محمد زاهد جول - الخليج أونلاين

تمتاز العلاقات التركية العربية المعاصرة بأنها تواكب مستجدات الأمور على الساحتين التركية والعربية على حد سواء، فاتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين تركيا وبعض الدول العربية تناولت معظم القضايا التعاونية المشتركة بما فيها الجوانب العسكرية، وقد كان في الاتفاقية التركية القطرية تطور في التعاون العسكري لبناء قواعد عسكرية مشتركة بين الدولتين في قطر وتركيا، وفي الاتفاقية الأخيرة بين تركيا والمملكة العربية السعودية الموقعة في نهاية العام الماضي 2015 بين الرئيس التركي أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز تم الاتفاق على شراء معدات وأسلحة عسكرية من تركيا تقدر بعشرة مليارات دولار.

وفي الأشهر الأخيرة شاركت تركيا في مناورات رعد الشمال في المملكة العربية السعودية، والتي شاركت فيها معظم دول التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وقد كانت من أكبر المناورات العسكرية التي تشارك فيها الدول الإسلامية المنضوية في التحالف الإسلامي، وكذلك تتواصل عمليات التدريب والمناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وعدد من الدول العربية، وفي مقدمتها قطر والسعودية أيضاً، فقد استضافت ولاية إزمير غرب تركيا في منتصف شهر مايو/أيار الماضي تدريبات عسكرية مشتركة لقوات خاصة من عدة بلدان، بينها القوات الخاصة السعودية والقطرية، وقد استمرت هذه المناورات لنهاية الشهر، بمشاركة إحدى عشرة دولة، منها الولايات المتحدة وأذربيجان وألمانيا وتركيا وقطر والسعودية، وتشمل التدريبات مشاركة قطع عسكرية بحرية ومجموعات برية وتدريبات لسلاح الجو، وقد اختتمت التدريبات بعرض عسكري، أكد على التعاون العسكري الذي يشارك فيه الأتراك والعرب.

هذا التعاون العسكري بين تركيا وعدد من الدول العربية لا بد أن يفتح أبواب التعاون والشراكة في إنتاج الأسلحة الدفاعية، سواء تم ذلك في تركيا أو في الدول العربية، فتركيا تعلن بين الفينة والأخرى عن إنتاجها لأسلحة دفاعية متقدمة بالنظر إلى مثيلاتها العالمية، وقد تستعملها في هذه المناورات لأول مرة، وقد أطلقت على المناورات الأخيرة اسم مناورات "إفيس 2016" (Efes 2016) العسكرية في منطقة سفرحصار بولاية إزمير غربي تركيا، وقد اختبرت تركيا طائرتها المروحية "أتاك" (Atak) وطائرتها بدون طيار "بيراكتار" (Bayraktar) محليتي الصنع، وقد تركزت المناورات على استخدام الجيش التركي للعربات محلية الصنع، في إطار سعي تركيا لإنهاء اعتمادها على الخارج في الصناعات الدفاعية، ومساعيها لتصنيع محلي كامل لمعدات الدفاع الجوي والأرضي والبحري والأسلحة والمعدات الدفاعية الأخرى، فقد شارك في المناورات السفينة الحربية "تي جي غي هيبيليادا (TCG Heybeliada)، المطورة محلياً ضمن مشروع السفن الوطنية "ميلغيم" (MOLGEM).

وكذلك البندقية التي أعلنت عنها المصانع التركية بمنتصف الشهر الماضي، فقد أعلنت تركيا إنتاج بندقية "إم بي تي - 76" القتالية الخاصة بها، وقد بدأت ذلك بتأسيس خط إنتاج شامل، لصناعتها في الولاية التركية "قريق قلعة"، بعد أن انتهى المهندسون الأتراك من تصميميها وتجربتها، وهذه البندقية من تصميم مهندسين أتراك عملوا على تصميم البندقية بشكل أرادوا من خلاله جمع المزايا التي تتمتع بها أبرز وأشهر البنادق العالمية، بحيث تكون فعالة مثل البندقية الألمانية "جي -3"، ويمكن الاعتماد عليها مثل بندقية كلاشينكوف الروسية، وعملية مثل البندقية الأمريكية "إم-16".

وقد تمكنت هذه البندقية من اجتياز ما يزيد عن 50 اختباراً بنجاح، إذ تم استخدام نحو مليون و100 ألف طلقة خلال الاختبار، ويصل وزن البندقية إلى 4.180 كغ، بمدى يصل إلى 600 متر، وتتمكن من إطلاق 700 طلقة في الدقيقة الواحدة، وتصل السرعة الابتدائية للطلقة إلى 800 متر في الثانية، فيما يبلغ طول السبطانة 406 ملم، ويمكن استخدامها بإسنادها على منصب ثنائي أو التحكم بها بواسطة قبضة اليد، ومزودة بمسطرة للمسافة، وكذلك بمنظار ليلي، بحيث يصل عدد قطع البندقية مع الملحقات التي يمكن أن تزود بها إلى 413، وقد تلقت تركيا بعيد الانتهاء من بندقيتها الجديدة عروضاً لشرائها، بما في ذلك عروض من دول مصنعة للسلاح، ويواصل المصنع إنتاج بندقية "جي -3"، حيث سيعمل على تسليم 10 آلاف بندقية منها هذا الشهر إلى كينيا.

وقد قامت تركيا بتزويد عدد من الدول العربية بالأسلحة بكافة مستوياتها، وقد وقعت القيادة البحرية القطرية على اتفاقية شراء 6 زوارق بحرية من طراز (MRTP 20) عالية السرعة ومتخصصة بإجراء دوريات بحرية، مع شركة "يونجا أونوك" التركية، وذلك بقيمة 41 مليون يورو.

إن إعلان تركيا عن إنتاجها ومنافستها في صناعة أسلحتها الدفاعية الخاصة، مثل الطائرات بدون طيار، وصواريخ الدفاع الجوي المشابهة للباتريوت، والسفن والغواصات الحربية، والبندقية الخاصة، وغيرها، هو دليل على حاجة تركيا لإنتاج أسلحتها الدفاعية أولاً، وهو دليل على أنها تسير في الاتجاه الصحيح باعتمادها في الأسلحة الدفاعية على قدراتها التصنيعية الخاصة لكافة الأسلحة.

إن تركيا تسعى حتى في عام 2023 أن تكون أسلحتها الدفاعية كاملة من صنعها الوطني، وذلك وفق الخطة التركية لعام 2023 التي تتبناها حكومة بن علي يلدرم، بهدف توفير كلفة الاستيراد المالية والضغوط الخارجية، وتحرير نفسها من قيود وشروط الشركات الخارجية حول استعمالها، ونجاح تركيا في هذا المضمار سيجعل الأسلحة الدفاعية من أهم مصادر صادراتها ودخلها الاقتصادي في المستقبل أيضاً، وحيث إن هذه الصناعات التركية واعدة بالفرص الاقتصادية، فإن أولى الناس للمشاركة فيها هي الدول العربية، وبالأخص الدول التي شرعت في تعاون استراتيجي مع تركيا، والتي لديها المقدرة على الاستثمار المالي في هذا المضمار أيضاً، ليس بهدف التمويل فقط، وإنما بالشراكة العملية والنظرية والإنتاج والتصنيع وتدريب الأيدي العاملة العربية، لتأسيس شركات كبرى تستطيع منافسه الشركات الكبرى في العالم، فالآفاق واعدة في هذا المجال؛ نظراً للحاجة الماسة للأسلحة الدفاعية في الظروف الراهنة.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس