ترك برس

تتجه الأنظار في تركيا بعد حسم الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، إلى أبرز الملفات التي سيولي لها الأخير أولوية خلال المرحلة المقبلة التي تتميز بحساسيتها وأهميتها البالغة نظراً لتزامنها مع المئوية الثانية لتأسيس الجمهورية.

وشهدت تركيا، الأحد، إجراء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي انتهت بفوز أردوغان بنسبة 52.16%، وحصل منافسه كمال كليجدار أوغلو على 47.84%.

تحولات وأولويات

وفي هذا الإطار، نقل تقرير لـ "الجزيرة نت" عن الأكاديمي غوكهان صرمالي عضو هيئة التدريس بجامعة رجب طيب أردوغان، قوله إن هناك إشارات إلى تحولات متوقعة في إدارة أردوغان واختيار أعضاء مجلس الوزراء على أساس الكفاءة.

ورأى صرمالي أن سياسة أردوغان ستقوم على زيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، كما فعل في السنوات الأولى من حكمه، مع أولويات كالتعامل مع التضخم وانخفاض مستوى رفاهية الفرد ومشاكل الاستثمارات والعملات الأجنبية وأزمة الإسكان، وأيضا الاستمرار في إعادة الإعمار ومعالجة الدمار الناجم عن زلزال فبراير/شباط الماضي.

بدوره، رجّح الباحث في معهد سيتا للدراسات مرت حسين أكغون أن إدارة أردوغان ستعطي أولوية للتأهب للكوارث، إدراكا للحاجة إلى تعزيز القدرة على التعامل والاستجابة لها، خاصة مع وجود توقعات بحدوث زلزال يهدد مدينة إسطنبول.

وقال أكغون إن رؤية أردوغان -المعروفة باسم "قرن تركيا"- تدل على التزامه بالحفاظ على الإنجازات والنهوض بالدولة مع استمرار المشاريع الطموحة في مجالات الدفاع والطاقة والنقل والسياحة والبناء.

إصلاح اقتصادي

وفي اعتقاد أكغون، سيركز أردوغان بشكل أساسي على الاقتصاد بوصفه النقطة الأبرز التي ظهرت في مخاوف الناخبين خلال الحملة الانتخابية. ورأى أن تكوين فريق اقتصادي جديد للرئيس سيقدم رؤى حاسمة في اتجاه سياسته الاقتصادية في الفترة المقبلة.

بدوره، توقّع المحلل السياسي بلال سلايمة أن يأخذ أردوغان في الفترة القادمة خطوات على مسارين في الوضع الداخلي التركي: أولهما يتعلق بالوضع الاقتصادي، ثم النظام السياسي.

ولفت سلايمة إلى وجود "مؤشرات باتخاذ أردوغان إجراءات إصلاحية" في المسار الاقتصادي، من بينها دعوة وزير المالية السابق محمد شيمشك للمشاركة في الحملة الانتخابية؛ في محاولة للدفع بأسماء ذات ثقة لدى السوق المالي الداخلي والعالمي في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التركية، رغم أن شيمشك "ترك الباب مفتوحا" أمام احتمال رجوعه للسياسة من جديد.

ويقول الباحث صرمالي إنه من غير المعروف ما إذا كان شيمشك -الوزير السابق بين عامي 2009 و2015- سيعود أو لا، لكنه توقع أن يكون وزير المالية الجديد صاحب كفاءة مرتفعة للغاية.

ورأى صرمالي أن الرئيس الجديد للاقتصاد سيكون خبيرا يمكنه إعطاء رسائل إيجابية للسياسة الدولية والأسواق العالمية، ولديه القدرة على تقديم حلول للمشاكل الاقتصادية خلال المديات القصيرة والمتوسطة ​​والطويلة.

الانتخابات البلدية في أقل من عام

وعلى الصعيد السياسي، رأى أكغون أن أردوغان سيسعى لتبني نهج أكثر استيعابا للتيارات المختلفة لإنهاء حالة الاستقطاب الحادة منذ الحملات الانتخابات، إلا أن الانتخابات البلدية المقررة بعد 9 أشهر قد تزيد الاحتقان السياسي مرة أخرى؛ مما يجعلها عقبة في مسار الحوار السياسي.

