د. وسيم بكراكي - خاص ترك برس

قبل الإنتخابات النيابية في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 بأسبوع استعرضت معكم نتائج الإحصاءات الإستطلاعية المختلفة وتحدثت يومها عن فوز للعدالة والتنمية متوقعًا بشكل عام إضافة لبعض الدلالات والبشائر المتعلقة. ولكن، لم أكن ولم يكن أي أحد آخر ليتوقع هذا النجاح الباهر الذي شهدناه البارحة بهذا الحجم من التصويت الذي بلغ 85.18% من عموم الشعب ونجاح للعدالة والتنمية بنسبة 49.48% بمجموع 23.669.933 ناخب وعدد مقاعد في البرلمان بلغ 317 نائب. هذا المشهد وقبل أربعة أشعر فقط كان بنسبة 40.87% بمجموع 18.864.864 ناخب. أي أننا نتحدث اليوم عن زيادة بلغت 4.805.069 صوت مؤيد إضافي.

للوهلة الأولى قد يتفاجأ الكثيرون بهذه النتيجة التي حققت زيادة في عدد أصوات المؤيدين لحزب العدالة والتنمية خلال هذه الفترة البسيطة فقط. فما الذي تغير بين البارحة واليوم؟

إن مما لا شك فيه أن حزب العدالة والتنمية ومنذ اللحظة الأولى لنتائج انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2015 قد تمكن من قراءة النتائج بشكل فعلي مكنه من النزول إلى الشارع من جديد برؤية واضحة المعالم قوض فيها الهوة التي نشأت بينه وبين أوساط مؤيديه ومحبيه. ولهذا فإننا نجد أنه خلال هذه الأشهر الأربعة قد تقدم بعديد من الخطوات الملموسة دغدغ خلالها مشاعر الناس، واكتسب فيها تأييدهم ودعمهم ليعود رائدًا من جديد محطمًا كافة توقعات المعارضة بهزيمة ساحقة وزوال قريب.

وبالنظر إلى مقومات هذا النجاح يمكننا أن نفند البنود التالية:

1- تميزت انتخابات 7 حزيران بهجوم عنيف من المعارضة التركية حول شخص رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان الذي نزل إلى الساحة وشارك بشكل كبير في حملة حزب العدالة والتنمية للانتخابات، مناديًا بدعم حزب العدالة ومطالبًا بـ400 نائب وصولًا إلى النسبة الكافية لتحقيق التغيير الجذري الذي يحول الدولة إلى النظام الرئاسي وهو الأمر الذي أدى إلى تحول الصراع الإنتخابي من حرب برامج انتخابية إلى حرب معادية لهذا النظام متهمة الطيب بالديكتاتورية والسيطرة على حزب العدالة والتنمية. هذا الأمر وضع رئيس الحزب الجديد داود أوغلو بصفة الرئيس المؤتمن الذي لا يحل ولا يربط وهو ما زعزع من قوة الحزب لدى الناس. بينما تميزت انتخابات 1 تشرين الثاني بظهور أكثر فعالية لداوود أوغلو ومتابعة لأردوغان من بعد، وهو ما مكن الحزب من استبعاد عامل الحرب الضروس التي كانت موجودة آنذاك. كما مكنت الرئيس الجديد من إظهار قوته وحنكته في التعامل مع الظرف الجديد ومده يد المحبة والتعاون للجميع. وهو ما أكسبه محبة الناس وثقتهم كما يبدو.

2- بعد انتخابات 7 حزيران، وعلى عكس الفوز الذي حققه حزب الشعوب الديموقراطي الكردي في هذه الانتخابات، توجه حزب العمال الكردستاني إلى تصعيد التحرك العسكري بشكل ملفت أدى إلى تحرك الحكومة بشكل حازم تجاه هذا الأمر وبدأت العملية العسكرية التي أدت إلى تكبيد هذا الحزب المحظور الإرهابي خسائر كبيرة. وفي حين انتظر معظم مؤيدي حزب الشعوب الديموقراطي إدانة من هذا الحزب لأعمال القتل والإرهاب التي قام بها حزب العمال الكردستاني، فاجأ هذا الحزب الجميع بمواقفه المدينة للحكومة وليس للحزب الإرهابي صاحب التاريخ الكبير في القتل والإرهاب والتفجير. وهو ما أدى من ناحية إلى خسارة هذا الحزب لجزء مهم من مؤيديه ممن صوت هذه المرة لصالح حزب العدالة والتنمية كنوع من الإحتجاج على هذا الموقف غير المقبول بنظرهم تجاه الحكم والدولة. وهو الأمر الذي يمكن رؤيته بوضوح بنسبة التراجع الحاصلة في عدد المصوتين لهذا الحزب حيث خسر قرابة مليون صوت ذهبت جميعها إلى حزب العدالة والتنمية.

3- تمكن حزب العدالة والتنمية من خلال خطابه المعتدل من اكتساب أصوات الأحزاب الصغيرة التي كانت أصواتها خسارة وبدون جدوى كالذي حصل من تأييد الحزب الكردي الإسلامي التوجه "هدى بار" الذي أعلن عن عدم ترشحه للانتخابات وطلبه من ناخبيه التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية. إضافة إلى اكتساب حزب العدالة والتنمية لأصوات حزب السعادة الأربكاني الذين وإن لم يعلنوا بشكل رسمي دعمهم للحزب إلا أن الكثير من أصوات هؤلاء قد زحفت باتجاه التصويت المباشر للعدالة والتنمية. ويرجع السبب في كلا الأمرين إلى استشعار حزب العدالة للأزمة الحاصلة ومحاولته المباشرة للتعاون واكتساب هذه الأحزاب الصغيرة والحصول على أصواتها.

4- عامل إيجابي مهم أيضًا كان له تأثير فعلي على نتيجة هذه الإنتخابات وهو ما تمثل بإلغاء قانون الحظر الذي كان يمنع قيادات الحزب الأساسية من الترشح للانتخابات، وهو ما قام حزب العدالة والتنمية بتعديله في مؤتمره الخامس. هذا الأمر مكن حزب العدالة والتنمية من إعادة ترشيح 29 قياديًا من أشهر قيادات الحزب فاز منهم 28 نائب. بل إن بعض هؤلاء كان لهم تأثير إيجابي مباشر فور إعلان ترشيحهم بشكل خفض ولو بشكل مؤقت من سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار البورصة كنوع من الترحيب بهذا القرار الحكيم. كما أن هذا الأمر مكن قيادة الحزب من إجراء تعديلات كبيرة في لوائح المرشحين بشكل يتناسب مع رغبات الأرضية الشعبية وليس مع آراء القيادات المتعنتة. وهو ما لحظناه من تغيير كبير في أسماء المرشحين بشكل عام في كامل المحافظات التركية.

5- العامل الأكثر أهمية ربما تمثل في الوضع الاقتصادي الذي تردى بشكل كبير مباشرة بعد الانتخابات في 7 حزيران وبخاصة عندما تضاءلت فرص تشكيل حكومة ائتلاف تمكن البلاد من لملمة الوضع القائم. حيث خسرت البورصة زخمها، وتوقف الاستثمار الأجنبي وتخطى سعر صرف الدولار 3 ليرات بشكل سريع وقياسي. ولهذا فإننا نجد أن كثيرًا من الأتراك أعلن بشكل صريح أنه سيصوت للاستقرار وهو الأمر الذي لا يمكن حصوله اليوم إلا بالتصويت للعدالة والتنمية لافتقار المعارضة للقوة التي يمكنها أن تجابه هذا الحزب وأن تحتل مكانه. فعلى الرغم من حصول المعارضة مجتمعة على نسبة قاربت 60% إلا أنها لم تتمكن أبدًا من التوحد ضد حزب العدالة بل بقيت عاجزة متخبطة فيما بينها.

6- عامل آخر شكل إيجابية واضحة لحزب العدالة والتنمية تمثل في موقف الأحزاب المعارضة من نتائج انتخابات حزيران الماضي. فمنذ اللحظة الأولى لهذه النتائج أعلن كل من حزب الحركة القومية رفضه لأي نوع من أنواع الإئتلاف الحكومي مشهرًا لاءاته المتتالية، لا لحكومة مع حزب العدالة، لا لحكومة مع المعارضة، لا للمشاركة في أي نوع من أنواع الحكومات المؤقتة أو الانتخابية... كما رفض حزب الشعوب الديموقراطي بشكل مواز إقامة حكومة ائتلافية مع حزب العدالة وصعد في وجهه المواقف متهمًا الدولة بالإرهاب وبخاصة بعد أن أعلنت الحكومة حربها على الإرهاب المتمثل في كل من حزب العمال الكردستاني وداعش. هذا الأمر أظهر حزب العدالة والتنمية بموقف الغيور على مصلحة البلاد في حين ظهر كل من الحزبين الآخرين بموقف المعادي الذي لا يدرك ما يقول ولا يقدم أي نوع من الحلول التي تنقذ به البلاد مما هي عليه. ولهذا فإننا نجد أن كلا الحزبين كانا الأكثر خسارة في الانتخابات الأخيرة حيث خسر حزب الحركة القومية نسبة 4% بينما خسر حزب الشعوب الديموقراطي نسبة 3% تقريبًا. وهو ما عبر عنه الكثير من المحللين بكلمة "وهذه هي لا الشعب".

7- موقف أخير كان له دور كبير أيضًا في الوصول إلى هذا النصر اللنتخابي، وهو ابتعاد حزب العدالة والتنمية عن خطاب التصعيد والمجابهة وتوجهه نحو إعلان المشاريع وتقديم الوعود الميدانية لمختلف فئات الشعب بشكل واقعي ومنطقي لا يكلف الدولة أكثر مما يستطاع. ولهذا فإن هذه الحملة الانتخابية قد تمثلت بالكثير من الوعود الشعبية كإعلان الحزب عن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1300 ليرة، وزيادة معاشات التقاعد بمبلغ 1200 ليرة سنوية ورفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد إلى ما فوق 1000 ليرة شهريًا، وتثبيت الموظفين المتعاقدين في قطاعات الدولة ليصبحوا موظفين أصيلين، ورفع الدعم السنوي لموظفي الشرطة من 2200 إلى 3000 ليرة، وتقديم دعم لأصحاب المشاريع الصغيرة من الشباب يصل إلى 50 ألف ليرة، تقديم الدعم المالي بنسبة 15% لمن يرغب بشراء منزل بشرط أن يكون المنزل الأول لهذا الفرد، دعم بنسبة 20% لحسابات البنوك للراغبين في الزواج، دعم 300 ليرة للأمهات عند الطفل الأول، و400 للطفل الثاني و600 للطفل الثالث وقد تم بشكل فعلي تقديم هذه الدفعات إلى 266 ألف والدة، تقديم الدعم للسيدات نساء الأعمال اللواتي يتقدمن بطلب قرض أعمال بقيمة 100 ألف ليرة بحيث تقدم الدولة نسبة 85% من قيمة هذا القرض.... وغيرها الكثير من الوعود التي شملت معظم قطاعات الشعب من أمهات وطلاب وشباب ورجال أعمال...

قد تكون هذه العوامل هي بالطبع جزء من خطة متكاملة تمكن حزب العدالة والتنمية من إقناع الشعب بتفاصيلها. وهو ما أكسبه اليوم مرحلة جديدة تستمر مدة 4 سنوات هي سنوات مهمة لإعادة ترتيب أوراق هذا الحزب بشكل يمكنه من الإستمرار في المستقبل. ولعل أصعب ما سيواجهه هو تغيير الدستور بشكل كامل، الحلم الذي لطالما صرح به قياديو هذا الحزب.

عن الكاتب

د. وسيم بكراكي

كاتب لبناني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس