ترك برس

يلاحظ الكثير من السياح أو الطلاب أو الوافدون العرب إلى تركيا أن المجتمع التركي يواجه مشكلة في معرفة اللغة الأجنبية، ويجدون أنّ عددًا قليلًا من الأتراك يعرف لغة أجنبية ويستطيع التحدث بها. وعند رؤية هذه الحالة على الفور يبدأ الزائر العربي لتركيا بالتساؤل عن السبب الرئيسي لهذه المشكلة، في حقيقة الأمر هذه المشكلة تعود إلى تاريخ تأسيس الجمهورية التركية.

تأسست الجمهورية التركية على قواعد وأسس قومية "صارمة"، ففي فترة ميلادها الحديث كان يُمنع التحدث داخل البلاد بأي لغة أجنبية أخرى وكان يُمنع استخدام أي لغة أجنبية أخرى سوى اللغة التركية، وكان يحرص مؤسسوها على ترجمة جميع العلوم الأجنبية والإنجليزية والفرنسية إلى اللغة التركية، ولم تكن توجد سوى ثلة صغيرة تعرف لغات أجنبية، وهذه الثلة كانت تُرسل من قبل الدولة للدول الأخرى لتتعلم لغتها وتدرس في أحد الكليات التي تختارها الدولة، وهذه الدول كانت دولًا غربية وبالأخص فرنسا وإنجلترا وسويسرا.

كما كانت السياسة العامة للبلاد مغلقة بهدف حماية الدولة وقوميتها، فكانت العلاقات السياسية تُبنى مع الدول الأخرى بشكل حذر وكانت العلاقات الاقتصادية شبه معدومة وكانت تقتصر ورادات الصناعات الثقيلة فقط مثل السيارات والأسلحة وغيرها، وكان النظام الاقتصادي للبلاد هو النظام الاقتصادي المدوّل أو النظام الاقتصادي المغلق الذي كان يعتمد على الصناعات التركية فقط ويمنع استيراد أي بضاعة تُنتج محليا ً في تركيا.

استمرت هذه السياسة الانغلاقية إلى عام 1980، إذ بعد هذا التاريخ وبالتحديد في عام 1983 عندما تسلم مقاليد الحكم حزب الوطن الأم ذو الإيدولوجية الليبرالية الانفتاحية. بعدما تسلم حزب الوطن الأم مقاليد الحكم بدأ بسياسة الانفتاح وعمل على توقيع الاتفاقيات التجارية والثقافية والاجتماعية الانفتاحية االعديدة والمتنوعة ومتعددة الاتجاهات مع جميع الدول المجاورة والدول غير المجاورة. سياسة الانفتاح هذه جذبت الكثير من المستثمرين والسياح الأجانب وبدأت تطفو على السطح الحاجة إلى اللغة الأجنبية للتعامل مع الوافدين الأجانب لأهداف متنوعة.

في هذه الأعوام بدأت مراكز تعلم اللغة الأجنبية بالتكاثر والتنوع، ولكن المشكلة كانت أن جذور القومية التركية قد تعمقت في أوردة الشعب التركي، وكان الشعب التركي قد تأخر في هذا الموضوع، الأمر الذي جعل المواطنين الأتراك يستصعبون تعلم اللغة الأجنبية، كما أن تنحي حزب الوطن الأم عن الحكم في عام 1989 جعل الانفتاح في تراجع وأعاد الانغلاق والأزمات الاقتصادية لتركيا من جديد.

هذا سرد مختصر لقضية الانغلاق والانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتركيا، من خلال هذا السرد تم شرح السبب الرئيسي انغلاق المجتمع التركي.

وكموضوع دراسة اجتماعية مكملة للسرد أعلاه، تناول مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" القضية تحت عنوان "اختبار تركيا في تعلم اللغة الإنجليزية؛ المشاكل والحلول" لبحث المعوقات التي تمنع تعلم اللغة الأجنبية في وقتنا الحالي الذي أصبحت العولمة أحد أهم مميزاته واقتراح بعض الحلول لتخطي هذه المعوقات والقضاء عليها. بدأت مُعِدّة الموضوع، الباحثة الاجتماعية "باشاك داميربولات" تقريرها بإعطائها نبذة عامة عن وضع اللغة الأجنبية في تركيا.

