محمود عثمان - خاص ترك برس

في الأيام الأولى لانطلاقة الثورة السورية عام 2011 حذرني صديقي التركي "صمد" من رجل وصفه بأنه بالغ الخطورة مشهور باسم "معراج أورال" ويسمى علي كيالي أيضًا، وأخبرني يومها بأن أورال يقوم بتجنيد الشباب الأتراك من محافظة هاتاي، وإرسالهم للقتال إلى جانب قوات نظام الأسد في منطقة الساحل السوري ضمن مجموعات الشبيحة فيما يسمى بـ"جيش الدفاع الوطني".

لم يمض على حديث صاحبي سوى أيام معدودات حتى تناقلت وسائل الإعلام ضلوع معراج أورال في مجزرة البيضا بريف بانياس، فقد قامت ميليشيات "جيش الدفاع الوطني" ترافقها وحدات من جيش النظام بتطويق القرية وجمع النساء والأطفال والشيوخ في ساحتها العامة على شكل مجموعات متفرقة، ثم قاموا بالتفنن بقتلهم ذبحا وحرقا ورميا بالرصاص، حيث راح ضحية تلك المذبحة الشنيعة 248 من أهالي البيضا بعد حرق وتدمير ونهب ممتلكات تلك القرية الوادعة.

ثم عثرت بعدها على فيديو لمعراج أورال يتكلم فيه باللغة العربية شارحا نضاله وبطولاته وعملياته ضد الدولة التركية، ومتبجحًا بصداقته الحميمة التي تربطه بزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، المسؤول الأول عن مقتل أكثر من ثلاثين ألفًا من مواطني تركيا أغلبهم من الأكراد، والذي أدرك في نهاية المطاف عقم النضال المسلح، وانسداد طريقه، فذهب لجهة التصالح مع الدولة التركية التي جنحت للسلم معه، لكنه فشل ولم يتمكن من السيطرة على جناح الصقور في جبل قنديل الذين تنكروا لأوامره، معتبرين الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة، وخصوصا بعد الدعم الذي يتلقاه فرعهم في سورية حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، فقد اعتبروا ذلك فرصة تاريخية للانفصال وتشكيل دولة مستقلة!على نمط دولة البعث التي ثار الشعب السوري ضدها.

من هو معراج أورال؟

ولد معراج أورال أو علي كيالي في مدينة أنطاكية، والتحق منذ نعومة أظفاره بالمنظمات اليسارية، حيث انضم إلى منظمة شيوعية تدعى THKP-C التي تحولت فيما بعد إلى تنظيم أكثر شراسة ودموية سمي DHKP-C، وبدأ معراج أورال في تنظيم شباب مدينته وإدخالهم في هذا التنظيم حتى غدوا أكثرية في قيادته، كما شارك في ما يسمى "جبهة تحرير لواء إسكندرون" التي تأخذ على عاتقها قتال الدولة التركية من أجل إعادتها للوطن الأم سورية... اعتقل عام 1978 لمشاركته في دور المستكشف في عملية تفجير استهدفت القنصلية الأمريكية في أضنة، ثم قيامه بالسطو على بنك في المدينة نفسها، لكنه تمكن في 10 آذار/ مارس 1980 من الهروب من سجن أضنة عن طريق دفع رشوة للسجانين.

وتذكر بعض المصادر أن ارتباط معراج أورال بالمخابرات السورية أدى إلى حدوث انشقاق في صفوف  DHKP-C حيث اتهمه زعيم التنظيم دورسن قاراطاش بجعل التنظيم أداة بيد المخابرات السورية.

بعد فراره من السجن دخل سورية في شهر أيار/ مايو 1980، وارتبط بعلاقات مباشرة مع جميل الأسد الذي منحه الجنسية السورية بعد عام من دخوله سورية، وزوجه من سكرتيرته ملك فاضل التي تصلها قرابة بعائلة الأسد، ليستقر بعدها في مدينة اللاذقية.

يتباهى معراج أورال بالصداقة التي تجمعه برئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وأنه أقام في منزله 17 عاما – كما ورد في شريط مسجل له – وأنه كان صلة الوصل بينه وبين الدكتاتور الأكبر حافظ الأسد.

استطاع معراج أورال عبر قيادته للمنظمات اليسارية المسلحة، ومن خلال علاقاته بأركان نظام الأسد من التربع على عرش امبراطورية لتهريب و بيع المخدرات تمتد من أفغانستان إلى ايران وسورية واليونان وصولا إلى أوروبا.

كما تتهمه الحكومة التركية بتدبير تفجير الريحانية عام 2013 الذي راح ضحيته 52 مواطنا تركيًا، كان الهدف الأساس منه خلق حالة من الغضب والغليان الشعبي العارم ضد تواجد السوريين في ولاية هاتاي وعموم تركيا، حيث قام الشباب اليساريون المقربون من أورال ومنظماته الإرهابية بتكسير محال السوريين وتخريب ممتلكاتهم، والاعتداء عليهم بالضرب. لكن الحكومة التركية التي تعاملت بحكمة ووعي استطاعت السيطرة على الوضع، بامتصاص غضب هؤلاء وتحجيمه، من أجل الحيلولة دون تأثيرهم على عموم المواطنين الأتراك، وحتى لا يتحول الحزن على ضحايا التفجير الإرهابي إلى حركة شعبية ضد السوريين ووجودهم، الهدف الذي كان يرمي إليه منفذو ذلك العمل الإجرامي.

وقد تمكن القضاء التركي خلال فترة قصيرة من تحديد هوية منفذي تفجير الريحانية، حيث ثبت بالأدلة القطعية قيام عناصر من المخابرات السورية بتنفيذها، وضلوع معراج أورال وبعض أزلامه من داخل تركيا بالتخطيط لها والمساعدة في تنفيذها.

في التاسع والعشرين من شهر آذار/ مارس الجاري أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية أنها قصفت الموقع الذي يوجد فيه معراج أورال، وأكدت مقتله على لسان الناطق باسمها أبو يوسف المهاجر، ليطوي الزمان صفحة رجل قضى حياته قاتلا مجرما، ومات وقتل وهو يدافع عن قاتل سفاح مجرم مثله... ولله في خلقه شؤون.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس