
ترك برس
استعرض الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، قراءة شاملة لمنتدى الدوحة 2025 الذي انعقد تحت عنوان «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس»، مسلطًا الضوء على الحضور الدولي الواسع والنقاشات المركّزة حول غزة، بوصفها الاختبار الأكثر إلحاحًا لصدقية النظام الدولي.
ويعرض الكاتب بروز الموقفين القطري والتركي بوصفهما الأكثر وضوحًا واتساقًا في الدعوة إلى حلول عادلة ودبلوماسية نشطة، إذ شددت قطر على أن أي ترتيبات بعد الهدنة لن تمنح سلامًا دائمًا من دون معالجة جذور الصراع، فيما طرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رؤية متماسكة قائمة على الحوار والوساطة وتخفيف التصعيد.
كما يناقش الطابع العالمي للمنتدى من خلال تناوله ملفّات سوريا واليمن والصومال والاقتصاد العالمي والتكنولوجيا، وصولاً إلى مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع. وفيما يلي نص المقال الذي نشرته صحيفة الشرق القطرية:
أصبح منتدى الدوحة تقليدًا عالميًا راسخًا، وعقد هذا العام في نسخته الثالثة والعشرين يومي 6 و7 ديسمبر 2025 تحت عنوان «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى الواقع الملموس»، جامعًا آلاف المشاركين من دبلوماسيين وخبراء ومسؤولين وأكاديميين من أكثر من 160 دولة. وقد افتتحه أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني داعيا إلى تعزيز التعاون الدولي وخفض التوترات، مؤكدًا أن العدالة والحلول السلمية للنزاعات يجب أن تتقدم على منطق القوة، وكان ملف غزة في صدارة جدول الأعمال، باعتباره اختبارًا مباشرًا لقدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
ناقش المنتدى مستقبل النظام الدولي، وأزمات التعليم والتنمية، وقضايا الشباب والمرأة، وتحديات الاقتصاد العالمي مع اهتمام خاص بإفريقيا، إضافة إلى الأمن المائي والغذائي والحوكمة. كما تطرّق المشاركون إلى الأوضاع المتدهورة في الصومال وسوريا واليمن ولبنان، وإلى علاقات الخليج مع أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وإفريقيا والبريكس وأمريكا اللاتينية. وقد اتسمت النقاشات بعمقٍ ملحوظ، خصوصًا في الملفات المتعلقة بالأمن الإقليمي والسلام.
ومن أبرز القضايا التي استحوذت على الاهتمام مسألة غزة، بما في ذلك الجلسة رفيعة المستوى بعنوان: «تسوية غزة: إعادة تقييم المسؤوليات العالمية وسبل الوصول إلى السلام». وفيها أكّد رئيس الوزراء ووزير الخارجية معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن الاتفاق القائم لا يمثل سوى «استراحة» مؤقتة، ولا يمكن وصفه بوقف إطلاق نار حقيقي ما لم يقترن بانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وضمان حرية حركة سكان غزة واستعادة الاستقرار.
وفي هذا السياق، شكّلت وجهة النظر التركية أحد أكثر المداخلات وضوحًا وتماسكًا. فقد قدّم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رؤية شاملة للتطورات الإقليمية، مبرزًا أن تركيا تبنّت منذ بداية الأزمة السورية سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، انطلاقًا من التزام إنساني ثابت. وأكد أن أنقرة لعبت دورًا محوريًا في الوساطة والسعي إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا وغزة وسوريا، مشيرًا إلى أن هذه الساحات بدأت تُظهر بوادر تحسّن نتيجة تزايد الجهود الدبلوماسية الدولية.
وشدد فيدان على أن الرؤية التركية تنطلق من قناعة بأن السلام والاستقرار لا يتحققان بالقوة والسلاح، بل بالحوار والتفاهم، وأن تركيا تدعم كل المبادرات الهادفة إلى تسوية سياسية عادلة. كما أوضح أن تحركات الرئيس الأمريكي ترامب في مجال الوساطة تتوافق في بعض جوانبها مع المصالح التركية، خصوصًا فيما يتعلق بخفض التصعيد وتعزيز فرص الحلول السلمية. وفي ما يتعلق بأزمة اللاجئين، أكد فيدان أن تركيا استخلصت دروسًا مهمة خلال العقد الماضي، وأن جهود الوساطة التي قادتها أسهمت في تخفيف معاناة النازحين في المنطقة.
واتساقًا مع موقفها العام، سلطت تركيا الضوء على الترتيبات المتعلقة بمرحلة ما بعد الهدنة في غزة، خاصة مقترح إنشاء قوة دولية لاستقرار القطاع (ISF). وقد أشار فيدان إلى أن هذا المقترح يطرح «أسئلة كبيرة» حول هيكل القيادة، والدول المشاركة، وطبيعة المهمة الأساسية، وهو ما يتطلب نقاشًا جديًا وشفافًا قبل تبنّيه. أما الجانب القطري، فشدّد على أن أي ترتيبات بعد وقف إطلاق النار ستظل مؤقتة، وأن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا عبر معالجة جذور الصراع، بما يشمل الوضع في الضفة الغربية، وضمان الحقوق الوطنية للفلسطينيين وفي مقدمتها إقامة دولتهم المستقلة.
ولم يغِب الملف السوري عن زوايا النقاش، حيث شارك الرئيس السوري أحمد الشرع كضيف شرف مؤكدًا التزامه ببناء دولة مؤسساتية بعيدة عن الطائفية وبسوريا تسهم في استقرار المنطقة. كما تناول المنتدى قضايا التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وضرورة تطوير نظام عالمي عادل ينظّم استخدامه، إلى جانب ملفات مكافحة الإسلاموفوبيا، والدبلوماسية الثقافية، ودبلوماسية الرياضة. وقد شاركت تركيا بوفد كبير ضمّ وزيرين، ما يعكس اهتمامها المتزايد بالحوار العالمي والدبلوماسية متعددة الأطراف.
في المحصّلة، قدّم منتدى الدوحة هذا العام منصة للحوار العقلاني في عالم تتزايد فيه النزاعات وتميل بعض القوى إلى فرض «قانون الغاب»، حيث شددت قطر على أهمية الدبلوماسية والوساطة كطريق لتحقيق السلام، فيما أكدت تركيا رؤيتها القائمة على الحوار ومعالجة جذور الأزمات ودعم العدالة الإقليمية باعتبارها السبيل الأجدى للاستقرار، وتقاطعت هذه المواقف مع دعوات دولية أوسع لبناء نظام عالمي أكثر توازنًا وإنصافًا يجعل من العدالة والحوار أساسًا لأي سلام دائم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











