خلود عبد الله الخميس - الأنباء الكويتية

بالأمس مرت الذكرى الخامسة والتسعون لإلغاء الخلافة الإسلامية، أو كما يتعارف عليه في الوثائق «سقوط الدولة العثمانية»، وأرى أن المؤامرة على مصطلح «الخلافة» أكبر بكثير وذات بعد استراتيجي منه على أسرة آل عثمان الحاكمة.

ألغي مقام الخلافة في عهد آخر السلاطين عبدالمجيد الثاني بن عبدالعزيز الأول ونفي ومعه العائلة الحاكمة بأكملها، ويؤرخ أن العائلة العثمانية المنفية طلبت من ملك مصر فؤاد استقبالها، ولكنه رفض لجوء أي فرد من السلالة العثمانية ولو كانوا نساء أو أطفالا.

ولو نظرنا لتحرك (البروباغاندا ـ الدعاية السياسية) اليهودية والمسيحية وهي الأذرع التي أسست الاتحاد والترقي وغذت المعارضة الشعبية للسلطنة وحرضت ضد السلطان عبدالحميد الثاني، نشطت وبلغ أوجها أثناء حكمه عبر البعثات الديبلوماسية بالطبع، حيث كانت القنصليات والسفارات تقوم بمهمة جاسوسية لا ديبلوماسية في عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول، وأن هناك تركيزا على جانبين رئيسين في هدم «فكرة الخلافة»:

الأول: داخليا، وهو إلصاق التهم التي تتناقض مع أخلاق مسمى «خليفة المسلمين» في السلطان عبدالحميد الثاني حتى تهدم الصورة النمطية للخليفة عبر تشويه شخصه، وتم لهم ذلك حتى بلغ أهل بيته، كيدا وحيلة.

الثاني: خارجيا، التحريش بين الترك والعرب لاستنهاض الجاهلية القومية، وتبني والنفخ في رأي أن الخلافة حق عربي، وأن على العرب في الجزيرة العربية استعادتها من التركي «السلطان الأحمر» أي الدموي والمستبد كما روجوا لعبدالحميد في الداخل.

لقد كان لزاما أن تنجح الخطة بجناحيها الأول والثاني النخر في الأساسات داخليا، والتحريض القومي على الثورة على الخليفة لعدم استحقاقه الخلافة خارجيا، ونجحوا في الاثنين.

السؤال هل كان الغرب بالفعل يريد إقامة خلافة إسلامية في جزيرة العرب وغيرته أن الخلافة كانت في الترك؟!

بالطبع لا، فقد كانت لديهم خطة مسبقا لإنهاء «الخلافة» عبر خيانة الاتفاق مع شريف مكة وقتذاك، القائد العربي الموعود بالخلافة، والانقلاب عليه ونفيه قبل أن يجف حبر نص إلغاء الخلافة الإسلامية للدولة العثمانية.

ولابد أن أنوه هنا إلى أن اشتداد المؤامرة كان في حكم السلطان عبدالحميد الثاني بينما هي موجودة منذ تأسيس دولة إسلامية جديدة بعد سقوط آخر دولة وخلافة في بغداد، حيث سعت الدولة العثمانية لجلب كافة المسلمين تحت جناحها واستعادة الخلافة الإسلامية مصطلحا وعملا.

(أحد الأمثلة: معاهدة كيتشوك كاينارجي مع الإمبراطورية الروسية، لحماية مسلمي شبه جزيرة القرم، والتي عقدت 21 يوليو 1774م، حيث طالبت فيها الدولة العثمانية بولايتها ووصايتها على الرعايا المسلمين ولو كانوا يقيمون خارج حدود دولتها).

وازدادت شراسة الصراع مع إعادة مصطلح «خليفة المسلمين» على يد السلطان سليم الأول، تاسع سلاطين الدولة العثمانية وكان أول من حمل لقب «أمير المؤمنين» بعد أن فتح مصر وأسقط دولة المماليك.

آنذاك وبسبب صعوبة تدفق المعلومات والتحقق من دقتها بعيدا عن الشائعات والأقاويل التي ترافق كل دولة وحكم، لم يكن من السهل فهم المشهد الحقيقي لنوايا الغرب بتحطيم «الخلافة» لأنها راية يجتمع تحتها كل مسلم في الأرض، وبالتأكيد يسقط لواء الجهاد تباعا بعدم وجود دولة تدعو له كفرض عندما تتعرض الأمة الإسلامية للهجوم أو التهديد.

لذلك، دعمت الدول العربية خطة إسقاط الخلافة التي كانت، بالرغم من سلبياتها، منجاة الأمة من الفرقة والتشرذم الحالي، حتى صارت المناهج الدراسية تطلق على الدولة العثمانية «الاحتلال العثماني»، اليوم وبعد مائة عام إلا خمس، قبيل قرن، وبوجود الثورة المعلوماتية، علينا طرح بعض التساؤلات:

ـ هل هناك ممن انتصروا للنعرة القومية من العرب والترك والكرد أيضا من يعرف الحقيقة لأسباب سقوط الدولة العثمانية، أو يريد أن يعرفها؟

ـ هل هناك مراكز بحثية محايدة نبشت في الأرشيف العثماني لتطلع على الوثائق غير المترجمة ووضعت برنامجا علميا لترجمتها؟

ـ هل بلغ الوعي في الدول الإسلامية شعوبا وأنظمة حاكمة الإقرار بأخطاء الماضي التي أدت لاختراق الأمة؟

ـ هل مازال «لورانس العرب» بطلا قوميا، كما طرحه المشروع البريطاني، خلص العرب من احتلال واضطهاد الأتراك؟!

ـ السؤال المهم: هل لدينا الاستعداد لفهم الحقائق ببشاعتها وجمالها ومن ثم تقبلها والبدء من جديد؟!

عندما طرحت خريطة التقسيم المسماة (سايكس ـ بيكو) في 1916 كانت طبول الحرب العالمية الأولى لا تزال تدق في رأس العاصمة إسطنبول وصداها يسمعه العالم الإسلامي فقرا وتهتكا، فإضعاف دولة الخلافة بعد كل محاولات التكسير الداخلي، تطلب زجها في حرب بل حروب، لينشط أهم معاول الهدم الاقتصادي وهو الصراع العسكري، وبالطبع الهرم الاجتماعي سيتبعه، حيث يتفشى الفقر والمرض، في ظل أسر فاقدة للمعيل الأوحد في بيئة معلوم أن المرأة لا تعمل فيها، والدولة تتوقف عن صرف المساعدات لعجز في الخزينة التي أفرغتها الحرب، فماذا يحدث بعدئذ؟

انكسار الكرامة الإنسانية الذي يرافق انهيار اقتصاد الدولة، لا نحتاج الى كتب التاريخ لفهم هذا التسلسل، فقط ننظر حولنا ونرى ما الذي يحدث على الهواء مباشرة لدويلات الأمة الإسلامية.

لقد كان التنافس الاستعماري سببا خفيا للحرب العالمية الأولى، خصوصا مع اشتعال الثورة الصناعية وبروز الحاجة إلى تصدير البضائع وتوفير المواد الأولية للصناعات، فسعى سياسيو دولها إلى النظر خارج الحدود، باستعمار مناطق جديدة، ما أدى إلى حصول نزاعات نتيجة تصادم المصالح، أي المسألة أن تموت شعوبنا لتعيش شعوبهم في رفاهية، وليس بجديد أن تضارب المصالح أكبر عامل سجله التاريخ لأسباب النزاعات على الجغرافيا وعلى كراسي الحكم.

ولكن المحزن أن البعض مازال يتبنى «المالتوسية» لاستمرار الحياة، والتي باختصار ترى أنه بالحروب يمكن إعادة التوازن بين المخلوقات والموارد، وتعتمد تلك النظرية ومثيلاتها على الندرة والصراع للبقاء، بينما نظرية القرآن تعتمد الوفرة والتعاون لإعمار الأرض، شتان بين العلم البشري والوحي الإلهي.

تضارب المصالح وتوافقها عامل لعبت عليه (سايكس ـ بيكو) لتتوج نتاج التجسس والفتنة والهدم للخلافة العثمانية، وبالرغم من أنها اتفاقية غيرت جغرافية العالم الإسلامي بتفتيته لتتمكن من السيطرة على كل وحدة على حدة، بينما الصورة الأشمل للحقيقة التي يحاول رؤوس الدعوة الوسطية اليوم طمسها أن هناك «منهجية عداء» عالمية ضد الدين الإسلامي، ببث شبهات تنال منه بلا احترام لحقه في التفنيد وبشيطنة أتباعه من علماء وشيوخ دين، وبوصمه بالإرهاب بلصق جماعات استخباراتية أسست لهذا الغرض.

ليس هناك جديد، بدأ العداء للإسلام منذ الدعوة المحمدية وسيستمر حتى قيام الساعة، ولكن الجديد موقفنا بعد العلم، في أي طرف نقف نحن المسلمون شعوبا وحكومات؟!

إن معرفة المسلم بالحقائق ستفتح له المدارك بأن خطة الإسقاط كانت موجهة إلى «مقام الخلافة» ما يجعله يراجع فهمه متكاملا لأسباب سقوط الدولة العثمانية من جهة، ونتائجه من جهة أوسع وأهم لما كان له من أثر على كل شيء إسلامي منذ قرن من الزمان.

الدولة هي وعاء الدين، ولا غرو أن يقاتل النظام العالمي للدعوة للعلمانية وهذا أكبر دليل على القلق من وجود «وعاء للخلافة»، لكننا مؤمنون أنها ستعود «خلافة على منهاج النبوة».

نص قرار إلغاء الخلافة العثمانية

القانون رقم 431 المصادق عليه بتاريخ 03 مارس 1924 والمنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية التركية في عددها الصادر يوم 06 مارس 1924 تحت رقم 63 في صفحتها السادسة.

المادة 1: تم خلع الخليفة وإلغاء مقام الخلافة بعد دمج معناها ومفهومها من حيث الأساس في الحكومة والجمهورية.

المادة 2: يمنع على الخليفة المخلوع وعلى أفراد العائلة الحاكمة في السلطنة العثمانية بالجملة وعلى أصهارهم رجالا ونساء حق الإقامة داخل ممالك الجمهورية التركية أبديا.

ويسري حكم هذه المادة على كل من تلده النساء المنتسبات إلى تلك العائلة الحاكمة.

المادة 3: على كل المذكورين في المادة 2 ترك أراضي الجمهورية التركية ابتداء من تاريخ إعلان هذا القانون وفي مدة أقصاها 10 أيام.

المادة 4: تسحب صفة المواطنة التركية عن كافة المذكورين في المادة 2 ويحرمون من الحقوق المترتبة عن تلك الصفة.

المادة 5: من هنا فصاعدا لا يحق للمذكورين في المادة 2 التصرف في أموالهم غير المنقولة داخل الجمهورية التركية، ولقطع علاقاتهم بممتلكاتهم يمكنهم الاحتكام بالوكالة إلى محاكم الدولة خلال سنة واحدة. وبعد انقضاء هذه المدة لا يحق لهم مراجعة المحكمة.

المادة 6: سيتم تسليم الأشخاص المذكورين في المادة 2 مبالغ مالية لمرة واحدة لتغطية مصاريف ترحيلهم وستقوم الحكومة بتحديد تلك المبالغ بالتفاوت حسب الحالة المادية للشخص المعني.

الماد 7: على الأشخاص المذكورين في المادة 2 تصفية كافة أموالهم غير المنقولة الموجودة داخل الجمهورية التركية في ظرف سنة واحدة وذلك تحت علم الحكومة بموافقة منها.

وفي حال عدم تصفيتهم لتلك العقارات المذكورة فإن الحكومة ستقوم بتصفيتها بمعرفتها ثم تدفع لأصحابها أثمانها.

المادة 8: العقارات المسجلة في السجل العقاري باسم أشخاص قاموا بوظيفة السلطنة في الإمبراطورية العثمانية، قد انتقلت إلى ملكية الأمة.

المادة 9: المفروشات والاطقم واللوحات والآثار النفيسة وسائر الاموال الموجودة في القصور التابعة للسلطنة الملغاة وبيوتها وسائر أماكنها تنتقل كافة إلى ملكية الأمة.

المادة 10: انتقلت إلى ملكية الأمة كافة الأموال المعروفة باسم الأملاك الخاقانية، مع الممتلكات التي تم نقلها من قبل إلى ذمة الأمة، وكذلك كافة الأملاك العائدة للسلطنة الملغاة، وأملاك الخزينة السلطانية السابقة والقصور والمباني والأراضي مع محتوياتها.

المادة 11: ستم إعداد قانون للتثبت في الأموال المنقولة وغير المنقولة التي انتقلت ملكيتها إلى الأمة، وفي الأراضي الموقوفة وللمحافظة على تلك الممتلكات.

المادة 12: يعتبر هذا القانون نافذ المفعول اعتبارا من تاريخ نشره.

المادة 13: لجنة النواب التنفيذية مسؤولة على تنفيذ هذا القانون.

(من مركز طروس لدراسات الشرق الأوسط)

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس