برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

وضعت تركيا استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب من أجل القضاء على ما يهدد الأمن الوطني. في الداخل شنت قوات الأمن حملة قوية على حزب العمال الكردستاني وداعش وجماعة فتح الله غولن الإرهابية. وفي الوقت نفسه ألمحت الحكومة إلى أن عملية درع الفرات لا تقتصر بالضرورة على شمال سوريا.

خلال عودته من قمة مجموعة العشرين في الصين، قال الرئيس، رجب طيب أردوغان، للصحفيين إن تركيا قد تساعد الولايات المتحدة في تحرير الرقة من داعش. وأضاف أن بلاده ستلعب دورا نشطا في الموصل. وقد دعم تصريح أردوغان  ما قاله وزيره الخارجية، مولود تشاوش أوغلو، من أن الأمر سيستغرق برنامجا لتدريب القوات المحلية وتجهيزها هي ومجموعة من القوات الخاصة لهزيمة داعش في الموصل والرقة. وتثير التصريحات الأخيرة بعض الأسئلة عن استراتيجية تركيا: لماذا تحرص الحكومة على استهداف الرقة والموصل عبر الدخول في مواجهات خطيرة محتملة مع داعش؟ ألا تفتح بذلك جبهات جديدة تنهك الجيش التركي؟

يرجع حرص الحكومة إلى أن ساحة المعركة تتجاوز الحدود السورية العراقية، فمع الحرب الأهلية المشتعلة في كلا البلدين تحدث عملية معقدة من التفكك والتوحد في وقت واحد عبر الحدود.

في الوقت الراهن تفقد الحكومات المركزية السلطة لصالح لاعبي التقسيم، ومجموعات إرهابية في سوريا والعراق على حد سواء. وفي الوقت نفسه، فإن داعش التي تعلن أنها دولة الخلافة، ووحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني التي تنادي بالكردية، يطمسان الحدود بين البلدين. وعلى الرغم من خطورة إرهاق مواردها، فإن تركيا تعتقد أن التحرك الصحيح يكون بوضع استراتيجية شاملة لمحاربة المجموعتين.

على أن تركيا لا تتصرف من جانب واحد، ففي هذا الوقت لا يرغب الأتراك في الدخول في نزاع مع روسيا وإيران، بينما ينسقون عملياتهم مع الولايات المتحدة. ومع ذلك يمكن أن تتخذ أنقرة إجراء من جانب واحد لحماية مصالحها كملاذ أخير لها.

يعكس وضع البلاد الحالي وجهة نظر مفادها أن العمليات البرية القادمة في الرقة والموصل ستحدد مستقبل سوريا والعراق، سواء من حيث إعادة الإعمار بعد طرد داعش، والتهديد الذي يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب.

ترى الحكومة التركية أن إنشاء دويلة في شمال سوريا يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي يشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي يساوي التهديد الذي يمثله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وبالنظر إلى أن قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل قد خلقت كثيرا من المشكلات في الماضي، فإن فكرة سيطرة هذه المجموعة على رقعة من الأرض على الحدود السورية العراقية هي فكرة غير مقبولة. وإيمانا من تركيا بأن الحملة على داعش قد وصلت إلى مرحلة حاسمة، فإنها تريد أن تتدخل مباشرة في سوريا والعراق.

وعلى ذلك فإن المفاوضات بين تركيا والولايات المتحدة ستكون بالغة الأهمية. في هذا الوقت يريد الأتراك منع تحرير الرقة حتى لا تتعزز قوة حزب الاتحاد الديمقراطي، كما تعترض على استيلاء حزب العمال الكردستاني والميليشيات الشيعية على السلطة في الموصل، لأن ذلك سيكون على حساب السكان التركمان المحليين والبيشمركة. كما تتخوف تركيا من مشاركة الحشد الشعبي المدعوم من الحكومة المركزية في بغداد في تحرير الموصل. ربما تسعى تركيا من وراء تدريب 2500 من مقاتلي البيشمركة و3000 متطوع من الموصل في معسكر بعشيقة، إلى تحويل المنطقة إلى مركز دولي بفضل التقارب مع روسيا وإيران.

اما التحديات الرئيسة التي تواجهها تركيا فتشمل: توقيت والتزام الولايات المتحدة، والصعوبات التقنية للقتال في جبهات متعددة،وما إذا كان تدريب مقاتلي الجيش السوري الحر وقوات البيشمركة وتجهيزهما سيكون ناجحا، وتحاشي الصراع مع روسيا ونظام الأسد، وإدارة التوترات مع الولايات المتحدة، وبذل مزيد من الجهود للحد من نفوذ وحدات حماية الشعب ونفوذها، ووقف هجمات الذئاب المنفردة التي تشنها داعش.

القصة باختصار أن تركيا ليس لديها خيار سوى تنفيذ سياسة لمكافحة الإرهاب قادرة على التصدي لتحديات المنطقة الهائلة المتعلقة في الواقع بسوريا والعراق. 

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس