ترك برس

تطرق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام، في معرض حديثه عن القدس، إلى النقيب حسن، وهو جندي عثماني ارتبط اسمه بالمسجد الأقصى.

وفي كلمة له، الأربعاء، أمام الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، قال أردوغان إن حماية الأراضي الفلسطينية المقدسة، هي واجب تاريخي وديني بالنسبة لبلاده، مستشهداً على ذلك بسياسات العثمانيين في هذا الخصوص.

وذكر أن الأتراك تاريخيا قاموا بحماية الأراضي الفلسطينية المقدسة من جميع الهجمات طوال قرون عديدة، تأدية لواجبهم التاريخي والديني.

وأشار إلى أن تركيا تعبر علانية عن حساسيتها تجاه وضع القدس وخصوصية المسجد الأقصى لكل مسؤول أو زعيم سياسي وديني في إسرائيل.

كما أن تركيا تدعو وستواصل دعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات حيال الظلم والاضطهاد الممارس في حق الفلسطينيين.

واستطرد: "لا أحد من المسلمين يمكنه التخلي عن القضية الفلسطينية وأجدادنا العثمانيون فعلوا ما بوسعهم لحماية فلسطين والقدس."

كما استشهد أردوغان بالنقيب حسن، الذي يعد آخر جندي عثماني توفي مدافعاً عن المسجد الأقصى.

من أبرز ما تركه الجيش العثماني، في القدس عند خروجه منها بشكل قسري وفق اتفاقيات دولية في مرحلة ضعف الدولة العثمانية، هي الكتيبة الثامنة الطابور السادس والثلاثين من الفرقة العشرين، والتي كانت مسؤولة عن حماية المسجد الأقصى والمقدسات هناك.

العريف حسن الإغديرلي، واحد من أفراد تلك الكتيبة، والذي حرص لسنوات طويلة أن يكون أول من يصل إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية وآخر من يغادره قبل إغلاق أبوابه، بحسب شهادة فريدة حول العريف حسن.

وليس ثمة الكثير المعروف عن العريف حسن أو حتى مكان قبره، ولكن اسمه متداول ما بين المصلين كبار السن في المسجد الأقصى.

وفي وقت سابق، نقلت وكالة أنباء الأناضول، عن الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى، قوله إنه "كان هذا الجندي التركي منعزلا عن الناس وكان قلبه متعلقا بالمسجد الأقصى، فيقضي فيه الساعات الطوال خلال النهار إلى أن يتم إغلاق أبواب المسجد، فكان أول من يدخل المسجد في ساعات الفجر وآخر من يخرج منه في المساء".

استنادا إلى الشيخ صبري (80 عاما)، فإنه كان يلمح بشكل متكرر العريف حسن بملابسه المتواضعة، وهو يجلس على درجات تؤدي إلى قبة الصخرة المشرفة من الجهة الشمالية للمسجد الأقصى.

عدم حديث العريف حسن مع المصلين، ربما لعدم إتقانه اللغة العربية، جعلت المعلومات عنه ضئيلة للغاية.

وقال الشيخ صبري: "يبدو أنه كان حزينا على ما حصل في الحرب العالمية الأولى.. لم يحتك بالناس.. هذا هو الانطباع الذي أخذته عنه".

وأضاف أنه "لم يتكلم العربية أو لم يفكر أن يتحدث باللغة العربية وبقي منطويا على نفسه إلى أن توفاه الله"، ولم يكن بإمكان الشيخ صبري تحديد مكان محتمل لقبر العريف حسن أو تاريخ محتمل لوفاته.

ولربما كان الأول الذي يكشف سره هو الصحفي التركي المؤرخ إلهان بردكجي الذي زار المسجد الأقصى ضمن وفد تركي في شهر أيار/ مايو 1972 وتحدث معه باللغة التركية.

يشير بردكجي إلى أن العريف حسن كان في حينها في الثمانينيات من عمره وإنه حينما ألقى عليه السلام رد عليه بصوت خافت مرتجف: وعليكم السلام بنبرة تركية.

وعندما استفسر منه عن سبب وجوده في المسجد الأقصى رد: "أنا.. أنا العريف حسن الإغدرلي رئيس مجموعة الرشاش الحادية عشرة، الكتيبة الثامنة الطابور السادس والثلاثين من الفرقة العشرين في الجيش العثماني".

ولفت العريف حسن إلى أن "اليوزباشي النقيب مصطفى قال للحراس: أيها الأسود.. إن الدولة العثمانيّة العليّة في ضيق كبير (..) جيشنا المجيد يسرح (..) والقيادة تستدعيني إلى إسطنبول (..) يجب أن أذهب وأُلبّي الأوامر وإلا أكون قد خالفت شروط الهدنة ورفضت الطاعة، فمن أراد منكم العودة إلى بلاده فليفعل (..)، ولكن أقول لكم إن القدس أمانة السلطان سليم خان في أعناقنا فلا يجوز أن نخون هذه الأمانة أو نتخلى عنها، فأنا أنصحكم بالبقاء حراسا هنا، كي لا يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس وغادرتها، وإذا تخلت دولتنا عن أول قبلة لفخر الخلق سيدنا محمد، فسيكون ذلك انتصارا حقيقيا لأعدائنا، فلا تضعوا عزة الإسلام وكرامة الدولة العثمانية تحت الأقدام".

وأضاف العريف حسن: "فبقيت وحدتنا كلها في القدس، لأننا لم نرضَ أن يقال إن الدولة العثمانية تخلت عن القدس، أردنا ألا يبكي المسجد الأقصى بعد أربعة قرون، وألا يتألم نبينا الكريم".

وتابع: "ثم تعاقبت السنوات الطويلة ومضت كلمح البصر، ورفاقي كلهم انتقلوا إلى رحمة الله تعالى واحدا واحدا، لم يستطع الأعداء أن يقضوا علينا، وإنما القدر والموت، وها أنا ذا العريف حسن ما زلت على وظيفتي حارسا على القدس الشريف... حارسا على المسجد الأقصى".

استنادا إلى بردكجي فإنه في العام 1982 تلقى رسالة بوفاة "الحارس العثماني الأخير للمسجد الأقصى".

ما قدمه بردكجي من شهادة عن العريف حسن يتوافق مع ما هو معروف لدى ناجح بكيرات، مدير أكاديمية الأقصى للوقف والتراث والخبير بالحقبة العثمانية في القدس وفلسطين، عن الجندي العثماني.

وقال الشيخ صبري: "هناك بصمات متعددة للدولة العثمانية سواء في مدينة القدس أو المسجد الأقصى، بما فيها المصاطب وسبل المياه وكانت معظم انطلاقات الجيش العثماني تتم من الأقصى المبارك".

وأضاف خطيب المسجد الأقصى: "لا تزال الآثار التركية قائمة في المسجد الأقصى بخاصة، وفي مدينة القدس وفلسطين بعامة، سواء المساجد أو دور القرآن الكريم أو مدارس الأيتام".

يُشار إلى أن القدس خرجت من سيطرة العثمانيين، في 9 نوفمبر/كانون الثاني 1917، فيما خرجت الجيوش العثمانية من المدينة المقدسية في 9 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، لتنتهي بذلك فترة حكم عثمانية للقدس دامت حوالي 400 عام بعد أن دخلها السلطان سليم الأول في 29 ديسمبر/كانون الأول 1516، إثر هزيمة زعيم المماليك آنذاك، قانصوه الغوري في معركة مرج دابق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!