
ترك برس
تناول مقال للكاتب والباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، أبعاد قمة البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، مسلطًا الضوء على استئناف العلاقات الثنائية على المستوى الرئاسي بعد سنوات من التوتر خلال ولاية جو بايدن.
يستعرض الحاج في مقاله بموقع الجزيرة مباشر السياق الإقليمي والدولي الذي انعقدت فيه القمة، بما في ذلك الحرب الروسية–الأوكرانية، الوضع في سوريا، والحرب في غزة، إلى جانب الملفات الثنائية المهمة مثل صفقات الطائرات والمقاتلات، التعاون النووي، والعقوبات الأميركية السابقة على تركيا.
كما يوضح أن المخرجات المباشرة شملت اتفاقيات للتعاون في الطاقة النووية وتفاهمات اقتصادية محتملة، في حين تظل العقبات المؤسسية، وخصوصًا موقف الكونغرس واللوبيات المؤثرة، تحدد مدى قدرة البلدين على تحويل النوايا الإيجابية إلى نتائج عملية.
وفيما يلي نص المقال:
شكلت استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنظيره التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض استئنافا للعلاقات بين البلدين على المستوى الرئاسي كان مفقودا خلال رئاسة جو بايدن.
ورغم سقف التوقعات المرتفع فإن المخرجات المباشرة للقمة، أكدت على النوايا الإيجابية، وعلى العقبات المؤسساتية سواء بسواء.
السياق والتوقعات
كانت قمة ترامب- أردوغان في واشنطن الأولى من نوعها منذ ست سنوات؛ أي منذ الولاية الأولى لترامب، حيث لم يكن الرئيس السابق بايدن يخفي غياب الود من طرفه تجاه أردوغان، لدرجة أنه دعا خلال حملته الانتخابية إلى "دعم المعارضة التركية لإسقاطه".
وقد أتت القمة بعد أحداث ساخنة وعميقة الأثر إقليميا ودوليا، مثل الحرب الروسية- الأوكرانية، ولا سيما بعد محاولة ترامب التوسط لوقفها، ثم سعيه لدعم كييف، وتغيّر النظام في سوريا، حيث تلتقي الدولتان على دعم القيادة الجديدة، أو على أقل تقدير "منحها فرصة" بالتعبير الأميركي، وكذلك حرب الإبادة في غزة المستمرة منذ عامين تقريبا.
لطالما شكلت العلاقة الشخصية بين الرئيسين مدخلا مهما للعلاقات بين أنقرة وواشنطن في عهد ترامب، إذ لا يخفي الأخير إعجابه بنظيره التركي الذي يراه "رجلا قويا يحظى باحترام واسع في تركيا، وأوروبا، والعالم".
في المقابل، يبدو أن الرئاسة التركية قد درست جيدا مفاتيح شخصية الرئيس الأميركي، الذي يخشى كثيرٌ من الرؤساء لقاءه خشية الإحراج؛ بسبب مزاجيته وتقلباته، ولا سيما المديح الشخصي، والمكاسب التجارية.
في هذا السياق، أكثر أردوغان من التعبير عن "ثقته بترامب" كرئيس قادر على وقف الحرب في أوكرانيا وغزة، كما ألغى قبيل سفره إلى الولايات المتحدة مباشرة رسوما جمركية إضافية، كانت بلاده قد فرضتها على بعض البضائع الأميركية عام 2018، ردا على رسوم فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألمنيوم.
وقد سبقت القمةَ بين الرئيسين، كلمةُ أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي هاجم فيها إسرائيل، ونتنياهو بخطاب حاد؛ بسبب حرب الإبادة في غزة، كما سبقها اجتماعه وعدد من المسؤولين العرب مع ترامب نفسه بخصوص الحرب على غزة والذي تحدث فيه الأخير عن قرب التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.
على جدول أعمال القمة بين الرئيسين كان من المتوقع أن تحضر ملفات هامة على صعيد العلاقات الثنائية والملفات ذات الاهتمام المشترك، من الحرب الروسية- الأوكرانية، والحرب على غزة، إلى العلاقات التجارية والاقتصادية، ومن الملف السوري إلى التصعيد في المنطقة، ومن صفقات مقاتلات "إف-16" و"إف-35″، إلى التعاون في مجال الطاقة النووية، ومن مصير منظومة "إس-400" التي اشترتها أنقرة من موسكو، إلى الغاز الروسي الذي تستورده منها.
حظي الرئيس التركي بترحاب شديد واحتفاء ملموس في البيت الأبيض، حيث كرر ترامب أكثر من مرة إعجابه به كرئيس قوي "تربطني به صداقة قديمة" من جهة، وتقديره لدوره في تغيّر النظام في سوريا (حيث يرى أنه هو "من فعلها") من جهة أخرى.
كما رجّح الرئيس الأميركي في رده على أسئلة الصحفيين أن ترفع بلاده العقوبات عن تركيا، وتبرم صفقات السلاح "فورا، إن أجرينا اجتماعا إيجابيا"، قائلا إن أردوغان "سينجح في شراء ما يريد".
المخرجات
في الشكل والمضمون كانت القمة الرئاسية إيجابية للغاية، وخصوصا ما ارتبط بالعلاقة المباشرة بين ترامب وأردوغان، بما يختلف جذريا عن بعض لقاءات ترامب مع رؤساء آخرين بمن فيهم حلفاء بلاده الأقرب.
وقد ساهمت تصريحات الأخير بشكل واضح في رفع سقف التوقعات من القمة، ولا سيما ما يتعلق بملفات شائكة وعالقة منذ سنين بين البلدين، مثل مقاتلات "إف-35" التي كانت تركيا أُخرجت من الشراكة في مشروعها بقرار أميركي؛ بسبب شرائها منظومة "إس-400" الدفاعية الروسية.
المخرجات المباشرة شملت توقيع البلدين اتفاقية تعاون لإنشاء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية في تركيا، كنواة لتعاون إستراتيجي بين البلدين في مجال الطاقة النووية السلمية.
كما راجت أنباء عن تفاهمات بخصوص شراء أنقرة عددا كبيرا من طائرات بوينغ ضمن صفقة تصل لعشرات مليارات الدولارات. أما كل ما يتعلق بالصناعات الدفاعية وصفقات السلاح، فلم يعلن أي من الجانبين عن نتائج محددة بخصوصها.
في العموم، يتضح أن الطرفين بنيا اللقاء على أساس المصالح المشتركة، وخصوصا الاقتصادية والتجارية منها، وليس المواقف المسبقة أو الملفات الخلافية.
وهو أمر يعد بإمكانية فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، والتي رغم صفة التحالف شابتها خلال السنوات الماضية عدة هزات في مقدمتها إخراج تركيا من مشروع "إف-35″، وتوقيع عقوبات عليها وفق قانون "كاتسا"، ومقاضاة مصرف "خلق" التركي أمام المحاكم الأميركية، والخلافات بخصوص سوريا، وغير ذلك من الملفات.
فيما يتعلق بشراء أنقرة 40 طائرة "إف-16″، يبدو أن الأمر مطروح على طاولة التفاوض بين البلدين، بالنظر لفائدة الصفقة ماليا للولايات المتحدة، ولا سيما أن إدارة بايدن كانت قد أقرت الصفقة بعد رفع أنقرة الفيتو على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ورغم ذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي يشترط لإمضاء الصفقة، حيث استدرك خلال إجابته بالقول "إذا ما أجرينا اجتماعا إيجابيا"، وهو ما فُهم منه اشتراطه تخفيف أو قطع تركيا ما تستورده من الغاز الطبيعي الروسي؛ للمساهمة في العقوبات والضغوط الغربية عليها. الأمر الذي لا تستطيعه الأخيرة، وقد لا تريده في المدى المنظور.
إذ رغم أنه من مصلحتها تخفيف نسبة اعتمادها على الغاز الروسي وتنويع مصادر الاستيراد، فإنها لن ترغب بالمغامرة بتوتير العلاقات مع موسكو، فضلا عن ارتباطها باتفاقيات طويلة الأمد.
أما العودة لمشروع مقاتلات "إف-35″، فتقف حائلا أمامها عقباتٌ أكثر تعقيدا. أولاها الحاجة لموافقة الكونغرس، وهو أمر يبدو متعذرا؛ بسبب النظرة السلبية عموما في الكونغرس تجاه تركيا وأردوغان.
وتتمثل العقبة الثانية في موقف اللوبيين: اليوناني، والإسرائيلي الضاغطين بشدة؛ لمنع إعادتها، لإفشال مساعي تركيا في تحقيق حالة من التوازن، أو التفوق في حالة اليونان، وللإبقاء على التفوق الجوي في حالة إسرائيل.
وترتبط العقبة الثالثة بذريعة الإخراج من المشروع؛ أيْ منظومة "إس-400" الروسية، التي ما زالت تركيا تمتلكها وإن لم تفعّلها بعد، ما يحيل على الحاجة لحلول وسط لجسر الهوة بين الولايات المتحدة التي تريد إخراج المنظومة من تركيا أو تدقيقها، وبين تركيا التي تطرح سيناريو "عدم التفعيل".
في الخلاصة، ثمة رغبة واضحة لدى كل من ترامب وأردوغان في وضع العلاقات بين بلديهما على سكة جديدة تتجنب ظلال السنوات السابقة السلبية، وخصوصا العقوبات وحظر بيع السلاح.
وقد أشار السفير الأميركي في أنقرة توم براك إلى أن ترامب قرر إنهاء حالة التناقض بين علاقات التحالف مع تركيا، والتوتر الناجم عن الخلافات والعقوبات.
وهنا، وإن كان العامل الشخصي بين الرئيسين محوريا في البدايات، إلا أن النتائج مرهونة بالعامل المؤسسي والبيروقراطية الأميركية إلى حد بعيد، ولا سيما موقف الكونغرس، وخصوصا في ظل التباين الواضح في المواقف بين البلدين والرئيسين بخصوص الحرب في غزة والعلاقات مع روسيا.
وتزداد أهمية هذا البعد بالنظر إلى أن أنقرة وفي ظل سعيها للتقارب أكثر مع الغرب، وتعزيز علاقاتها داخل الناتو، وسعيها المتجدد لعضوية الاتحاد الأوروبي، لا تريد أن يشمل ذلك قطيعة أو مواجهة مع موسكو، بل تعمل على تنويع علاقاتها ومحاور سياستها الخارجية، وهو أمر لن يُسعد الكونغرس بشكله الحالي بطبيعة الحال.
وهو ما يترك الكرة في ملعب جهود ترامب بشكل شخصي ومباشر للتأثير على توجهات الكونغرس من جهة، واحتمالات تغير تشكيلة الأخير ونظرته لتركيا من جهة أخرى. ما يبقي القمة الرئاسية بين ترامب وأردوغان في إطار مسار إيجابي مدعوم من الأخيرَين، لكنه ما زال مسارا تحت الاختبار العملي في الأسابيع والشهور المقبلة، حيث اتفق الجانبان على إنشاء لجان مشتركة؛ لمتابعة مسارات العمل بين البلدين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!