ويرى المحلل سلايمة أن الاستحقاق القادم لأردوغان هو الانتخابات البلدية لعام 2024، مشيرا إلى أن الأمر يمثل تحديا؛ نظرا لتصدر كليجدار أوغلو النتائج في إسطنبول وأنقرة في الجولتين الأولى والثانية، وتراجع التصويت لحزب العدالة والتنمية في هاتين المدينتين على وجه الخصوص.

وأشار سلايمة إلى أهمية المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية الذي سيقام نهاية الصيف القادم قبل الانتخابات البلدية، والذي سيؤشر إلى "وريث" أردوغان في رئاسة وقيادة دفة الحزب، وبالتالي سيكون له دور مهم في قيادة تركيا.

عقبة اللاجئين

أما الأكاديمي صرمالي فيعزو صعوبة موقف أردوغان في إسطنبول وأنقرة خاصة إلى أن مسألة عودة السوريين أصبحت قضية جادة على الصعيد الاجتماعي، وأن أردوغان -الذي حصل أيضا على دعم سنان أوغان في الجولة الثانية من الانتخابات- سيحتاج الآن للمزيد من الوقت لحل هذه القضية.

ورأى الأكاديمي أن قضية اللاجئين من أهم العقبات أمام عودة حزب العدالة والتنمية للفوز في المدن الكبرى بالانتخابات المحلية المقبلة. وأضاف أن أردوغان فقد "قلعتيه الكبيرتين: إسطنبول وأنقرة، ولن يرغب في خسارة قلاع أخرى"، وإذا أراد استعادتهما فعليه تقديم بعض اللوائح التنظيمية المتعلقة بالسوريين.

مكافحة الإرهاب

ورأى صرمالي أن أردوغان سيحاول الاستجابة لرغبات الجناح القومي في تحالف الشعب، وتطلعات المجتمع بتعزيز الخطوات الملموسة في مكافحة "الإرهاب". كما أن تفوق تركيا في مجال الصناعة الدفاعية الوطنية سيؤدي إلى استخدام المركبات محلية الصنع في هذه المهمة.

وفي رأي الأكاديمي التركي، ستسعى الصناعة الدفاعية إلى توسيع الإنتاج وبيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية كصناعة تجارية، مما سيرفع مكانة أردوغان.

تعديلات دستورية

وفي المسار السياسي أيضا، يرى الرئيس أردوغان -وكثير من نخب العدالة والتنمية- الحاجة لإجراء بعض التعديلات في ما يتعلق بالنظام الرئاسي التنفيذي الموجود حاليا من أجل القدرة على تجاوز بعض الإشكالات على صعيد الحوكمة، كما يقول المحلل السلايمة.

وفي هذا الصدد، يشير المحلل إلى تعديلات دستورية لن تمس روح الدستور والهوية القومية التركية، ولكنها ستركز على أمور تنفيذية متعلقة بإشكالية تهميش دور البرلمان وتراجع دور الرقابة البرلمانية، وكذلك إشكالية تركيز آلية اتخاذ القرار في يد رئاسة الجمهورية.

غير أن الباحث أكغون يرى أن تركيا في حاجة إلى دستور جديد، حيث وُضع دستورها الحالي من قبل "مدبري الانقلاب" عام 1980. وتُرجح نتائج الانتخابات إعادة تقديم النظام الرئاسي كنظام حكومي، كما سيفتح الدستور الجديد المجال لإمكانية إدخال تحسينات كبيرة على الحقوق والحريات الأساسية.

وأكد الباحث أن وعد أردوغان بدستور جديد ومدني سيحمل إمكانية إجراء تحسينات جوهرية في التحول الديمقراطي وسيادة القانون واستقلال القضاء والتوازنات في مؤسسات الدولة.

ومع ذلك، يرى أكغون أن التفاصيل المحددة للدستور الجديد ستعتمد على المفاوضات بين الأحزاب السياسية ومواقف السياسيين المعنيين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!