كيليتش بوغرا كانات - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

على مدى سنوات وحتى الآن كانت أكثر الكلمات استخداما في واشنطن لتعريف الحلفاء والشركاء ووصفهم وتقويمهم هي مصداقيتهم. وبالبحث مرة واحدة على محرك غوغل نجد المئات من المقالات حول تقويم مصداقية شركاء الولايات المتحدة وحلفائها. وتستخدم معظم هذه المقالات علامة الاستفهام في العنوان للحكم على ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة أن تثق بهؤلاء الحلفاء والشركاء في حالات الطوارئ. وأثارت المقالات نقطة الخلاف الجوهرية بين الولايات المتحدة وتلك الدول من خلال إصدار الأحكام. وخلال العقد الماضي كانت منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق التي نوقشت فيها ظاهرة المصداقية. وقد طرح النقاش حول شركاء الولايات المتحدة وحلفائها في هذا الجزء من العالم عبر هذا السؤال. وفي حين قوﱠم البعض في الولايات المتحدة مصداقية الدول الأخرى، فإن السياسة الأمريكية أوجدت نقاشات في عواصم حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بشأن مصداقية أمريكا في المنطقة.

أصبحت مسألة مصداقية الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية أكثر وضوحا في حالات مختلفة مثل الأزمة في مصر بعد الانقلاب العسكري، وفي أوقات حرجة في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك استخدام النظام للأسلحة الكيماوية. وتركز جوهر النقاش بشأن مصداقية الولايات المتحدة على ما إذا كان بإمكان شركاء الولايات المتحدة وحلفائها أن يعتمدوا عليها.

في الأشهر الأخيرة وصف بعض الباحثين والمحللين، مثل ستيفن والت، هذا الجدال بالإدمان والهوس.  كتب والت في تقرير في مجلة فورين بوليسي "هذا الهوس بالمصداقية في غير محله." ووفقا لوالت، فإن سمعة الولايات المتحدة بوصفها حليفًا راسخًا أو يعتمد عليه لا تعمل بالطريقة التي تظنها معظم النخب السياسية. أبقى قادة الولايات المتحدة القلق الذي سيجعل الدول الأخرى تتشكك في عزم أمريكا وقدرتها إذا تخلت عن حليف مهم أو فقدت آخر لا قيمة له في العالم النامي.

ومع ذلك ففي بعض الحالات فإن أزمة المصداقية أو سؤال الموثوقية قد تكون له آثار دائمة على شراكات الولايات المتحدة وتحالفاتها في الشرق الأوسط. في علاقاتها  بالولايات المتحدة تأخذ الدول في مختلف المناطق بعين الاعتبار نماذج مختلفة من أزمات الثقة والمصداقية. ولا يساعد هذا الوضع في تسهيل المفاوضات والاتفاقات مع الحلفاء والشركاء، ولا سيما عندما تكون هناك أزمة تستوجب اتخاذ إجراءات عاجلة، عندها يمكن أن تكون مشكلة المصداقية عقبة مهمة يجب الاهتمام بها.

وبالإضافة إلى ذلك، تتنافس القوى الكبرى في العلاقات الدولية عادة على المصداقية والثقة، كما تتنافس على السلطة والنفوذ. وخلال أزمة مصداقية قوة كبرى يمكن لمنافسيها أن يستغلوا مكانة هذه القوة للحصول على المصداقية. وبعد مقابلة جيفري غولدبرغ مع الرئيس باراك أوباما الذي حاول فيها الدفاع عن سجله في السياسة الخارجية، أكد وكيل وزارة الخارجية السابق نيكولاس بيرنز هذه المشكلة في مقابلة مع صحيفة فاينينشال تايمز "هذا هو السبب في دفاع السيد أوباما عن قراره بالتراجع عن ضرب أهداف عسكرية سورية في عام 2013، بعد أن وضع خطا أحمر لاستخدام بشار الأسد للأسلحة الكيمياوية، وهذا أمر مثير للقلق. وقال بيرنز إنه يرفض بشدة فكرة أن ضبط النفس قللت من مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة... إذا لم يكن السيد أوباما ينوي احترام الخط الأحمر فما كان يجب عليه أن يضعه. كانت النتيجة حتمية، فلا يمكن إنكار أن مصداقية الولايات المتحدة قد تقلصت في الشرق الأوسط، في حين عززت روسيا بوتين من مصداقيتها."

 

ويشير تقرير صدر أخيرا إلى أن روسيا تحاول استغلال ثغرة المصداقية في سوريا من خلال محاولة تجنيد شركاء الولايات المتحدة وحلفائها السابقين. قال زعيم إحدى الجماعات المعارضة في مقابلة أجريت معه "إن الروس كانوا يقولون سندعمكم إلى الأبد، لن نترككم بمفردكم مثلما فعل صديقكم القديم." وهذا يظهر أن البلدان الأخرى في المنطقة تملأ فراغ المصداقية والموثوقية.

 

تنتشر التساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة وموثوقيتها في مراحل مختلفة من الصراعات الدائرة في سوريا والعراق. تعمل الولايات المتحدة في الجبهتين مع مجموعتين مختلفتين، مما قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المنطقة. في العراق يزداد بروز الميليشيات الشيعية ما يثير مخاوف على مستقبل البلاد. أما في سوريا فهناك مجموعات تقودها ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردي ما يؤدي إلى توتر بين أنقرة وواشنطن، وقد يجلب مزيدًا من التوترات الديمُغرافية للسياسات المعقدة بالفعل في المنطقة.

 

في مقالة نشرت أخيرا في مجلة فورين بوليسي طرح تساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع السيطرة على الميليشيات الشيعية وانتهاكاتها بعد هزيمة داعش. وقد زادت هذه المخاوف بعد تقرير هيومان رايتس ووتش الذي قال "إن السنة الذين تمكنوا من الفرار من الفلوجة عانوا من الضرب والاختفاء وحتى الإعدام على يد الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على مدى الأسبوعين الماضيين." وبالمثل اتهمت منظمة العفو الدولية وحدات حماية الشعب الكردية بارتكاب جرائم حرب في شمال سوريا، وجاء في تقريرها "ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه، هناك تهجير قسري وهدم للمنازل في شمال سوريا." وطرحت أسئلة مماثلة عن سياسة التفريغ الديمُغرافي والتهجير القسري بعد العمليات الأخيرة التي قامت بها وحدات حماية الشعب في مدينة منبج. وعلى الرغم من هذا الوضع، استمرت الولايات المتحدة في تسليح قوات وحدات حماية الشعب وتدريبها، وهي التي تعدها أنقرة فرعا لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا منظمة إرهابية.

في كلتا الحالتين يشعر حلفاء الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة بالقلق، ويعبرون عن خيبة الأمل لعدم اهتمام الولايات المتحدة بمخاوفهم. كما أن الرأي العام في هذه البلدان يتخذ موقفا سلبيا تجاه مصداقية الولايات المتحدة الآخذة في التناقص، وتجاه موثوقيتها التي تتراجع بسرعة. إن التأثير المزعزع للاستقرار للميليشيات الشيعية في العراق، ولميليشيا وحدات حماية الشعب في سوريا يزيد من هذا الشعور لدى الرأي العام، ويخلق مزيدا من التوتر،  ويزيد من أزمة مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى حين لا يزال بعض الخبراء في واشنطن يناقشون قضية مصداقية حلفاء الولايات المتحدة وشركائها، فإن هؤلاء الحلفاء والشركاء يشككون بشكل متزايد في إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة كحليف.

عن الكاتب

كيليتش بوغرا كانات

أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة بين ستيت في الولايات المتحدة الأمريكية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس