جلال سلمي - خاص ترك برس

لعل الإجابة على هذا التساؤل بنعم مع لا ستكون الإجابة الأقرب إلى المنطقية، ولكن كيف للمنطق أن يحظى بوجود إلى جانب الإجابة المتناقضة؟

بمعزل عن أهمية الموصل الاستراتيجية والأمينة بالنسبة لتركيا، تفتقر تركيا لمبدأ تنسيق الأدوار مع القوى الفاعلة في العراق، على النقيض من فعالية ذلك المبدأ في سوريا، وهذا ما يجعل الإجابة عن تساؤل إمكانية ضلوع تركيا بعملية مشابهة لدرع الفرات أقرب إلى النفي، ولعل السبب في ذلك هو عدم وصول تركيا إلى درجة الردع بعد، فالتحرك السياسي أو العسكري على الساحة الدولية يسير في نطاقين؛ نطاق الردع وهنا يكون للدولة الرادعة قوة بارزة في ميزان القوى العالمي وبالتالي تستطيع دخول غمار تحدي الدول الأخرى، أو نطاق التحالف الذي يسير في إطار تعاون أكثر من دولة عظمى وأخرى أقل درجة، حيث يكسب هذا التحرك دعم حقوقي يتبعه دعم اقتصادي وإعلامي دولي يقوي من ثقة الدولة في نفسها للمضي قدماً نحو تحقيق مآربها، وهذا ما حدث مع تركيا في سوريا.

وفي سياق ذلك، كشف المحلل السياسي المقرب من الحزب الحاكم في تركيا "عبد القادر سلفي" عن أن لتركيا خطتين بديلتين فيما يتعلق بعملية تحرير الموصل:

1ـ الخطة ب تشمل استدعاء حكومة اقليم شمال العراق للقوات التركية وبالتالي التحرك الثنائي المشترك عبر الإقليم نحو الموصل دون التنسيق مع أي قوة أخرى.
2ـ الخطة ج ترتكز على دعوة الحشد الوطني أو العشائري للقوات التركية وبالتالي تحقيق تحرك مشترك مشابه لعملية درع الفرات، حيث تنخرط القوات التركية بالعملية من أراضيها مباشرة تحت ذريعة استنجاد مواطنين دولة أخرى عجزت دولتهم عن توفير الحماية لهم.

تشبه هذه الخطط عملية درع الفرات إلى حد كبير، حيث انخرطت تركيا في الأزمة السورية من خلال التنسيق مع الجيش السوري الحر، ومع تنسيقها مع قوات الحشد الوطني أو قوات البشمركة التابعة لإقليم شمال العراق، يصبح تحركها مشابه نوعاً ما لعملية درع الفرات فتصبح الإجابة عن إمكانية ضلوع تركيا في عملية مشابهة لدرع الفرات أقرب لنعم، بمعنى أنها يمكن أن تتحرك بعد استدعاء قوات محلية لها وبالتنسيق معها ستمضي جواً وبراً.

 ولكن في هذه الحالة لن تكون الأرض ممهدة أمامها للتحرك، إذ ستصدم بالقوات العراقية وقوات الحشد الشعبي التي قد يرافقها قوات تابعة لحزب العمال الكردستاني، إلى جانب أن المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والشبكات الإعلامية العالمية والإقليمية ربما ترفع من وتيرة هجومها على تركيا بذريعة اختراق قواعد القانون الدولي والسير في إطار طائفي، وغيرها الكثير من العوامل التي تحرم تركيا من درع دجلة مشابهة لعملية درع الفرات.

سواء كانت الإجابة نعم أو لا، فالعواقب التي ستعود على تركيا نتيجة تحركها العسكري المماثل لعملية درع الفرات قد تكون وخيمة جداً، ليس فقط لتحركها في إطار قوة الردع التي لم تكتمل لديها بعد، بل لأن القوات التي ستنسق معها ضعيفة مقارنة بالقوات المضادة، فقوات البشمركة في نهاية المطاف لا تستطيع الخروج عن المسار الأمريكي وليس لها قدرة على تحدي الموقف الإيراني أو الموقف العراقي الذي يحاول الإقليم تخفيف حدة الخلاف معه للإبقاء على الاتفاق الذي يقضي بالإدارة السياسية الكردية على المناطق التي تسيطر عليها البشمركة، أم قوات الحشد الوطني التي يبلغ تعدداها ما يقارب ثلاث آلاف شخص أو ما يزيد، لا يمكنها التحرك بقرار مستقل عن قوات التحالف والجيش العراقي، لأن ذلك قد يعرضها للاستهداف الجوي الذي يقضي عليها بسهولة.

إن كان لتركيا مصالح استراتيجية ومصيرية في الموصل، فلا بد لها من التركيز على الضغط الدبلوماسي الذي يمكن أن تستمده من خلال التنسيق الأكبر مع روسيا وإيران ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي ستكون تحت ضغط التخوف من انحراف تركيا نحو القطب الروسي بشكل أكبر، ولا بد من إحرازها لتحرك عسكري جوي محدود يتجنب الاصطدام بأي تحرك لقوات التحالف ويركّز على استهداف قوات الكردستاني وداعش بعد الارتكاز على معلومات استخبارية أكيدة تجنبها استهداف المدنيين، وبطبيعة الحال لا يمكن القول إن تحرك تركيا تجاه الموصل بهذا الشكل يشبه تحركها في شمال سوريا.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس