إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

أحداث العنف والتخريب التي تشهدها تركيا حاليا بحجة الاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب التي يسميها الأكراد “كوباني” من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف إعلاميا بـ”داعش”، أعادت إلى الأذهان ما ورد في تسجيل صوتي نشر في الإنترنت في 30 يناير / كانون الثاني 2014.

التسجيل كان يحتوي مكالمة هاتفية جرت بين رجل أعمال مقرب من جماعة كولن  ومراسل صحيفة تركية في 21 أكتوبر / تشرين الأول 2013، أي قبل محاولة الجماعة للانقلاب على الحكومة في 17 ديسمبر / كانون الأول 2013، ويذكر فيها الأول أن الحكومة ستسقط قبل نهاية العام وأن هناك استعدادات لتأسيس حزب سياسي جديد، ثم يتحدث عن مؤتمر ستعقد في الولايات المتحدة وسيشارك فيه الأكراد المعارضون لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان  وعن خطة تصفية أوجلان بسبب دوره الإيجابي في المصالحة مع الحكومة التركية وبحجة أنه مسجون ومضطر للقيام بما يملى عليه، ويضيف أن المرحلة القادمة ستشهد تفجر الاشتباكات المسلحة من جديد بين قوات الأمن التركية وعناصر حزب العمال الكردستاني، وأن إسرائيل تدعم هذه الخطة وأن البارزاني أيضا ستتم تصفيته بالإضافة إلى تصفية أردوغان.

لا نعرف بالضبط مدى صحة المزاعم الواردة في التسجيل المسرب إلا أن استياء بعض قادة حزب العمال الكردستاني من مبادرة السلام الداخلي وعملية المصالحة لم يعد سرا، كما لا يخفى على المتابعين انزعاج أطراف إقليمية ودولية من العلاقات المتميزة بين تركيا وإقليم كردستان العراق واتفاقيات النفط التي أبرمتها أنقرة وأربيل.

الأحداث المؤسفة التي تشهدها محافظات تركية وإن كانت في ظاهرها مظاهرات احتجاجية على ما يجري في مدينة عين العرب إلا أنها في الحقيقة تهدف بالدرجة الأولى إلى إثارة الفوضى وإفشال عملية المصالحة، كما أنها محاولة جديدة من جبهة أعداء أردوغان بعد أن فشلت محاولاتهم السابقة لإسقاط الحكومة.

عملية السلام الداخلي تسحب من القوى الإقليمية والدولية أهم ورقة ضغط وابتزاز لعبوا بها سنين طويلة ضد تركيا، ولذلك لم تنقطع المحاولات لإفشالها سواء عن طريق إثارة المشاكل لعرقلة تقدم العملية أو ممارسة الضغوط على قادة الحزب المقيمين في جبال قنديل. ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب الرغبة الصادقة التي تبديها الحكومة لإنجاح العملية وكذلك بسبب موقف أوجلان المنحاز للمصالحة.

حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعا أنصاره للنزول إلى الشوارع للاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب يتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية هذا التصعيد وأعمال التخريب والقتل والإحراق، إلا أنه بدأ يتراجع ويتحدث عن ضرورة الحوار بعد تدخل أوجلان الذي أرسل إليهم مساء الأربعاء رسالة كتبها بخط يده ليطلب منهم إبقاء قنوات الحوار البناء مع الحكومة مفتوحة.

لا شك في أن تفجر الاشتباكات من جديد في المحافظات ذات الأغلبية الكردية وخروجها عن السيطرة من شأنه أن يحرج زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي ويجعله خارج المعادلة، كما أن عودة الصراع المسلح إلى المشهد ستلقي بظلالها على علاقات تركيا مع إقليم كردستان العراق.

قائمة المستفيدين إقليميا ودوليا من الأحداث الجارية الآن في تركيا طويلة، ويأتي النظام السوري وحلفاؤه على رأس هذه القائمة، ويجب أن لا ننسى أيضا الضغوط التي تمارس على أنقرة لتتخلى عن شروطها للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على “داعش” وتقبل بالدور المرسوم لها دون قيد أو شرط.

جبهة أعداء أردوغان التي رأيناها في أحداث “غزي باركي” لم تتأخر في استغلال الفرصة لتحمِّل الحكومة مسؤولية كل ما يجري، كما لم تجد حاجة لإخفاء سرورها من أعمال التخريب والقتل، بانتظار تفاقم الأزمة لتحرق البلاد والعباد وتفتح لهم أبواب فرص سياسية لم يمنحهم الشعب من خلال صناديق الاقتراع.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس