سلجوق ترك يلماز - يني شفق

إن التقدم التدريجي نحو الاستقلال الذي أحرزته المستعمرات الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا والمنطقة الساحلية من الأحداث المهمة التي يجب متابعتها بعناية على صعيد العلاقات الدولية، ورغم صعوبة فهم العلاقات مع الغرب بسب انحراف ثورات "الربيع العربي" في وقت قصير عن مسارها في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين إلا أن مجابهة أكثر من دولة لفرنسا في نفس الوقت يشير بشكل قطعي إلى تغير الأوضاع، ومن المؤكد أن هذا التطور لن يقيّم على أنه يخص فرنسا وحدها، فهي تهم العالم الغربي بأسره، وكان لحركة "حياة السود مهمة" التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل بضع سنوات صدى في جميع أنحاء العالم تقريبًا، وحتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أراد العالم الغربي استرجاع حقبة الاستعمار عن طريق محاولة إحياء مفهوم الإمبريالية الجديدة أو الإمبريالية الليبرالية وكانت القوى الغربية قد شرعت في إعادة غزو الجغرافيا الإسلامية بثقة كبيرة.

وخلافًا لما حدث في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين قال الغربيون هذه المرة إنهم عازمون على معاقبة الإرهاب الدولي، وكان دخول فرنسا السريع إلى ليبيا عقب تهيؤ الظروف بعد أحداث العراق وأفغانستان بمثابة بداية حقبة جديدة لإفريقيا، واتضحت نية فرنسا في محاولة استعادة أيام مجدها بذريعة مكافحة الإرهاب، ووفقًا لها فقد تمت تهيئة جميع الظروف للإمبريالية لكن السياسات الإمبريالية لم تلقَ التأييد الكافي من الجماهير في العالم الغربي ولا خارجه.

وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين رأى الغرب أن استقلال دول مثل أفغانستان بمثابة "بداية عالم ما قبل الحداثة" وكان هذا يعني بالنسبة له نهاية الإمبريالية، لقد تم استغلال مفاهيم "الإمبراطورية والإمبريالية" على نطاق واسع في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك في الدول النامية وتم تجاهل فرص واحتياجات المستعمرات، ونظرًا لأن مفاهيم الإمبراطورية والإمبريالية كانت مكروهة جدًا لم يعد أحد يرغب في تحمل العبء الذي وصفه "روديارد كبلينغ"؛ (عبء الرجل الأبيض)، وبعبارة أخرى لم تعد الدول الاستعمارية السابقة تريد تحمل هذا العبء بعد الآن، وعلى الرغم من ذلك شرعت الولايات المتحدة الأمريكية وجميع الدول الغربية في جعل دول ما قبل الحداثة تتماشى مع تحضرها، فبالنسبة لهم "لا يزال الضعيف بحاجة إلى القوي ولا يزال القوي بحاجة إلى عالم منظم" ولا بد من التنويه إلى أن هذا التعبير المذكور بين علامتي الاقتباس يصف ظاهرة الاستعمار وهذا ما رآه "روديارد كبلينغ" على أنه "عبء الرجل الأبيض".

ولا يعقل أن تكون فرنسا قد أقنعت نفسها حقًا بحلم "الإمبريالية القائمة على مبدأ الطوعية"، وإلا فذلك يعني أنها غير قادرة على رؤية الوجه الحقيقي للعالم الحالي بشكل كامل، وبناء على هذه النظرة الخاطئة ظنت أنها ستستعيد مجدها الاستعماري، ولعلها ظنت بانها ستنجح مع ظهور تغييرات في المنطقة مثل: نجاح الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، والزعزعة التي تسببت بها منظمة "غولن" الإرهابية التي تعد امتدادا للقوى الغربية في تركيا، والفوضى التي سادت ليبيا، والانقلاب الذي شهدته الجزائر.

وكانت "عملية برخان" التي أطلقتها فرنسا في منطقة الساحل عام 2014 متوافقة تمامًا مع تعريف "كبلينغ" لـ "الرجل الأبيض" الذي سيجلب الحضارة إلى العالم مرة أخرى، وشملت العملية بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وكانت كل هذه الدول مستعمرات سابقة لفرنسا لكن بعد عام 2020 أظهرت الانقلابات العسكرية المناهضة لفرنسا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر أن شعوب إفريقيا غير راضية إطلاقا عن شكل الحكم هذا والذي يوصف بالاستعمار الجديد كما انتقد بعض قادة المستعمرات السابقة ماكرون علنًا، وبذلك أظهروا أنهم لا يريدون الخضوع بسهولة لحكم فرنسا أو أي قوة إمبريالية أخرى.

إن الطريقة التي تغطي بها الصحافة الغربية الأحداث التي تجري في إفريقيا مثيرة للاهتمام أيضًا، وقد ظهرت مقالات في الصحافة الغربية تتهم روسيا والصين وتركيا على وجه الخصوص فيما يتعلق بالموقف الجديد للدول الإفريقية تجاه الغرب، وليس من السهل إدراجها في الحدود المعروفة للاستشراق، وكما هو معروف فإن الآراء حول مشاكل الشرق تختلف في تركيا فتلك الأوساط التي أعربت عن ضرورة التعامل مع الأحداث من وجهة نظر واقعية كانت منزعجة من التركيز على مفاهيم الاستعمار والإمبريالية فهذا بالنسبة لهم يعني تحميل الغرب مسؤولية أخطاء الشرقيين وإلقاء اللوم على الغرب، في حين أن نشر مقالات في الصحافة الغربية تتهم روسيا والصين وتركيا فيما يتعلق بالتطورات في إفريقيا قد يشير إلى أن الأدوار قد تغيرت.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس