خلود الخميس - صحيفة العرب القطرية

بدأت سرادق العزاء عن «الليبروفاشيست» و «الصهيوعرب» تماماً بعد ثوان من إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية اخترقت مجالها الجوي لتدك التركمان في سوريا.

البعض يدّعي أن أردوغان مجرم يقتل الأكراد ويلاحقهم في جبالهم. وكأن الجبال هي مساكنهم وليست مخابئ التدريب والإعداد، بينما الحقيقة أن الجيش التركي يدافع عن نفسه وشعب تركيا من إرهاب الـpkk فقط لا أكثر.

ولكن عندما تحرش النظام الدولي بالتركمان عبر صمته وغض الطرف عن جرائم روسيا على الشعب السوري باسم حرب «داعش» واعتباره حقا يكفله القانون الدولي للحرب على الإرهاب جابهته تركيا بلغته، أسقطت طائرته وذاق موت طياريه وانتهى المشهد إلى هنا، وليس من صالح البلدين التصعيد.
القانون الدولي للتشابك يتيح الدفاع عن النفس، وهذا ما فعلته تركيا، ليس الأمر قرارا فرديا لسلطان أو تعنت قيصر، بل هم من وضعوا قواعد اللعبة ونحن نلعب معهم فقط!

وبناءً على طلب تركيا دعا حلف شمال الأطلسي «الناتو» بعد ساعات قليلة من حادثة الطائرة لاجتماع طارئ، وبالطبع وكما صرح رئيس الحلف «ينس ستولتنبرغ» في وقت سابق أن الحلف على استعداد للدفاع عن الدول الأعضاء فيه.

الحلف الذي يراه البعض كفراً من أردوغان مشروعا لو نظرنا له من ثقب علمانية الدولة التركية، وشرعيا لو نظرنا له من باب الإسلام، وينكره من لم يرجع للتاريخ، فحلف الفضول شُكل في الجاهلية وقال عنه نبي الأمة محمد عليه الصلاة والسلام مؤيداً (لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت). وحلف الفضول يجيز للمسلم أن يتحالف مع غير المسلم في سبيل الحق ونصرة المظلومين واستعادة الحقوق المسلوبة.

وأول دولة إسلامية هي دولة المدينة عاهد فيها قائد الأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم اليهود، وأحلاف كثيرة في العهد الإسلامي المبكر من خلافة الراشدين، وحتى يومنا هذا، لا ينكر الإسلام العهود مع غير المسلمين ولكن يضبطها.

وعودة للأكشن بين تركيا وروسيا، فإلغاء زيارة «لافروف» المزمعة أمس الأربعاء إلى تركيا، وعبور سفن حربية روسية مضيق «جناق قلعة» التركي لمحاصرة تركيا، ليس إلا تصعيداً هوليوودياً بنكهة «الكريم- لين» وهو نوع جديد نزل الأسواق الاستهلاكية بعد نهاية الحرب الباردة وبداية اقتتال فصائل المجاهدين المسلمين في أفغانستان.

تلك التصرفات تهدف إلى منح الماكينة الإعلامية ما تتدبر به رفع إعلاناتها ونسبة المشاهدة لبرامج التحليل السياسي والأخبار، ولا يعني بتاتاً أن هناك مشروعا أو مؤشرا لحرب ستنشب بين البلدين الصديقين جداً.
إلى هنا انتهت المناوشات للحدث، وبقيت لنا التحليلات هنا.

أولاً: أظن أن الإدارة التركية لا ترغب في الدخول بحرب، ولكن تريد أن تضمن أن حدودها آمنة من أية حرب؛ لذلك سارعت الرئاسة بإعلان منطقة إنسانية آمنة من جرابلس والبحر المتوسط، قبل أي رد فعل دولي، استغلال الدهشة فن لا يجيده كثير من الساسة ويبرع فيه أردوغان؛ حيث أعلن أنه من لا يدعم تركيا بإنشاء منطقة آمنة شريك بتحمل مسؤولية مقتل 380 ألف بريء.

ثانياً: في ذات اليوم الذي أسقطت فيه الطائرة الحربية الروسية أعلن تشكيل الحكومة في تركيا، وكان أول تحد لوزير خارجيتها ودفاعها، وبخبرتي في تفكير الإدارة التركية فقد استطاعت التعامل مع الموقف بقوة الحق في الدفاع عن النفس، وارتدت الكرة في ملعب الروس لاحتواء سلوكهم وإيجاد سبل دبلوماسية وبروتوكولية لغلق الملف.

ثالثاً: العلاقات التركية- الروسية على المستويات الاقتصادية والسياسية وكحليفين في أكثر من قضية عدا الأزمة السورية التي تشابكت فيها العلاقات بين إيران وسوريا، أعمق، ولن يزلزلها طيار يقتل في حالة حرب وهو معتدٍ ومتعدٍ على الآخر والجند يموتون، هكذا ينظر البلاشفة للمواطن، أن حياته مقابل بقاء الوطن والمصالح تحكم السياسة.

رابعاً: وكما ذكرت أعلاه فإن استخدام الدهشة سلوك سياسي مخضرم ودقيق؛ حيث أعلنت الإدارة التركية الدعم الكامل للمعارضة المعتدلة في حقها الدفاع عن الشعب والوطن والحرية والوحدة والبقاء ضد نظام الأسد الظالم؛ فبُهت بوتن عند حنكة تركيا في تطويع الحدث للإدلاء بامتعاضها من حلفاء الأسد وأسمته النظام الظالم.

مما سبق لا نرى إلا مواجهة غير متكافئة ليس بالقوة العسكرية، بل بالقوة السياسية والموقع القانوني الذي دفع «الناتو» وأظنه مجبر أخاك لا بطل، أن يصرح بأن الحلف ملتزم بالدفاع عن أعضائه، وتركيا منهم.
لقد أحسنت تركيا استغلال الدهشة، وتحركت بسرعة فائقة لتشكيل لوبي دولي مساند، ووقفت معها أميركا، وهي القوة العظمى التي يتطلع الجميع لتصريح مؤيد منها. فماذا فاعل أنت يا «بوتن»؟!

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس