جلال سلمي - خاص ترك برس

كان أخر انقلاب عسكري دموي في تركيا بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 1983 وأعقبه انقلاب عسكري ناعم بتاريخ 28 شباط/ فبراير 1998، وتخللت هذه الفترات، خاصة سنوات حُكم تورغوت أوزال التي بدأت عام 1983، إدانات شديدة من قبل المُفكرين الأتراك الذين اعتبروا هذه الانقلابات العسكرية نقمة كبيرة على العملية الديمقراطية في تركيا.

ويرى هؤلاء المفكرون أن أوزال ساعد بشكل كبير في تشكيل بيئة حرية نسبية جعلت الشعب التركي يتعافى بشكل نسبي من الآلام التي أذاقها الانقلاب العسكري لتركيا ومُفكريها ومواطنيها، والويلات والمآسي الأليمة التي جعلتهم ينقمون على كل ما هو مرتبط بالانقلاب العسكري.

ولكن بعد قيام بعض المفكرين الأتراك في الآونة الأخيرة بدعوة الجيش إلى الانقلاب على حزب العدالة والتنمية وإبعاده عن السياحة السياسية وتفكيكه أبدى الكثير من المفكرين الموضوعيين والمواطنين الأتراك استغرابهم من هذه الدعوات التي تدعو إلى تقويض العملية الديمقراطية التي وصلت إليها تركيا بعدما عانت الأمرين من الانقلابات العسكرية.

ويعقب الباحث السياسي التركي أحمد كاكاج على موضوع دعوة بعض المفكرين للتدخل العسكري في مقال سياسي له بعنوان "لا تستغربوا من طلب بعض المفكرين بانقلاب عسكري" نُشرت في صحيفة أقشام التركية بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بالقول: "أتذكر في أحد الأيام، في أوائل فترة تولي حزب العدالة والتنمية للحكم، بأني قرأت إحصاء خاص بالمفكرين الأتراك نُشر في مجلة نقطة التركية وكان سؤال الإحصاء "لو حدث انقلاب عسكري ماذا ستفعلون؟" كان الجواب بشكل عام سنقف ضده، فسألت نفسي فقط ستقفون ضده!! ماذا يعني سنقف ضده؟ لماذا لن تقاوموه وتكافحوا من أجل القضاء عليه؟".

ويضيف كاكاج بأنه "بالصدفة رأى ردًا لمُفكر تركي يُدعى حسن جمال يقول فيه "أصعد إلى الجبال وأقاوم هذا الانقلاب بكل وسعي" سُعدت بجواب هذا الرجل ولكنه بعد فترة أصبح يطالب بتدخل الجيش للانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية وعزلها عن الساحة السياسية!!، هذا الرجل الذي يقول بأنه سيقاوم الانقلاب يدعو إليه الآن؟! بعد إجراء بعض الأبحاث عنه اكتشفت بأنه دعم جميع الانقلابات العسكرية الخشنة والناعمة التي تمت في تركيا دون استثناء وحتى اكتشفت بأنه كان المُحرك الدماغي لبعض الانقلابات".

ويردف كاكاج مقاله بالقول "أما مراد بلغا المُفكر الآخر الذي قال سأقف ضده يعتبر اليوم الداعم الأول للانقلاب العسكري على حزب العدالة والتنمية واكتشفت بعد أبحاثي بأنه المُحرك الأساسي للدعاية السياسية السوداء التي تمت ضد حزب الرفاه "المحافظ" الذي قاد الحكومة عام 1997 وبعد تشويه صورته إعلاميًا بدعوى أنه يحاول تحويل تركيا إلى دولة إسلامية تم الانقلاب عليه عام 1998 انقلابًا ناعمًا".

ويبين كاكاج بأن "المفكرين الذين يدعون إلى انقلاب عسكري جُلهم من ذوي الميل الليبرالي الذي يدعم الديمقراطية والعملية الانتخابية الديمقراطية ومايخرجه صندوق الاقتراع ولكن هؤولاء الليبراليون المُدعون دعمهم للحرية يقبلون العملية الديمقراطية إذا أفرزتهم كأغلبية وينقلبون عليها إذا أفرزتهم كأقلية، أليس من يقرر هو الشعب في كلا الحالتين؟".

وحسب كاكاج وغيره الكثير من المفكرين والباحثين السياسيين؛ يرى الكثير من العلمانيين والليبراليين في دعوتهم للجيش للانقلاب على الحكومة الإسلامية أو المحافظة التي يصفونها بالرجعية وتحفيز الجيش على ذلك بالمدح والثناء أمرًا سياسيًا تكفله لهم النظريات السياسية التي تدعو إلى البراغماتية والميكافيلية أي استخدام جميع الأساليب "الحسنة والقذرة من أجل الوصول إلى الهدف" وهدفهم هو السيطرة على كرسي الحكم دون مشاركتهم أي طرف محافظ له وذلك لأنهم يعتبرون أن هدفهم هو الهدف الوحيد الذي يتسم بالنبالة ويستحق استخدام جميع الأساليب لإبعاد الحكومات "الرجعية" عن الحكم والوصول إليه من أجل نشر الحرية والليبرالية.

وفي نهاية المقال يشير كاكاج إلى أن "دعوة الليبراليين والعلمانيين إلى انقلاب عسكري ناتجة عن نظريات سياسية يؤمنون بها إيمانًا عميقًا حتى لو كانت هذه النظريات تدعو إلى استخدام أساليب سياسية قذرة فهذا ليس مهم لأنهم يرون أن هدفهم نبيل ويُجيزون استخدام هذه النظريات لأنفسهم في سبيل تحقيق ما يهدفون إليه بغض النظر عن العواقب الوخيمة التي يمكن أن تنتج هذه الدعوات، وأكبر مثال ذلك الحملات الإعلامية ونظريات المفكرين التي دعت الجيش المصري للانقلاب على مرسي، ولكن في تركيا لا يمكن حدوث مثل ذلك لقيام حكومة حزب العدالة والتنمية بتحييد الجيش بشكل نهائي عن السياسة ولقدرتها على جعله وقيادته غير متشجعين للتدخل العسكري في السياسة خوفًا من المُحاكمة القانونية التي يمكن أن تصيبهم حتى ولو بعد حين كما حدث مع كنعان إيفرين".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!