجحت بشكل ليس بالقليل في مشروعها الهادف إلى شيطنة تركيا العدالة والتنمية مستفيدة من تصاعد اليمين المتطرف في العالم، وتقاطع مصالحه مع لوبي عربي مضاد يتخادم مع مشروع الصهيونية العالمية، كما أن ظروف والمواقف والقرارات المتخذة والتي تفسر على نحو يمكن بكل سهولة شيطنة متخذها، إلا أن الأمر لم ينجح بالكلية، فعوامل عدة تقف في صف حكومة العدالة والتنمية، الأهمية الجيوإستراتيجية، والاتفاقيات الأمنية والسياسية والاقتصادية المبرمة ولاتزال سارية، وأوراق الضغط التي تصنعها الإدارة التركية والتي تمكنها من الجلوس على الطاولة لا لتلعب مع الكبار بل لتقتنص منهم جولات، وإن كان الرئيس أردوغان وفريقه يستطيعون اللعب على كل حبال السرك السياسي العالمي، إلا أن أطرف ذلك السلك، للأسف، مشدودة من طرفين يمتلكهما قوى معادية، لذا يجب الحذر وتأمين الجبهة الداخلية حتى لا يؤتى اللاعب من حيث لا يتوقع، وكما قيل "يؤتى الحذِر من مأمنه".            

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس