
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي، أبعاد الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد لقائه مع رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي رُوِّج له كخطوة نحو السلام في غزة، لكنه في جوهره يحقق جميع مطالب إسرائيل تقريباً من دون أن يمنح حماس أو غزة أي مكسب.
يوضح التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق كيف أن الخطة تشترط نزع سلاح حماس وتسليم الأسرى مقابل انسحاب إسرائيلي غير مضمون، مع إدارة انتقالية بقيادة توني بلير، بما يعني عمليًا استمرار الاحتلال بشكل مقنّع.
كما يبرز أن رفض حماس سيُحمّلها وحدها مسؤولية استمرار الحرب والمجازر، فيما تُظهر سوابق تاريخية أنّ نزع السلاح غالبًا ما ينتهي بكوارث إنسانية. ويخلص إلى أن الاتفاق ليس سوى أداة ابتزاز تُستخدم ضد غزة، في ظل رضى عربي وصمت دولي، ليُترك القرار النهائي لحماس بين استسلام مذلّ أو مواجهة إبادة أوسع.
وفيما يلي نص التقرير:
بعد لقاء الرئيس الأمريكي ترامب مع قادة الدول الإسلامية، ساد جو من التفاؤل بشأن غزة، غير أنّ هذا التفاؤل تبدّد وحلّ مكانه خيبة أمل كبيرة عقب الاجتماع مع القاتل السفاح نتنياهو والإعلان عن الاتفاق. ويبدو أن آخر من يلتقي بترامب يحظى بفرصة أكبر للتأثير عليه. فتركيز ترامب على وقف الحرب بأي ثمن يجعله على استعداد لتقديم كل أنواع التنازلات في المقابل. فهل المسألة بهذه البساطة؟ إن الخطة التي قدّمها ترامب وكأنه انتزع من نتنياهو تنازلاً كبيراً وفتح الطريق نحو السلام، في الواقع تلبي تقريباً جميع الشروط التي كان نتنياهو يسعى إليها عبثاً منذ عامين.
فحماس ستتخلى عن سلاحها، وتسلّم جميع الأسرى الذين تحتجزهم خلال 48 ساعة، في حين أنّ إسرائيل لن تنسحب من غزة فوراً، بل بشكل تدريجي. ولم تُقدّم أي ضمانات أو حتى خريطة طريق توضّح كيف ولماذا ستنسحب إسرائيل من غزة بعد أن تكون قد نجحت في نزع سلاح حماس وتحرير جميع أسراها. وبما أنّها ستكون قد حصلت علىكل ما سعت إليه طوال الحرب، فلن يكون لدى أحد أي ضمانة بشأن سبب وكيفية انسحابها في النهاية.
وفي المحصلة، ماذا ستجني، حماس أو غزة، من هذا الاتفاق؟ لا شيء على الإطلاق. فلماذا يتعيّن على حماس أن تقبل باتفاق لا يمنحها أي مكسب؟ لأنها إن رفضت ستُوصف بأنها متعنتة ومعرقلة للسلام، وبالتالي ستفقد كل ما اكتسبته حتى الآن من شرعية وتعاطف ومصداقية أمام الرأي العام العالمي.
هذا هو جوهر الخطة في الواقع. والنص الحالي للاتفاق يختلف جذرياً عن ما نوقش في القمة التي عقدها الرئيس ترامب مع قادة الدول العربية والإسلامية بقيادة الرئيس أردوغان في نيويورك. هذه هي بالضبط الخطة التي كان نتنياهو يفكر فيها منذ البداية، ويبدو أنه أقنع ترامب بتقديم هذا النص على أنه "حل وسط" ناجح يهدف إلى السلام والحل. وفقاً للاتفاق المُبرم بين نتنياهو وترامب، سيتم تطبيق الآتي:
ـ لن تنسحب إسرائيل ولن يتوقف القتال بالكامل إلا بعد أن تُسلّم حماس جميع أسلحتها.
ـ لن يكون هناك سلطة فلسطينية خلال الفترة الانتقالية في غزة. بل سترأس توني بلير لجنة تكنوقراط يختارها البيت الأبيض لإدارة غزة من الفلسطينيين المستقلين، وهذا يعني عمليًا احتلالاً مزدوجاً لغزة.
ـ خلال 48 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سيتم تسليم جميع الأسرى
ـ ستُفتح المعابر أمام من يرغب بمغادرة غزة (هجرة طوعية).
ـ سيتم إخراج قيادة حماس من غزة بشكل طوعي، ومن يختار البقاء فسيُجبر على الاستسلام.
ـ إذا رفضت حماس هذه الشروط، ستواجه معضلة حقيقية (الترحيل من قطر بناءً على طلب ترامب)، كما سيتعرض قادتها للاغتيال والملاحقة في الخارج.
ـ ما تبقى من مدينة غزة سيتم هدمه وتحويله إلى نموذج شبيه برفح وبيت حانون (مدن فارغة، مدمّرة كليًا وتحت السيطرة الإسرائيلية).
ـ رفض حماس لهذا العرض سيمنح نتنياهو ضوءًا أخضر صريحاً من المجتمع الدولي والعربي والأمريكي لمواصلة الحرب، وسيمنح إسرائيل الوقت الكافي لاحتلال ما تبقى من قطاع غزة.
ـ ستُحمَّل حماس وحدها مسؤولية إراقة الدماء والمجازر في غزة بسبب رفضها للعرض.
وبالطبع، هناك سوابق أليمة ومأساوية في تاريخ الغرب وإسرائيل فيما يتعلق بتجريد المدنيين من السلاح، ومن أبرزها مذبحة سريبرينيتسا في البوسنة والهرسك، في يوليو/تموز 1995، حين جُرد نحو 9 آلاف مسلم بوسني من السلاح على أيدي مسؤولي الأمم المتحدة أنفسهم، ثم سُلِّموا إلى الصرب ، ليُساقوا إلى الموت.
وهناك أيضاً مذبحة صبرا وشاتيلا التي وقعت بعد أن سلمت المقاومة الفلسطينية سلاحها عام 1982.
والأدهى من كل ذلك هو حقيقة أن نتنياهو، مجرم الحرب والإبادة الذي لم يفِ بأي من وعوده، هو الضامن الوحيد للخطة. ولو سؤل العالم أجمع عن أكثر شخص لا يمكن الوثوق بكلمته حالياً، لبرز اسمه في المقدمة.
وبالفعل، قبل أن يغادر الولايات المتحدة صرّح علانية بأنه لن يلتزم بهذا الاتفاق الذي أعلنه مع ترامب، حيث قال: "بدلاً من أن نُعزل نحن بسبب حماس، قلبنا الموازين وعزلنا حماس. لقد وافق العالم بأسره، بما في ذلك العالم العربي والإسلامي، على الخطة التي وضعناها مع ترامب. ووفقاً للخطة، سنطلق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين بينما يحافظ الجيش على وجوده في معظم مناطق قطاع غزة. لم نوافق على دولة فلسطينية، وهي غير مدرجة في هذه الخطة. لقد أوضحنا أننا نعارض إقامة دولة فلسطينية".
فهل سيُؤتَمن توني بلير على هذه العملية؟ ذلك الذي ضلّل الرأي العام العالمي بادعاء وجود أسلحة دمار شامل في العراق، و أحد المسؤولين الرئيسيين عن مقتل نحو مليون عراقي وانزلاق المنطقة بأسرها إلى الفوضى. وما الذي يمكن أن يقدمه توني بلير لغزة بعد أن أمضى الخمسة عشر عاماً الأخيرة مستشاراً لحكام المنطقة الديكتاتوريين لقمع أكثر التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة والمتمثلة فيما سُمي بالربيع العربي؟ فماذا عساه يقدّم لأهل غزة؟
إن الاتفاق الذي أعلنه ترامب بناءً على طلب نتنياهو ليس في حقيقته سوى إعلان عن ابتزاز تمارسه إسرائيل على حماس، عبر احتجاز أهل غزة كرهائن. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقنع حماس بقبول هذا الاتفاق هو إيقاف القتل وسفك الدماء بحق شعبها وإنقاذ الأبرياء الذين يفتك بهم الجوع.
وإلا أن هذا الاتفاق بالنسبة لهم أشد من الموت. فقد قدموا حتى الآن للبشرية دروسًا ملحمية في موقفهم من الحياة، وأثبتوا كل يوم وساعةً بساعة، بما يخجل البشرية جمعاء، أن حياتهم ليست قابلة للمساومة مقابل استسلام مهين.
لكن الآن، ومنذ مدة طويلة، تواصل قوات الاحتلال تهديدهم باستهداف حياة المدنيين في غزة.
وقد تكرر التهديد ذاته في تصريحات ترامب: إذا لم تستسلم حماس، أي إذا لم تسلّم أسلحتها والأسرى، فستكون مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية أوسع نطاق ضد أهل غزة.: انظروا إلى هذه اللغة المتعجرفة والمتعالية: إنهم يعلنون صراحة عن نيتهم تنفيذ إبادة جماعية، ثم يحملون حماس -وليس إسرائيل- مسؤوليتها.
أما الدول العربية، فقد أبدت رضاها بهذا الاتفاق، عبر قبوله وتهنئة الأطراف عليه، رغم أنه يختلف كثيرا عن النص الذي اتفقوا عليه. ولا يخفى أن بعض هذه الدول كانت تأمل سراً أن تقضي إسرائيل على حماس.
ومع ذلك، فإن قرار حماس بشأن ما ستختاره في هذا المأزق سيظل قرارها الخاص. نحن شاهدون على طبيعة المأزق الذي وُضعت فيه، ومن هي الأطراف التي دفعت بها إليه. كما أننا شاهدون على النضال الأكثر نُبلاً الذي خاضوه حتى الآن من أجل شرف المسلمين وكرامتهم وحريتهم، وسنحترم قرارهم أيًّا كان.
لقد أعلنت حماس منذ فترة أنها انسحبت من إدارة غزة. ومهما كانت قراراتها، فإننا نعلم أنه لا يمكن تحييدها أو القضاء عليها من خلال تجريدها من السلاح. فحماس هي غزة نفسها، وهي فلسطين ذاتها.
لقد انتصرت حماس، وخسر العالم كله. أياً كان قرارها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!