برهان الدين دوران - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

منذ أن حث حزب الحركة القومية الحكومة على إضفاء الطابع الرسمي على النظام الرئاسي القائم فعليا في تركيا، توجهت الأعين نحو حزب العدالة والتنمية. وفي حين يعتقد كثير من الخبراء أن الحزب الحاكم سيقدم نسخة منقحة لاقتراحه الذي عرض على البرلمان عام 2012، يعمل الفريق السياسي للحزب على مراجعة الخطة الأصلية استجابة لطلب حزب الحركة القومية بمراجعات قوية وتوازنات في مشروع الدستور.

وعند هذه النقطة يتمثل التحدي الرئيس في إدراج الحكومة الاتحادية والبرلمان بغرفة واحدة – وهي الخطوط الحمر لحزب الحركة القومية- ضمن مجموعة أوسع من الآليات التي تهدف إلى تعزيز الضوابط والتوازنات. تكشف النظرة السريعة على اقتراح عام 2012 أن الترتيبات الدستورية بشأن حق النقض الرئاسي والمراسيم وميزانية الحكومة ستبرز بوصفها بؤر توتر خلال الأشهر المقبلة، وبالمثل سيكّون المعلقون السياسيون رأيهم حول اقتراح ( الديمقراطية في مقابل السلطوية) بناء على موقف حزب العدالة والتنمية من هذه القضايا.

وإلى أن يقدم المشروع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، لا تزال بقية أحزاب المعارضة تشعر بعدم الارتياح، فبينما آثر حزب الشعوب الديمقراطي الصمت، يحاول حزب الشعب الجمهوري يائسا أن يطرح التعديل الدستوري بوصفه تهديدا حقيقيا لمستقبل تركيا.

بعد انتقاده لدولت بهتشلي لطرحه قضية النظام الرئاسي في المقام الأول، اتهم "كمال كليجدار أوغلو" رئيس حزب الشعب الجمهوري، دعاة النظام الرئاسي بدفع البلاد إلى حرب أهلية، وتعريض الأراضي التركية للخطر. وزعم رئيس المعارضة التركية أن الرئيس رجب طيب أردوغان كان " على اتفاق حتى الأمس القريب مع حزب العمال الكردستاني"، وأن أردوغان من خلال النظام الرئاسي يمكن أن يتخلى عن جنوب شرق البلاد لحزب العمال". وقال كليجدار أوغلو "إن أردوغان سمح للإرهابيين بتعزيز قوتهم في شرق البلاد. من سيقدر على الكلام إذا قال أردوغان لحزب العمال الكردستاني: إن بمقدورهم الاستحواذ على المنطقة الشرقية بأسرها؟". ومع اقتراب الاستفتاء على الدستور تخلت قيادة حزب الشعب الجمهوري عن شكها الحذر، وانتقلت إلى إثارة الخوف لدى الأتراك.

إذا أخذنا في الحسبان أن كليجدار أوغلو نفسه قال لرئيس الوزراء بن علي يلديريم " بأن يهيئ نفسه إذا كان سيطرح نظاما رئاسيا على غرار النظام الأمريكي"، فإن معارضته الشديدة للتعديل الدستوري تثير الحيرة. ولمزيد من التوضيح فقد قال كليجدار أوغلو: إنه تراجع عن تصريحه بعد أن وصفه بن علي يلديريم بالخداع، وبعد أن ثارت شخصيات رفيعة في حزب الشعب الجمهوري على القيادة. ومن الجدير بالملاحظة أن زعيم المعارضة الرئيسة في تركيا يرغب في استدعاء المخاوف بشأن مستقبل البلاد.

على أن قيادة حزب الشعب الجمهوري تتردد في الدعوة إلى نظام حكم على غرار النظام الأمريكي بسبب المخاوف من أن يؤدي الحوار الوطني إلى التحول إلى الفيدرالية، وهو ما يعد خطا أحمر لقاعدتهم الكمالية، ونتيجة لذلك جاءت معارضتها الرئيسة تحت حجج وهمية، مثل " تعزيز النظام الديمقراطي"  و"دمقرطة القوانين التي صدرت بعد الانقلاب العسكري عام 1980 " ومن ثم فإن حرص قيادة الشعب الجمهوري على مشاركة الأحزاب جميعهم في المفاوضات الائتلافية عام 2011 و 2015 وصلت إلى طريق مسدود.

ومن المفارقات أن إثارة التساؤلات حول مستقبل تركيا لا تدعم إلا دعوى حزب العدالة والتنمية، حيث إن الحزب الحاكم بنى دعوته لتبني النظام الرئاسي على أساس أن إصلاح نظام الحكم سيساعد على تأمين مستقبل البلاد. وبإحرازه تقدما كبيرا في الحملة ضد حزب العمال الكردستاني، وبقيادته المقاومة ضد مدبري الانقلاب في يوليو/تموز، برز الرئيس بوصفه تجسيدا لعمل النظام الرئاسي .

ومما زاد الأمور سوءا أن محاولة حزب المعارضة الرئيس ربط النظام الرئاسي بالفيدرالية ليس لها أساس، فباستثناء الولايات المتحدة  تحتاج الأقاليم الفردية إلى الاستقلالية التشريعة والقضائية والتنفيذية من المركز، كما أنها ليست مستقلة تماما من الناحية المالية. وبعبارة أخرى يمكن لتركيا، مثل كثير من البلدان الأخرى، أن تتبنى نظام الحكم الرئاسي من دون اللامركزية في النظام الإداري أي دون اللجوء إلى الفيدرالية.

وفي كلتا الحالتين يبدو أن حملة الرفض من قبل حزب المعارضة الرئيس محكوم عليها بالإخفاق. 

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس