ترك برس

يصف المؤرخ السياسي التركي "شكري هاني أوغلو" السياسة الخارجية لحكومة حزب الاتحاد والترقي على صعيد النظري الإيديولوجي بأنها كانت سياسة إسلامية وحدوية، ولكن على الصعيد التطبيقي كانت سياسة براغماتية بامتياز، وذلك في مقاله "سياسة انقلابية داخليًا وبراغماتية خارجيًا" في مجلة التاريخ العميق (Derin Tarih).

ويشير هاني أوغلو إلى أن حزب الاتحاد والترقي الذي تأسس سرًا في الكلية الطبية الحربية عام 1889 تحت اسم جمعية الاتحاد العثماني، استمر في العمل السري حتى عام 1906، حين تم تأسيس جمعية الحرية العثمانية بشكل علني، بهدف القضاء على حكم عبد الحميد الثاني، وعلى الرغم من إعادة عبد الحميد الثاني لفتح مجلس المبعوثان وتفعيل القانون الأساسي في 23 تموز/ يوليو 1908، إلا أن الجمعية استمرت في فعالياتها، وفي 31 آذار/ مارس 1909 انقلبت على القصر العالي وعزلت السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش، وتمكنت في شباط/ فبراير من عام 1912 من تولي الحكم كحكومة ذات صلاحيات واسعة مقارنة بالسلطان الذي أصبح مجرد شخصية رمزية.

يرى هاني أوغلو أن حكومة الاتحاد والترقي أحدثت العديد من التغييرات الجذرية على الصعيد الداخلي، حيث حوّلت نظام الحكم من نظام سلطنة إلى نظام حكم برلماني وقامت بإضافة الكثير من المواد العلمانية إلى الدستور ورسخت النهج التركي القومي، موضحًا أن هذه التغيبرات كان لا بد لها من تغيير المسار العام للسياسة الخارجية أيضًا.

كان السلطان عبد الحميد الثاني ينتهج سياسة حيادية مع جميع الأطراف الغربية، وكان يحرص على السياسة الإسلامية الوحدوية تجاه الشرق، وبذلك حافظ على الدولة العثمانية دولة متماسكة قوية حتى عزله عن العرش في عام 1909 وفق هاني أوغلو، ولكن حكومة حزب الاتحاد والترقي انتهجت سياسة براغماتية واقعية، أي سياسة المصالح، التي رأوا أنها سياسة ناجعة لعقد تحالف عسكري وثيق مع إحدى الدول الكُبرى للاستفادة من قوتها وتشكيل قوة رادعة للدول الأخرى وبالتالي الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية.

وأضاف هاني أوغلو أن الاتحاد والترقي اتبع سياسة مثالية في بعض المواضع، إذ تبنت فكرة الوطن الطوراني أي الوطن التركي الذي يمتد من سالونيك الواقعة على الحدود اليونانية التركية وحتى جزيرة القرم على الحدود الأوكرانية الروسية، الأمر الذي كلف الدولة العثمانية الكثير من الجهد، حيث كان من المستحيل تأسيس هذه الدولة في ظل التحالفات الروسية البريطانية التي تقاسمت مساحات واسعة من أراضي الدولة العثمانية، وأبقت الأخيرة دولة الرجل المريض، إلا أن حكومة حزب الاتحاد والترقي أصرت على هذه السياسة الفاشلة.

يوجز هاني أوغلو نتائج السياسة الخارجية لحزب الاتحاد والترقي على النحو الآتي:

ـ الدخول مع ألمانيا في آب/ أغسطس 1914 في اتفاق دفاع عسكري مشترك، كان هذا الاتفاق يعني انضمامها للحرب العالمية الأولى التي كانت قد بدأت قبل شهر واحد، الأمر الذي حمل الدولة تكاليف باهظة انتهت بتفككها.

ـ تنفير المواطنين غير الأتراك. كانت الدولة العثمانية قائمة على أساس الإمبراطورية متعددة الجنسيات وليس الفكر القومي التركي، وقد أثار اتجاه حزب الاتحاد والترقي نحو القومية النزعات القومية لدى الكثير من المواطنين العثمانيين من أصول أخرى وعلى رأسهم العرب والصرب وغيرهم.

وفي ختام مقاله يرى هاني أوغلو أن سياستي الحياد والاحتضان اللتان اتبعهما السلطان عبد الحميد الثاني كان يمكن لهما أن يفيا بالغرض في حماية الدولة العثمانية ولكن لم تتمسك حكومة حزب الاتحاد والترقي بهما وهذا ما حدث ولا يمكن الحديث عن بديل في التاريخ.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!