إمره أكوز - جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

سيتم اليوم التصويت في مجلس الأمة على مشروع قرار المشاركة بالحرب على داعش من عدمه، لكن حسب المعلومات الواردة فإن المجلس سيوافق على القرار بأغلبية كاسحة، وهنا يبرز دور المجلس ليس في إعطاء الصلاحيات للحكومة وللقوات العسكرية بالمشاركة فحسب، وإنما في تحديد كيفية المشاركة ونوعية العمليات التي من الممكن أن تقوم بها القوات التركية.

هناك رؤية أساسية متطابقة بين الحكومة وبين قوات الجيش التركي، وهي أنهما يدركان أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في "حربها على داعش" من الممكن أن تنتهي بتأسيس "كردستان العظمى"، بمعنى دولة مستقلة للأكراد من تركيا وسوريا والعراق ولاحقا من إيران أيضا.

الدولة التي نتحدث عنها، ستكون أراضيها مقتطعة من أراضي الدول التي ذكرتها في الأعلى، وكما قامت إنجلترا برسم خارطة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، ستقوم الآن الولايات المتحدة الأمريكية برسم خارطة جديدة.

في ذلك الزمن رجّحت كل من إنجلترا (وكذلك فرنسا) عدم إعطاء الأكراد دولة مستقلة، وإبقائهم موزعين ومشتتين في عدة دول. بينما تقوم لعبة أمريكا اليوم في المنطقة على أساس هام وهو الأكراد.

وبالعودة إلى تركيا، فإن القوات المسلحة التركية صاحبة مبادئ دولة قومية، وحتى زمن قريب كانت الدولة تخضع لوصاية العسكر حسب المبادئ القومية. وفي أيلول/سبتمبر عام 2011 تراجعت القوات العسكرية إلى ثكناتها لتترك الحُكم للساسة المدنيين.

تراجعت القوات إلى ثكناتها، لكنها لم يترك مبادئها التي زُرعت فيها منذ ما يزيد عن 90 عاما، والحديث عن القومية هنا يعني "دولة قومية لا تعطي للدين أهمية" وهذا ما زال مستمرا بالنسبة للجيش.

وهنا لا بدّ أن يكون أخطر كابوس بالنسبة للجيش هو فقدان تركيا لجزء من أراضيها، وهذا أمر حساس بالنسبة للعساكر. لكن ما هو تفكير الحكومة تجاه "أكراد تركيا"؟

هم متفقون

تحدثت في الماضي عن الأبحاث التي أجراها البروفيسور هاكان يلماز وأصدقائه من جامعة بوغازاتشي حول عملية السلام.

حسب تلك الدراسة فإن 57% من الشعب التركي مؤيد لعملية السلام مع الأكراد، لكن الغالبية العظمى كانت تجيب على سؤال "كيف ترى الحل المناسب للمسألة الكردية؟" بالجواب التالي: "فليخففوا الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها الأكراد، وليعطوا الأكراد بعض حقوقهم المتعلقة بهويتهم وانتمائهم، وهذا يكفي".

الحكومة التركية ومنذ سنوات عديدة لا تريد تطبيق عكس ما تريده الأغلبية، فالحكومة عبرت عن ذلك بصورة واضحة عندما تحدثت بهذا الصدد عن "تقوية الاقتصاد في الجنوب الشرقي للبلاد، وإعطاء الأكراد حقوقهم المتعلقة بهويتهم وعلى رأسها اللغة، وحتى إعطائهم حكما ذاتيا بما يتلاءم مع قوانين الاتحاد الأوروبي، ماذا يريدون أكثر من ذلك؟".

لكن مشكلة داعش، وما رافقها من عودة الولايات المتحدة الأمريكية مجددا إلى الشرق الأوسط، غيّرت كل المعادلات. فإذا نجحت القوات المسلحة الكردية في حربها ضد داعش، فإنهم سيطلبون حينها حقوقا ومطالب أكثر بكثير مما يطلبونه الآن، بمعنى أنهم سيقتربون أكثر من كردستان العظمى في الشرق الأوسط.

وهنا أريد أن أذكركم بنقطة هامة كنا نسمعها منذ زمن بعيد، "تركيا ليست دولة عظمى كي تستطيع تأسيس لعبتها في الشرق الأوسط، لكنها دولة قوية تستطيع أن تفسد أي مؤامرة أو لعبة تحاك هنا أو هناك".

وبتطبيق هذه الحقيقة في أيامنا هذه، فإن حرب الولايات المتحدة الأمريكية على داعش، إذا ما رافقتها محاولة تأسيس خارطة شرق أوسط جديدة، تتشكل فيها دولة مستقلة اسمها كردستان، فإن تركيا ستقاوم هذا المشروع بكل قوة. وأنقرة تجري استعداداتها لمواجهة هذا الخطر المحتمل.

وهذا السبب الذي يجعل المسئولين الأتراك يذكرون اسم "حزب العمال الكردستاني" في كل جملة يتحدثون فيها عن  "داعش".

عن الكاتب

إمره أكوز

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس