مجلة ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

أعلن الجيش التركي في الرابع والعشرين من نوفمبر/ شرين الثاني أن غارة جوية نفذتها طائرات النظام السوري قتلت ثلاثة من جنود وأصابت عشرة آخرين بالقرب من مدينة الباب شمالي سوريا، وبعد بضع ساعات أصيب سبعة جنود أتراك في هجوم ثان.

تعد هذه هي المرة الأولى التي تتهم فيها تركيا النظام السوري بتوجيه ضربة قاتلة لقواتها خلال حملة أنقرة المستمرة منذ ثلاثة أشهر في داخل سوريا.

أثار غياب مقاتلي المعارضة السورية بين الجنود المستهدفين، والهجمات المتكررة على الموقع نفسه أسئلة رئيسة: ما الدفاع وراء هذه الهجمات، وكيف تؤثر على ديناميات الحرب؟ والأهم من ذلك هل كان استهداف الجنود الأتراك متعمدا؟

بدأ هجوم جماعات المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا في الرابع والعشرين من أغسطس/ آب بالسيطرة على مدينة جرابلس الحدودية واستهداف تنظيم داعش، وكذلك لعرقلة القوات الكردية السورية التي تعد تهديدا لتركيا بسبب تبعيتها لحزب العمال الكردستاني المحظور.

سبق الهجوم التركي التقاربُ مع موسكو بعد خلاف استمر ثمانية أشهر نتيجة إسقاط تركيا لمقاتلة روسية في أواخر عام 2015. وقد أثارت عودة العلاقات لطبيعتها تكهنات حول وجود صفقة سرية في سوريا بين تركيا وروسيا. وربما أضفى غياب الهجمات العسكرية بين تركيا والنظام السوري مصداقية على هذه التكهنات.

على أن هذا التوافق التركي الروسي المزعوم قد تردد أيضا بوصفه سببا محتملا لهذا الهجوم.

لماذا هوجمت القوات التركية

هناك العديد من الأسباب المحتملة، سواء أكانت أسبابا فردية أم جماعية، وهو ما يفسر الهجوم على القوات التركية.

قد يكون الهجوم تحذيرا للقوات التركية بالبقاء بعيدا عن مدينة الباب.

وثمة افتراض شائع أيضا بين بعض الخبراء بأن روسيا، على الرغم من موافقتها على عملية تقودها تركيا، فإنها لن تسمح للجماعات المدعومة من تركيا بالاستيلاء على مدينة الباب؛لأن روسيا تخشى من أن تكون تركيا وحلفاؤها السوريون قادرين بعد الاستيلاء على الباب على تهديد عملية حلب التي ينفذها النظام السوري.

ومما يضفي المصداقية على هذا الزعم ما ورد من أن النظام السوري قصف الجماعات المدعومة من تركيا في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول عندما اشتبكت القوات التركية مع الميليشيات الكردية.

إن تخريب التعاون الجديد بين تركيا وروسيا الذي يمكن أن يشكل تهديدا على المدى البعيد لبشار الأسد وحلفائه يمكن أن يكون سببا آخر.

قال لي مصدر دبلوماسي في لندن طلب عدم الكشف عن هويته  إن الأسد وإيران لم يكونا راضيين لأسباب مختلفة عن عودة العلاقات بين روسيا وتركيا. يخشى الأسد من أن يؤدي هذا التعاون على المدي البعيد إلى تسوية سياسية تجبره على تقاسم السلطة مع جماعات المعارضة".

وأضاف المصدر أن "إيران أيضا تخشى من أن يكون لروسيا وتركيا مصلحة مشتركة في الحد من نفوذها في سوريا، ومن ثم تواطأت مع الأسد لتخريب هذه العلاقات".

جاء هذا الهجوم على القوات التركية في الذكرى السنوية الأولى لإسقاط تركيا طائرة حربية روسية في سوريا، ما أثار تكهنات بأن هذا الهجوم قد يكون عملا انتقاميا.

من يؤيدون هذا التفسير يقولون إنه حتى لو لم تكن روسيا مسؤولة مباشرة عن هذا الهجوم، فإن النظام السوري لا يجرؤ على اتخاذ مثل هذا الإجراء دون الحصول على ضوء أخضر من روسيا.

احتمالات التصعيد

أثار الهجوم على القوات التركية مخاوف من تصاعد الصراع المعقد أصلا، ومع ذلك فإن نظرة فاحصة لردود الأفعال التي تلت الحادث خلال الأسبوع الماضي تكشف أن احتمال التصعيد ضئيل.

رفضت تركيا سحب قواتها من سوريا بعد الهجوم، ووضعت طائرتين مقاتلتين من سلاحها الجوي في أهبة الاستعداد لوقوع طوارئ. وتصاعد التوتر إلى أبعد من ذلك عندما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، للمرة الأولى إن تدخل بلاده في سوريا يهدف إلى إنهاء حكم الأسد الوحشي الذي ينشر إرهاب الدولة.

لكن في تحول مفاجئ، جرت خلاله محادثات هاتفية بين أردوغان وبوتين، بدأت تركيا في استخدام لغة أكثر دبلوماسية تجاه النظام السوري. وبعد ثلاثة أيام من تصريحاته عن حكم الأسد الوحشي، قال الرئيس أردوغان إن الهدف من العملية العسكرية التركية في سوريا ليس بلدا معينا أو شخصا بعينه، بل المنظمات الإرهابية فقط.

وفي اليوم نفسه غير وزير الخارجية التركي بيانا صدر في وقت سابق يثبت أن روسيا أكدت مسؤولية النظام السوري عن الهجوم، وذكر أن نظيره الروسي أخبره أن روسيا والنظام ليسا مسؤولين عن الهجوم، وأن خطأ في الترجمة دفع وسائل الإعلام إلى نشر عكس ما قاله.

وعلاوة على ذلك فقد ذكر أخيرا أن تركيا تتوسط في محادثات تجري في أنقرة بين روسيا والمعارضة السورية المسلحة لإنهاء القتال في حلب، وهو ما يفسر التحول المفاجئ، ويشير إلى معالجة حادثة الهجوم على القوات التركية.

إذا كانت تركيا قد نجحت في التوسط في مثل هذه الصفقة، فمن المرجح أنها تحسن العلاقات مع روسيا، وتضمن لنفسها دورا سياسيا فعالا في الصراع، الأمر الذي يزيد من تمكين روسيا وتهميش الولايات المتحدة.

انخفاض حدة التصعيد بين تركيا والنظام السوري في الآونة الأخيرة يشير إلى أن العلاقات بين روسيا وتركيا قوية، مما يجعل احتمال حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا والنظام السوري احتمالا ضئيلا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!