جلال سلمي - خاص ترك برس

أظهر استهداف تركيا لبعض المواقع الخاصة بحزب الاتحاد الديمقراطي "بي يي دي" واتفاقها مع المملكة العربية السعودية، لاستخدام الأخيرة قاعدة "إنجيرليك" العسكرية القريبة من الحدود مع سورية، بعض بوادر خطة تركيا المستقبلية تجاه سورية، والتي توحي بضغط تركيا على زر التحرك العسكري لحل القضية السورية وإنقاذ الموقف في سورية لصالحها وصالح المنطقة، كبديل لمحاولات الحل السياسي التي لم تُثمر أي نتيجة إيجابية لحل الأزمة السورية لصالح الشعب السوري وثورته ودول المنطقة ككل.

منذ انطلاق الثورة السورية، تحاول تركيا استخدام كافة المنابر الدولية، لإحداث صدى حل قوي يعود بالنفع على الثورة السورية، ويوصلها إلى بر الأمان في أسرع وقت ممكن، دون نزف المزيد من الدماء ودون تفاقم معاناة المدنيين السوريين الذين ذاقوا الآلام الشديدة في ظل امتداد الفترة الزمنية التي شهدتها الثورة السورية دونًا عن الثورات العربية الربيعية الأخرى.

وإلى جانب ذلك، كان الهدف في محاولة تركيا جاهدةً استيعاب الثورة السورية في أسرع وقت ممكن، هو تلافي تحول نتائجها إلى نتائج عكسية تضر بأمنها واستقرارها الاستراتيجيين.

وبهذا الصدد، أوضح الخبير الاستراتيجي "فخر الدين ألتون" في مقاله "إلى ماذا تهدف تركيا في الفترة الأخيرة؟"، نُشر في صحيفة "صباح"، بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2016، أن استهداف تركيا لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي المتمركزة في منطقة "أعزاز" المتاخمة للحدود التركية، ألهم ببعض جوانب خطة تركيا المستقبلية تجاه الأزمة السورية، مبينًا أن الخطة التركية الجديدة تجاه الأزمة السورية، باختصار هي التحرك العسكري لضرب الأهداف المضادة لمصالحها التكتيكية والاستراتيجية، ودعم كافة أنواع التحركات العسكرية الجوية والبرية التي تهدف حقًا إلى القضاء على "داعش" ودعم الثورة السورية، وهدم المشاريع التقسيمية لسورية.

وأشار ألتون إلى أن الأزمة السورية تزداد تعقيدًا مع مرور كل يوم، ونتائج هذا التعقيد بلا شك هي لصالح النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي اللذان وجدا فرصة ذهبية لاسترداد المناطق التي سيطرت عليها المعارضة أو توسيع الرقعة الجغرافية لمناطق السيطرة الخاصة بهم، وفي ظل هذا الخطر المُحدق بالمصالح التركية، رأت تركيا حاجة مُلحّة لدرء هذه المخاطر التي تولدت وما زالت تتولد نتيجة التدخل الروسي، عن طريق خطة عسكرية توحد جهودها مع الدول الإقليمية، خاصة المملكة العربية السعودية، المساندة للثورة السورية والمناهضة للزحف الروسي والإيراني في المنطقة.

 التحرك العسكري لتركيا لا يعني إغلاقها لطرق الحل السياسي بالكامل، بل هو محاولة لخلق نوع من توازن قوة لصالحها وصالح الدول الإقليمية التي تساندها في قضية دعم الثورة السورية، مشيرًا إلى أن الحديث عن حرب عالمية ثالثة خارج عن نطاق التحليل المنطقي، أو سابق لأوانه في الفترة الحالية، لأن تركيا تهدف إلى تطبيق سياسية "الشد والرخي" في سورية، لصُنع حالة من التوازن التي تُجبر بعض الأطراف على الجدية في مسألة إيجاد حل سياسي حاسم للأزمة السورية، ولن تفرط تركيا في استخدام قوتها العسكرية، تجبنًا للاصطدام مع روسيا وإيران.

ومعيار الإفراط في القوة هنا، لا يمكن تعيينه من قبل محلل سياسي، بل يحدده الميدان وقيادته، إلا أن إمكانية التدخل البري للقوات التركية والسعودية إلى سورية أمر ممكن أن يلوح في الأفق، ولا يدخل في نطاق الإفراط في استخدام القوة، ولكن استهداف الأرتال العسكرية الخاصة بالنظام السوري واستهداف بعض نقاط تمركز القوات الروسية أو الإيرانية يمكن أن يُعد إفراطًا في استخدام القوة، ومن شأنه أن يحدث نوعًا من الصراع الساخن بين روسيا وتركيا إلى جانب المملكة العربية السعودية، ولكن لا يحتل هذا الصراع الساخن أي مكان في شريط خطة تركيا المستقبلية تجاه سورية، لأنها تعي جيدًا أن هذا الصراع لا يصب في مصلحة الشعب السوري أو مصالح المنطقة ككل.

 الخطة العسكرية لتركيا تجاه سورية، ستعتمد على أسلوب الحرب بالوكالة أيضا ً، ذلك الأسلوب القديم الجديد، كما سترتكز هذه الخطة على الاستهداف الجوي للطائرات السعودية التي سيتم تحديد أهدافها بشكل مشترك بين الطرفين، وسيكون الاستهداف البري الميزة الأساسية للخطة العسكرية التركية تجاه سورية.

 التدخل البري احتمال موضوع على الخطط العسكرية المشتركة بين تركيا والمملكة العربية السعودية، ويستند بارلاص في تقديراته هذه، إلى تصريحات القيادتين التركية والسعودية الموجهة إلى قوات التحالف الدولي، واللتان أكدتا في أكثر من موقف أن الهجوم الجوي عاجز عن القضاء على "داعش" بشكل حاسم وإيجاد حل حاسم للقضية السورية، ولا بد من إرفاقه بتدخل بري حتى يكلل بالنجاح.

ويمكن تلخيص خطة تركيا والمملكة العربية السعودية تجاه سورية، استنادًا إلى تصريحات المسؤولين السعوديين والأتراك، بالقول: بات من المؤكد أن خطة الطرفين تجاه سورية، سيضاف إليها تحرك عسكري حيوي إلى جانب التحرك السياسي الذي يقوم به الطرفان منذ بداية الثورة السورية، ولكن لا يُتوقع أن تجري عملية عسكرية شاملة مشابهة لعاصفة الحزم في سورية، ولكن سيبدأ التدخل بعمليات صغيرة، ثم تتوسع حسب تقييم القيادة الميدانية.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس