
ترك برس
سلط مقال للكاتب والخبير التركي عبدالله مراد أوغلو، الضوء على انتقاد نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس لإدارة بايدن بسبب الدعم غير المشروط لإسرائيل أثناء العدوان على غزة، وهو ما اعتبرته سببًا رئيسيًا في خسارة الحزب الديمقراطي الانتخابات الرئاسية والكونغرس في 2024.
يستعرض مراد أوغلو شهادة هاريس في كتابها "107 يومًا"، التي تتضمن محاولتها التنصل من المسؤولية، والمقاطعات التي واجهتها بسبب مواقفها تجاه الفلسطينيين، إلى جانب تحليل نفوذ جماعة الضغط "أيباك" داخل الحزبين وتأثيره على السياسات الأميركية تجاه إسرائيل، مع الإشارة إلى ازدواجية المعايير بين التعاطف مع الأوكرانيين وتجاهل معاناة المدنيين الفلسطينيين.
وفيما يلي نص المقال:
تلقي نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس باللوم في خسارة الانتخابات عام 2024 على الرئيس جو بايدن. فبايدن، الذي ترشّح لولاية ثانية، انسحب لاحقًا من السباق، لتحلّ مكانه هاريس كمرشحة رئاسية عن الحزب الديمقراطي.
إصرار إدارة بايدن–هاريس على الاستمرار في تزويد إسرائيل بالأسلحة رغم ارتكابها إبادة جماعية في غزة، كلف الديمقراطيين البيت الأبيض ومجلس النواب ومجلس الشيوخ معًا. فقد أظهرت استطلاعات ما بعد الانتخابات أن الدعم غير المشروط لإسرائيل كان أحد العوامل الحاسمة في هزيمة الحزب الديمقراطي. لكن القيادة التقليدية داخل الحزب، الموالية لإسرائيل، حاولت التعتيم على هذه الحقيقة وإخفاءها عن الرأي العام.
حتى قبل الانتخابات، كانت استطلاعات الرأي قد أشارت بوضوح إلى أن الدعم المطلق لإسرائيل سيكلف الديمقراطيين خسائر كبيرة في الولايات المتأرجحة. كما أن الشباب الديمقراطيين والعرب الأميركيين نظموا حملات واسعة للضغط على إدارة بايدن–هاريس كي تتعهد بوقف شحنات السلاح إلى إسرائيل. غير أن لا بايدن ولا هاريس قدّما هذا التعهد، بل إن هاريس تبنّت موقفًا متعالياً، متجاهلةً هذه الاحتجاجات ومستهينة بها.
هاريس وفريقها كانوا يعتقدون أن الخسائر الناجمة عن هذا الموقف يمكن تعويضها. لكن في الواقع، كانت القيادة التقليدية للحزب قد حسمت أمرها: حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة الانتخابات، فلن تتخلى عن دعم إسرائيل.
أما على الضفة الأخرى، في الحزب الجمهوري، فالأمر لا يختلف كثيرًا. فـ"اللجنة الأميركية للعلاقات العامة مع إسرائيل" (أيباك) تمسك بخيوط اللعب لدى الحزبين معًا. القسم الأكبر من أموالها يتدفق إلى قيادات الحزبين وإلى أعضاء اللجان الأكثر نفوذًا في الكونغرس.
هاريس أصدرت مؤخرًا كتابًا بعنوان "107 يومًا" تناولت فيه تجربتها في الحملة الانتخابية. وقبل طرحه في المكتبات، نشرت وسائل الإعلام الأميركية مقتطفات منه، كشفت فيها هاريس أن انطباعًا ساد لدى الرأي العام مفاده أن بايدن أعطى نتنياهو "شيكًا على بياض" ليفعل ما يشاء في غزة، وهو ما لعب دورًا في خسارة الانتخابات. محاولة هاريس التنصل من المسؤولية عبر الادعاء بأنها لم تكن تتفق مع بايدن بدت جلية.
ومن أبرز ما جاء في الكتاب روايتها: "توسلت إلى جو أن يُظهر للفلسطينيين الأبرياء في غزة التعاطف نفسه الذي أبداه تجاه معاناة الأوكرانيين، لكنه لم يفعل. كان يقول بشغف: (أنا صهيوني)، لكن كلماته عن الفلسطينيين بدت باهتة ومفتعلة."
هذه الشهادة تلخص العقلية السائدة لدى الساسة الموالين لإسرائيل في الحزبين. "الصقور" في واشنطن عميان وصمّ عن رؤية معاناة المدنيين الفلسطينيين. فبينما يفرضون العقوبات تلو الأخرى على روسيا، لا يحتملون مجرد توجيه انتقاد لإسرائيل التي تحوّل غزة إلى رماد. هؤلاء أنفسهم وقفوا وصفقوا بحرارة في قاعة الكونغرس لقاتل عشرات الآلاف من الأطفال.
الأسبوع الماضي، وخلال فعالية ترويجية لكتابها في نيويورك، تعرضت هاريس لمقاطعة أحد المحتجين الذي صاح بها: "دم الفلسطينيين على يديك". فردّت قائلة: "لستُ رئيسة الآن، لا أملك فعل شيء"، وأضافت: "كل من كان في الإدارة يعلم موقفي، لكن القرار لم يكن بيدي، ولم أكن صاحبة الكلمة الفصل." غير أن بيانات مكتبها في ذلك الوقت كانت تؤكد دائمًا أنه لم يكن ثمة خلاف بينها وبين بايدن في ما يخص إسرائيل.
حاولت هاريس الدفاع عن نفسها بالإشارة إلى أنها كانت أول مسؤول رفيع في الإدارة يتحدث عن المجاعة في غزة، وقالت إنها تعرّضت لانتقادات شديدة داخل الإدارة بسبب ذلك. لكن الحقيقة أن ما يُقال خلف الأبواب المغلقة لا يغيّر شيئًا. فبايدن نفسه تردّد أنه كان يستخدم عبارات قاسية بحق نتنياهو في الاجتماعات المغلقة، ومع ذلك لم يجرؤ علنًا على توجيه أي لوم له.
الجميع في البيت الأبيض والكونغرس يعرف أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. والجميع يعرف أن الشعب الأميركي يرى ذلك بوضوح. لكنهم يتغاضون ويتظاهرون بالجهل. أمّا نتنياهو ورجاله، فيعرفون كل هذا، ولا يبالون، لأن نتنياهو يدرك تمامًا كيف يحرّك الساسة الأميركيين عبر نفوذ أيباك وأمواله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!