خلود عبدالله الخميس - الانباء

جرت بالأمس أول انتخابات البلديات المحلية في تركيا في ظل النظام الرئاسي الجديد، الذي أقره استفتاء أبريل 2017.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حزب «العدالة والتنمية» «أحرز مجددا المرتبة الأولى في الانتخابات بفارق كبير منذ انتخابات نوفمبر 2002».

وقال في أول تصريح بعد إعلان نتائج الانتخابات البلدية أمس: «لقد خسر مجددا الذين يحاولون تركيع شعبنا عبر زعزعة وحدته وتضامنه» وأضاف: «على أجندتنا برنامج إصلاحات مهم للغاية».

لكن أردوغان أقر: بأننا كسبنا قلوب الشعب التركي في المناطق التي فزنا فيها وأننا لم نحقق النجاح المنشود في المناطق التي خسرناها وسنحدد مسارنا المستقبلي في ضوء ذلك، في إشارة إلى بلدية العاصمة أنقرة وأنطاليا وكذلك إزمير التي تعتبر محسومة تاريخيا لصالح المعارضة. أما اسطنبول أكبر المدن فشهدت نتيجة متقاربة جدا.

وأعلنت وكالة الأناضول الرسمية أن حزب العدالة والتنمية فاز في الانتخابات بنسبة أكثر من 46٪ من الأصوات مقابل نحو 30٪ لحزب الشعب الجمهوري المعارض، بحسب النتائج غير النهائية.

وتعتبر الانتخابات للبلديات في تركيا المؤشر الدقيق لنتائج الانتخابات البرلمانية، وهي المدخل لها ومقياس الثقل السياسي للحزب في المناطق، فالبلديات تقوم بأدوار خدمية مهمة وتمس حاجات المواطن اليومية من غذاء وصحة وإسكان وطرق ومواصلات وترفيه.. إلخ، لذلك يعتبر رئيس البلدية الحاكم المحلي، وكذلك فإن التقارب مع الشارع في المناطق ذات المكانة السياسية، لا يؤدي إلى التقارب مع الحاكم المحلي فحسب، بل الأهم أنه يدعم حزبه في الانتخابات البرلمانية ومرشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية.

في كلمته أمام مؤتمر القمة الدولية للمدن والمنظمات غير الحكومية في إسطنبول عام 2017، دعا رئيس تركيا رجب طيب أردوغان إلى الضرورة بل الحتمية لتعزيز دور البلديات في تركيا كما كان الوضع في المدينة المنورة، والتركيز على خدماتها مستخدما وصف أنها «سر البقاء في السلطة» التي تبدأ من مراكز الحكم المحلية، وشدد على قوتها وفاعليتها، ووجه تساؤلا: «إن استطعنا تطبيق معايير الدين الإسلامي على جوانب الحياة الاجتماعية، هل كنا سنواجه الأزمات التي نعيشها حاليا؟».
من إدارته لبلدية إسطنبول بين 1994 و1998 برز أردوغان، وذلك بعد أن اشتهر بإنجازات نوعية لولاية إسطنبول.

ولم يحصر التميز في فترته، بل سدد ديونها السابقة والبالغة ملياري دولار، كما زاد حجم استثماراتها 4 مليارات دولار، ومعها لمعت مهارته السياسية لعوامل أراها ثلاثة:
٭ تكريسه للعمل الجماعي.
٭ تطويره الموارد البشرية.
٭ نجاحه في إدارة المسائل المالية بالاستعانة بمختصين وفك الربط بين أسلوب اتخاذ القرار السياسي والمالي.

ثم بسبب نجاحاته كرئيس بلدية حصل «العدالة والتنمية» على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية 2002 وتغير قدر تركيا منذ ذاك حتى الآن.
بعدها صعد نجم الحزب واستمر في الكفاح وبمساندة البلديات حتى تمكن من الحصول على أغلبية شعبية مكنته من تعديل الدستور، وكذلك تغيير نظام الحكم إلى الرئاسي الجديد، ما ساعد على تحقيق خطته وبرنامجه الإصلاحي، وتطلعاته المستقبلية في تشكيل معالم جديدة للدولة والتي أطلق عليها «تركيا الحديثة» وتطلعات للعام 2023.

مفتاح السلطة البلديات، وتاريخيا بدأت مسيرة حزب العدالة والتنمية في الحكم، بحسن الإدارة الذي حققه أردوغان وفريقه خلال رئاسته لبلدية إسطنبول في مارس 1994 إلى نوفمبر 1998، أربعة أعوام وتغير وجه إسطنبول.

ولأن البلديات هي البنية التحتية وأول عتبة في سلم السلطة فإن الحزب الحاكم يقود أكبر تحالف في انتخابات البلديات التي جرت بالأمس وهو مع حزب الحركة القومية الذي سيدعم مرشحي العدالة والتنمية في أكبر ثلاث ولايات: إسطنبول وأنقرة وإزمير، ونذكر أن الحركة القومية حالف العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية تحت الاسم ذاته «تحالف الشعب».

وهناك ما يميز البلديات في تركيا وهو ما يسمى بالبلدية المجتمعية، وهو نظام جدير بالاقتباس، حيث البلديات تولي الإدارات المحلية مسؤولية وضع خطط لتحسين الجانب الاجتماعي في حياة المواطنين، تهدف لسد احتياجاتهم المعيشية، مثل إنشاء المساكن وتيسير وتسيير الصحة والتعليم ووضع منظومة لحماية البيئة، ومساعدة العاطلين عن العمل والأيتام، وتأسيس مؤسسات تحقق التكافل بين المواطنين وتقدم الخدمات المجتمعية، ووضع بنية تحتية للأنشطة الثقافية والاجتماعية، وتقوية أواصر الصداقة والأخوة بين فصائل الشعب، خصوصا ضمن اختلاف القوميات والأديان والمذاهب.

لذلك نتجت زيادة التنمية المحلية وفرص العمل وكوفحت البطالة عبر تطوير سياسات استثمارية جديدة، ومن جهة أخرى ازدادت كفاءة الخدمات على مستوى الصحة، والتعليم، والمعيشة والتكافل المجتمعي.

التطور الفارق حدث بعد قانون البلديات الكبرى، التي أسندت وظائف وصلاحيات كثيرة للبلديات في مجال خدمات البلدية المجتمعية مثل إنشاء المراكز الصحية والمستشفيات ومراكز الصحة المتنقلة لتقديم الخدمات إلى النساء والأطفال والبالغين وكبار السن وذوي الإعاقات، والأنشطة الثقافية والمجتمعية، وتطوير الخدمات على تلك الأصعدة، وإقامة مؤسسات ومراكز تحتضن تلك الأنشطة، وفتح مراكز التدريب لتنمية ذوي المواهب وإدارتها، والتعاون مع الجامعات والمعاهد والثانويات المهنية والمؤسسات الحكومية ومؤسسات العمل المجتمعي في التنفيذ، أما فتح مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة لإقامة الأنشطة الخاصة بهم، فتقع تحت مسؤولية إدارة البلديات بشكل مباشر.

الكثير من القفزات التي حققتها تركيا منذ 2002 بقيادة الإصلاحيين المحافظين بدأت لبنتها الأولى في البلديات، التي اقتربت من الشعب وحصلت على ثقته بمستوى الخدمات والعدالة في الحقوق والواجبات، بعد أن نزعت فتيل القنبلة الموقوتة وهي التفرقة بين الطبقات والذي كان سائدا بل مستحسنا بعد إعلان الجمهورية وحكم التيار العلماني الأتاتوركي (حزب الشعب الجمهوري)، والذي مازال متمسكا بفكرة النخبوية العرقية، وقسم الشعب إلى نخب تحكم وتقود وتستحوذ على السياسة والاقتصاد وعامة تسمع وتطيع ولا حقوق لها وتعيش الفقر والعوز.
المحافظون، أو حزب العدالة والتنمية جاء إلى أعلى سقف في السلطة بدءا من البلديات.

من إسطنبول حمل اردوغان، الشاب الذي حقق كاريزما عالمية، هم شعب تركيا بكل أطيافه، هدم مع حزبه بمعاول وتعاون الشعب صنم النخبوية والتفرقة في المجتمع، وتحققت الكثير من أحلام الأتراك بالرفاهية والانفتاح على العالم وقوة الاعتبار دوليا.
في تجربة تركيا: الانتخابات المحلية للبلديات، إنموذج جاهز ومجاني للتمترس بخدمة الشعب لقيادة وطن.

130عاماً من الانتخابات البلدية

في تركيا 81 بلدية بعدد مقاطعاتها، و1397 بلدية تابعة للبلديات الأم موزعة على المدن والمناطق والأحياء التركية.
ويرجع تاريخ الانتخابات البلدية التركية إلى ما قبل 130 عاما، فقد أجريت للمرة الأولى في العام 1877، وتعتبر بلديتا إسطنبول وأنقرة من أهم وأكبر البلديات.
والبلدية في تركيا هي الوحدة التي تمثل الإدارة المحلية.

وحسب المادة 127 من الدستور التركي تنقسم الإدارات المحلية إلى 3 نماذج: إدارات المحافظة، والبلديات والقرى.

ومن بين هذه الإدارات برزت البلديات أكثر من غيرها، وقد سهل هذا حركة التمدن والتطور العمراني والاقتصادي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة.
وبحسب القانون التركي رقم 533 يوليو2005، فإن البلدية هي مؤسسة تقوم على الخدمات التي ينتفع منها المواطنون عموما، وينتخب عمدتها من قبل الناخبين، وتملك ميزانية وإدارة منفصلة، وتتكون من مجلس بلدي ومجلس استشاري ورئيس بلدية.
والبلدية الكبرى جاء تعريفها في القانون 5216 يوليو 2004، بأنها مؤسسة تتكون في المناطق التي يتجاوز عدد السكان فيها 750 ألف نسمة، وتقع ضمن حدود المحافظة.
وتتولى البلدية الكبرى التنسيق والإدارة بين البلديات، وتقوم بالوظائف والمسؤوليات المبينة في القوانين بميزانية وإدارة منفصلتين، وينتخب رئيسها من قبل الناخبين، وتتكون من مجلس البلدية الكبرى ومجلس البلدية الكبرى الاستشاري ورئيس البلدية الكبرى.

عن الانتخابات المحلية التركية

٭ تتم كل 5 سنوات ويتنافس فيها 12 حزباً
٭ يحق لـ 57 مليون ناخب الإدلاء بأصواتهم
٭ التصويت متاح في 194 ألفاً و390 صندوقاً انتخابياً موزعة على 81 ولاية
٭ المواطنون الأتراك فوق 18 عاماً يحق لهم التصوي

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس