ترك برس

تحدّثت الروائية المتخصصة في الدراسات الروسية أليف ألاتلي، والتي أجرت أبحاثا تتناول العادات والصفات المشتركة بين الروس والأتراك، عن أزمة العلاقة الروسية التركية، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، وذلك في لقاء صحفي أجرته مع الجزيرة ترك.

- هل ما حصل من منع السلطات الروسية لمواطنيها من القدوم إلى تركيا، والمضايقات التي تعرض لها الطلاب الأتراك في روسيا، والتي أدت إلى دخول العلاقات الثنائية في نمط جديد،  يعكس إرادة "بوتين"، أم إنه يعكس السياسة الخارجية التقليدية لروسيا؟

لا يمكن الفصل بين بوتين والروح الروسية، لو لم يرد بوتين أن تصل الأمور إلى هذا الحد لما وصلت، إن بوتين يعكس الروح الروسية التقليدية، وأظن أن سبب نجاحه هو هذا التشابه والتقارب.

- ما المقصود بالروح الروسية؟

بداية هناك شبه شديد بينهم وبين الأتراك، هناك مثل يقول: لو أنك وضعت أمامك مواطنا روسيا لخرج من داخله تتاري، أي أقرب إلى المجتمع الآسيوي، يتميزون بالحماس، والتضحية، وتحدي الموت، شعب مقاوم، وكأنهم مجتمع  آسيوي، فهم لا يشبهون المجتمع الغربي الهادئ، الذي يقوم بحسابات كثيرة قبل أن يخطو بأية خطوة.

- هل نستطيع أن نقول إن التصريحات التي يقوم بها بوتين تترجم ما في داخل المواطن الروسي؟

ليست إلى هذا الحد، ولكن أرى أن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: ما هو السبب الكامن خلف محبة الروس لبوتين؟

- ما هو أكبر نجاحات بوتين؟

أكبر نجاح لبوتين هو تمكّنه من استرجاع القيم والحساسيات التي اختفت ملامحها منذ عهد بعيد، وكذلك ما قام به على الصعيد الديني، بعد مجيء "تشار بيدرو" تم دفن الكنيسة الأرثوذكسية وطمس ملامحها، وجعل زمام الأمور بيديه، بعد ثورة 1917 قام "فلاديمير ألييتش أوليانوف" الملقب بـ"لينين"، بفتح الكنيسة لمدة أسبوع ومن ثم إغلاقها مرة أخرى، إلى أن جاء بعد ذلك الفكر العلماني، كان الدين في روسيا يمارس تحت الارض، بعد عام 1990 أي بعد انتهاء الحرب الباردة تدفق المبشرون الغرب إلى روسيا، وفاموا بتعميد (الغسل بماء المعمودية) الآلاف من الناس في الملاعب، لم يكن الناس يعرفون حينها لم يتم تعميدهم؟كان قد وصل الأمر إلى هذا الحد من الجهل بالدين، فيما بعد علم الروس أن ما تم لا يمت بصلة إلى التعاليم الأرثوذكسية، وإنما كان عبارة عن شيء آخر، إن الأرثوذكسية مذهب مسيحي مختلف، قريب إلى حد كبير من المذهب السني في الدين الإسلامي.

- ما هي الخطوات التي قام بها بوتين فيما يخص الأرثوذكسية؟

إن أول ما قام به بوتين هو إحياء الكنيسة، ذهب إلى البطريرك وتبرك بمسح وجهه بالرموز الدينية، باختصار قام بإنعاش الدين، وذهب بعد ذلك إلى الأديب والمعارض الروسي "ألكسندر سولجنيتسين"وهذا أمر في غاية الاهمية، إذ اعتبر الأمر بمثابة رد الاعتبار لـ"ألكسندر".

- كيف سطع نجم بوتين؟

اجتمع بوتين إلى كل شخص عمد إلى التفرقة في البلاد، وسيطر على مجلس الدوما، ويعد مجلس الدوما أغنى مجلس في العالم، لديهم ميزانية تصل إلى 40 مليار دولار، ولكن هذا الاتفاق لم يكن سهلا، إذ اضطر إلى سجن البعض، وفي يومنا هذا لا نستطيع أن نقول: إن زمام الأمور في المجلس بيد بوتين، ولكن نستطيع أن نقول: إن التهديد قلّ كثيرا. تمكّن بوتين من أن يكون أبا مميزا، في الوقت نفسه استطاع أن يدخل إلى عمق الشعب، بوتين اليوم ينظر إليه كحامي لروسيا، ينظر إليه الشعب على أنه يحميهم من أنواع التهديدات المختلفة، إن روسيا التي افتخرت بإرسال أول مركبة إلى الفضاء، عاشت سنوات طويلة فيما بعد من الحزن وشعور بفقدان الاعتبار، وما يقوم به بوتين اليوم لا يدخل إلا في إطار محاولاته لرد الاعتبار، وخصوصا في سلوكه المتبع مؤخرا مع تركيا، ويعد مخطئا تماما في سلوكه حيال تركيا.

- أفدتم أن سلوك بوتين حيال تركيا كان خاطئا، برأيكم لماذا ارتكب هذا الخطأ؟

في النهاية هو بشر، أنا أشبهه بالرئيس "بوريس يلتسن"، كان يلتسين عاشقا للديمقراطية، إلى حد أنه صعد على متن الدبابة، لإلقاء خطابه من على متنها، وكانت الدبابة تديرها لجنة الطوارئ، وكانت تعد رمزا للاتحاد السوفيتي، ولنظامه العسكري، استطاع يلتسن من المضي قدما، إلى أن حدث ما حدث، حيث دب الخوف في داخله وبدأ يتحرك مع القلة، وبدأ أقرباؤه بكسب الأموال الطائلة، ومن أطاح بيلتسن هو بوتين، لو امتنع يلتسن عن الذهاب، لقام بوتين بكشف السرقات كلها التي قام بها يلتسن، خلال 24 ساعة تخلى يلتسن عن كل شيء، فاسحا المجال أمام بوتين، وهنا أريد أن أسأل: هل تجدون مقاربة بين ما حدث حينها، وبين ما يحدث الآن؟ أرى أن بوتين وكأنه سيتخلى عنا، ليرمي نفسه إلى الطرف الآخر.

- ما المقصود بالطرف الآخر؟

الغرب، ألمانيا،... أظن أنه خاف، وتهرب من تحمّل مسؤوليات تفوق استطاعته.

- هل يخاف بوتين من الظهور جنبا إلى جنب مع تركيا؟

أقول: قام باختيار أخلاقي، كان على بوتين اليساري، الآسيوي الأصول، الأرثوذكسي، أن يفهم بشكل جيد رسالة السيد "أردوغان" عندما قال: إن العالم أكبر من الدول الخمسة التي تتحكم بالعالم، أرى أنه تم بيعه إلى الطرف الآخر إلى الـ"5"، هذا ما أحسه، لماذا خاف؟ علينا أن نفهم ذلك. ربما خاف من الحظر، كان من الممكن أن يكون هناك تعاون تركي روسي كبير، كان بوتين قريب من عقلية "الدنيا أكبر من خمسة، ولكن أظن أنه لم يحتمل ذلك، لو كانت زمام الأمور بيدي لضممت إلى الاتحاد الإسلامي بدلا من أردوغان روسيا، ليس كمراقب، لتكون عضوا بشكل مباشر، 20 بالمئة من الروس هم مسلمون، وكان يحق لبوتين وقتها أن يقول للولايات المتحدة الامريكية: إن العالم أكبر من 5، لذلك لن ألعب هذه اللعبة، ويتخذ قرار الانسحاب من مجلس الأمن.

هناك حقيقة يجب الدراية بها، إن الصناعة الروسية لم تنتعش بالشكل الكافي. أن تقول روسيا، يعني أنك تتحدث عن "سبوتنك" أول قمر صناعي أطلقه الاتحاد السوفيتي، يعني أن تقول: دكان حديد لإنتاج السبوتنك، وأن تقول سبوتنك، يعني انك تتحدث عن دكان حديد، هل تعلمون ماذا يعني ذلك؟ يعني أن شخصا ما في الطرف الأمامي يقوم بدق الحديد، وفي الغرفة الخلفية علماء وخبراء يقومون بتصنيع السبوتنك، والفضاء بين من يدق الحديد، ووالغرفة التي يوجد فيها العلماء والخبراء فارغة، والديمقراطية والتنمية لا تسدان هذا الفراغ.

- ماذا تقولون عن التقارب الذي كان يجمع أردوغان بـ بوتين قبل الأزمة؟

إن كان هناك من يفهم طبيعة بوتين، فهو حصرا أردوغان، لا أظن أن قائدا غربيا من الممكن أن يفهم عمق المشاكل التي تحصل في روسيا، ولكن من الممكن لأردوغان أن يفهم تلك المشاكل، لأن تركيا بدأت مشوارها من طريق مشابهة.

- كيف علينا أن نفهم عبارة بوتين: "أردوغان وجه إلينا طعنة من الظهر؟

ظن بوتين أنه كان بإمكان أردوغان أن يستوعب بوتين أكثر، أتوقع أنه انتظر من أردوغان المساعدة، مع الإشارة إلى مسألة الأنا عند الطرفين، أرى أن صفات مشتركة تجمع القائدين، القائدان أردوغان وبوتين لهما لغة عاطفية قاما بالشغل عليها في تواصلهما مع شعبيهما، فهناك روابط عاطفية تربط القائدين بشعبيهما، من الممكن أن يكونا صداقة حميمة فيما بينهما، هذا مع الفروقات التي يتميز بها أردوغان، ولاسيما أن أردوغان يتميز بأنه إننسان متوكل إلى حد كبير، وإن صح التعبير: إن أردوغان يفوق إلى حد كبير على بوتين، إن ما تصرف به بوتين مؤخرا هو تصرف مراهق.

- في حال استمرت الأزمة من الخاسر؟

أظن أن الطرف الروسي هو الخاسر، ولكن برأيي الشخصي هذه الأزمة لن تستمر طويلا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!