تشير الكاتب في مقدمة تقريرها إلى أن هناك اهتمامًا كبيرًا باللغة الأجنبية في جميع الدول حول العالم، أما في تركيا فقد كانت اللغات الأجنبية في العهود السابقة خاصة بالنخبة الراقية، والتي تعمل في مستويات عالية في الدولة. ولكن اليوم، وإن كان الأمر متأخرًا، أصبحت اللغة الأجنبية دروسًا إجباريةً في المدارس والجامعات. وأصبح هناك اهتمام كبير في تعليم اللغة الأجنبية إلى جانب اللغة التركية في الجامعات، وصار هناك عدد من الدروس التي تُعلم باللغات الأجنبية. ولا تعني اللغة الأجنبية اللغة الإنجليزية فقط، بل عدة لغات أخرى مثل الفرنسية والعربية والألمانية".

حسب تقدير وتحليل الباحثة فإن السبب الرئيسي لهذا الاهتمام باللغة الأجنبية في هذه الفترة هو الشعور بضرورة مواكبة عصر الانفتاح المتعولم الذي يضطر أي دولة تريد التطور والتقدم للانفتاح على تعلم أكثر من لغة للتعامل بشكل مقنع ومريح مع المستثمرين والسياح والطلاب الأجانب.

وتوضح الدراسة أنّه على الرغم من مستوى هذا الاهتمام الكبير باللغة الأجنبية في تركيا، إلا أنه لا يمكن عد تركيا دولة ناجحة ومتقدمة في مجال اللغة الأجنبية، حيث يمكن ملاحظة مستوى النقص وعدم الكفاية في مجال اللغة الأجنبية بتركيا بشكل واضح من خلال الاطلاع على التقارير الدولية التي تقيّم مرتبة الدول من ناحية مستوى اللغات الأجنبية لدى مواطنيها.

تُبين الباحثة أن هناك عدة أسباب ومعوقات تجعل مستوى تركيا منخفضًا من ناحية تعلم اللغة الأجنبية ، وهي كما يلي:

ـ انغماس تركيا بالانغلاق الاجتماعي والاقتصادي على مستوى بعيد ولفترات طويلة بسبب السياسة القومية الخاطئة التي سلكها السياسيون الأتراك القدامى. هذه السياسة سببت تأخر تركيا في مواكبة العولمة الحديثة.

ـ تقصير تركيا في تخريج معلمي لغة أجنبية بشكل كافٍ ونوعي ومميز.

ـ اكتظاظ الفصول بالطلاب الراغبين في تعلم اللغة الأجنبية، وذلك بسبب تقصير الدولة في إنشاء فصول كافية وتجهيزها بتقنيات ومواد متطورة ومساعدة لتعلم اللغة.

ـ عدم متابعة الدولة عمليات تعليم اللغة الأجنبية في الجامعات المختصة بشكل دوري وجاد، الأمر الذي يقلل مستوى العملية التعليمية.

بعد ذكر الأسباب الرئيسية لعدم كفاية مستوى اللغة الأجنبية في تركيا، تحاول الباحثة اقتراح بعض الحلول في إطار سعيها لإيجاد طرق تطبيقية لتطوير مستوى اللغة الأجنبية في تركيا:

ـ إرسال طلاب الآداب واللغات الأجنبية إلى الدول التي تُتحدث فيها اللغات التي يدرسونها، ليُتِمّوا عملية تعليمهم بشكل تطبيقي.

ـ تزويد الجامعات التركية بتقنيات تعليمية متطورة.

ـ استقطاب العديد من خبراء اللغات الأجنبية من الخارج وتوظيفهم في أقسام الآداب واللغات الأجنبية.

ـ توعية الشعب التركي بضرورة اللغة الأجنبية وأهميتها في العصر الحالي.

وختمت الباحثة تقريرها بالتأكيد"على وجود مستوى جيد من اللغة الأجنبية في تركيا، ولكن هذا المستوى يحتاج إلى تطوير ليجعل تركيا إحدى الدول الأولى في مجال معرفة اللغات الأجنبية الأخرى.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!