طه أوزهان - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

تبخرت واختفت الكينونة القانونية لحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي من جميع خطاباتهم وتصريحاتهم  ليحل ويُستخدم مكانها وبطريقة مقصودة مصطلح "الأكراد". ونحن لسنا بمعزل عن هذا الوضع ولا بالجديدين عليه. خصوصا وأننا سمعنا على مدار اعوام طويلة من أفواه نظام الوصاية مصطلحات واستخدامات كلامية مشابه ومماثلة. فنظام الوصاية هذا وعلى  مدى سنوات عجاف كان يقوم بما يحلو له وبأسم "الأتراك " أو حتى بأسم "القومية التركية"، ولا نستغرب مما يحدث  الآن لأننا نجد وتحت أي عنوان نقرؤه أحد ابتلاءات وأمراض تركيا القديمة والنظام القديم. يرى أحدث التحليلات أن حزب العمال الكردستاني قد ولد وتغذى على يد تركيا القديمة لنجده على ما هو عليه اليوم من تخلف ورجعية.

محاولة حزب العمال الكردستاني الرهان على الأكراد ليست مسألة خاصة بتركيا فحسب وإنما على علاقة بالفشل الذي حظيت به الجماعات الكردية في العراق والذي أسفر عن فترة زمنية دامية وهو على علاقة كذلك بالتطورات على الصعيد السوري اليوم .

فكما حدث مع تلك الجماعات من الأكراد الذين دخلوا في تفاهمات مع حزب البعث في مناطقهم وأصبحوا يتحدثون باسم الاكراد في محاولة منهم  للحصول على ترخيص "فعلي".  نرى حزب العمال الكردستاني شرع بتنظيف المنطقة وتطهيرها من الأكراد المعارضين لسياسته فهو يظن أن بإمكانه الحصول على ما راهن علية بيده وبقوته. لا شك في أن هذا الأمر يفتح الباب على مصراعيه أستقبالاً للأزمة لنبدأ عصرًا دمويًا جديدًا تمامًا مثل ما حصل في ثمانينات القرن المنصرم في تركيا وما حصل كذلك في العراق في أعوام الثمانين والتسعينات.

فالأكراد، الذين يتم استخدامهم كموضوع ومبحث في خطابات المتحدثين بأسم حزب الشعوب الديمقراطي وفي تصريحات حزب العمال الكردستاني، يقابلون حقيقة بالقسوة والعنف بدلا من الاهتمام والتركيز. هذه القسوة النابعة من فتح النيران من فوق كتف الأكراد على تركيا كلها بما فيها أكرادها. فواضح جدا حقيقة انعدام الأخلاق عند هذا التنظيم الفاضل بما فيه المؤيديين له من المنطقة والعالم أجمع.

من جهة أخرى، ليس هناك سبب حقيقي ظاهر لهذا الانقلاب النوعي من محاولات جعل حزب العمال الكردستاني حزبًا سياسيًا ومحاولة تطبيع العلاقات معه، لنرى الآن هذا الحزب يسعى إلى تحويل الأكراد إلى ستالينيين وتحويل مدنهم إلى ستالين غراد. هذه النقلة والتحول التراجيدي وإن كان قادرًا على شيء فهو قادر فقط على أن يكشف لنا أن أولئك الذين يعيشون في جحيم أفعاله بداية هم "الأكراد".، بمعنى أن حفر الخنادق في إحدى البلدات بقوة الإرهاب لا يعدو عن كونه أذى وضرر لأولئك الأكراد المغلوبين على أمرهم  والمحاصرين بالخنادق.

المحزن في الأمر، أن ضيق وجهات نظر الحزب جعل من أولئك الذين يتحدثون بأسم الأكراد لا يقبلون بأي تصحيح أو تصويب أو حتى تساؤل ولو بسيط من الاكراد أنفسهم. فهم يقتلون أي أمل لأن يكون الأكراد بتكوينهم الحالي جزءًا من العالم الخير، كما لا يوجد كذلك احتمال لإيجاد وأختراع أكراد جدد على هواهم وحسب رغباتهم. وهذا يشبه إلى حد بعيد ردة الفعل والسياسة التي مارسها نظام وصاية القومية التركية في وجه من عارضه.

علاوة على ذلك، فإن نظام الوصاية الجديد هذا يسعى إلى لم شمل حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي "بطبيعتهما القومية الكردية" ليبدأ سنوات طويلة من الصدمة والألم نتيجة "الحرب الحمقاء" التي سيفتحها ضد التركيبة الاجتماعية  والمجتمع. فحزب العمال الكردستاني والذي بقي بلا حول ولا قوة بعد أن توقف صراع الأمة وفي محاولة منه للخروج عن طور الأمان والطمأنينة لم يتوانى عن استخدام القسوة والعنف حتى ضد الأكراد، لكن ستبقى محاولاته مجرد محاولات ومخططات ولن ترقى إلى ما يصبوا اليه.

حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديموقراطي وبقدر نجاحه في الحديث عن نفسه لم يتوقف عن ذكر مصطلح "مفاوضات" بطريقة خارقة وغريبة تحمل الكلمة أكثر مما تحتمل من معاني، ليجرد هذا المصطلح من معناه الحقيقي ويمنحه معنى غير مفهوم.

في النهاية، كما أن الإرهاب المستمر إلى الآن لا يصب في مصلحة الأكراد ولا يخدمهم فكذلك لا يمكننا أن نتوقع أن المخاطبين لحل القضية تهمهم مصلحة الأكراد أو أنهم يراهنون من أجلهم. فحزب العمال الكردستاني في الحقيقة يخضع تحت تأثير الإرهاب الذي يمارسه كما يخضع تحت تأثير الشبكة العالمية والمحلية التي وقع فيها علاوة على أنه محكوم بنظرته الضيقة للعالم بشكل عام والتي عفا عليها الزمن. وبذلك فإن حزب العمال الكردستاني سيكون تأثيره على الأكراد أكثر شدة وصرامة من نظام الوصاية القديم. فإذا لم يتغير أولئك المنعزلون في الجبال والذين أوجدوا "قضية تحرر الأكراد الليبرالية اليسارية" ويعيشون في ضوءها لن نشهد تغيرًا في المشهد.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس