يلديز رمضان أوغلو – صحيفة قرار – ترجمة تحرير ترك برس

بعد غزو أمريكا للعراق قُلبت موازين المنطقة ولم تستطع العودة إلى حالة الاستقرار من جديد، ومع استمرار جحيم القنابل المتفجرة التي تهطل من السماء على اهل الفلوجة بفعل طائرات التحالف، ومع إجرام تنظيم داعش والجيش العراقي وأمريكا والمليشيات العراقية لم يجد أهل الفلوجة أي منفذ للنجاة بحياتهم إلا بالهروب في اتجاه النهر، ومنها بدأ العراقيون يعيشون مسلسلًا جديدًا من الدراما اليومية وهم يعبرون النهر بالثلاجات وكل أنواع الأثاث المنزلي الذي بمقدوره العوم وعبور المياه. مع اشتداد وطيس المعركة والحصار نجد اليوم الخمسين ألف فلوجي محاصرين في وسط المدينة بلا ماء ولا دواء ولا طعام يسد عطشهم وجوعهم ويداوي جراحهم.

باتت اليوم كل الساحة العراقية مكانًا للصراع الدامي، وتأتي الفلوجة في قلب هذا الصراع بين تنظيم داعش والحكومة العراقية بالحشد الشعبي والدعم الأمريكي عبر التحالف الدولي، فبعد سقوط المدينة بيد داعش في بداية عام 2014 سارعت قوات الجيش العراقي والمليشيات الشيعية للتحشيد من أجل استعادتها مرة أخرى، ومنذ ذلك اليوم والمحاولات لم تجد وقتا للراحة، والطائرات الأمريكية لم تتوقف عن قتل المدنيين بلا عدد وحساب وهي تقول نحن نستهدف الإرهابيين! وفي حلقات هذا المسلسل الدرامي كان هنالك نصيب أيضا للنازحين الذين زاد عددهم عن 3.4 مليون عراقي في العامين الماضيين فقط.

 

لم يكن هذا الهجوم الوحشي على الفلوجة هو الأول في تاريخها بل سبقها الكثير من المرات، وكان آخرها عندما حاولت الولايات المتحدة الأمريكية دخولها وكانت حينها تقصفها بجحيم الطائرات، وحينها شبه التلفزيون الأمريكي القصف بأضواء ليلة عيد الميلاد! وعلق سوسان سونتاج على ذلك وقال "لا تكرهوا الأمريكان فهم لا يعلمون ما يحصل"، فهل حقا لا يعلمون ما يحصل وهم يستفيدون من غنائم حربهم هذه؟ أم أنهم حقلا لا يعلمون بدليل المظاهرات التي تخرج بالآلاف منددة ضد الحرب؟

امتلأ نهر دجلة بأجساد الشهداء حتى تحول لونه إلى الأحمر، وما زال الجيش العراقي المدافع عن الحرية يتحدث عن عمليات لإنقاذ هؤلاء المكلومين! وعندما التقينا بممثلين عن الشعب صدمنا بأرقام تشيب لها الولدان مثل: ارتفاع أعداد اليتامى إلى ما يزيد عن 5 ملايين، وارتفاع أعداد النساء الأرامل ليزيد عن عشرات الآلاف... فأين هي أمريكا التي جاءت إلى العراق من أجل تخليصها من ديكتاتورها صدام ومن ثم تسليم الدولة للشعب؟ فهل عملية التخلص من صدام باتت اليوم هي قتل أهل الفلوجة وأهالي المدن الأخرى؟ أين هم مما فعله الرئيس العراقي إياد علاوي في 2004 عندما قدم هدية رمضان في ذلك العام بالصواريخ والقنابل؟ وأين هم من الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أعلن انتصار حملته الصليبية وهو يضرب أهل الفلوجة بالقنابل الفسفورية التي شوهت الأطفال وأعادت بنا الذاكرة إلى هيروشيما وناغازاكي؟

في مدينة البصرة وفي عام 2010 قدمت لورا بوش مستشفى للأمراض الورميّة؛ لكن وإلى الآن لم يُجهّز المستشفى بالأجهزة اللازمة، وفي نفس العام قدمت زوجة طوني بلير مقترحًا "إنسانيًا" آخر باستحداث يوم للأرامل، لم تستفد من ذلك اليوم أرامل العراق بل كان يذكرهم فقط بما خسروه! رغم ذلك فإن من الواجب استمرار كل المساعي الداعية إلى السلام، فلا يوجد حل بالقضاء على الشيعة أو السنة أو الإرهاب، بل يجب علينا أن نقضي أولا على الكراهية، وأن لا ننتظر الحل من الغرب بل أن نتقدم نحن ونحل مشاكلنا بأيدينا وطاقاتنا السياسية والاقتصادية والإعلامية. وليكن نهرا دجلة والفرات المباركين في تاريخهما العريق هما إلهامنا في بسط الوئام والسلام في كل المناطق بينهما.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس