أكين أنفير - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس 

"تركي يغتال القنصل الروسي(...) موقف المتمردين في مقدونيا يزداد قوة – يبدو أن الحرب والسلام يعتمدان على أمير بلغاريا فرديناند.

هذا كتبت صحيفة نيويورك تايمز في عام 1903 من بلدة بيتولا المقدونية، حيث اغتال مجند ألباني عضو في الجيش العثماني القنصل العام الروسي.

سقط التباين العرقي في مقدونيا بين السلاف واليونانيين والألبان ضحية لتنامي النزعة القومية المحاصرة بين روسيا القوية والإمبراطورية العثمانية المتراجعة.

في مطلع القرن العشرين صار اغتيال السفراء والقناصلة المقيمين في منطقة البلقان العثمانية مصدرا كبيرا للقلق بالنسبة إلى حكومة الإمبراطورية العثمانية، حيث إن ولاء قوات الجيش والشرطة العثمانية متعددة الأعراق والديانات كانت تتجاذب مع ديناميات القوة المتغيرة في البلقان.

أدى تنقل البلقان بين سيطرة القوتين الإمبراطوريتين إلى صعود حركات التمرد المتعاقبة التي بلغت ذروتها في نهاية المطاف بحروب البلقان 1912-1913. وهكذا أدى اغتيال القنصل العام الروسي عام 1903 إلى اندلاع حرب البلقان الأولى التي تأجلت عشر سنوات بعد كثير من المناورات السياسية والدبلوماسية التي خاضها السلطان عبد الحميد الثاني.

تذكير بألعاب القوى الكبرى في الماضي

السفير الروسي في تركيا، أندري كارلوف الذي اغتيل في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول هو أول سفير يغتال في تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1923.

بعد تعيينه سفيرا في أنقرة عام 2013 تولى كارلوف منصبا تتزايد صعوبته مع ملف متوتر، وترأس أصعب حقبة في العلاقات التركية الروسية في العصر الحديث، ولعب دورا رئيسا في تحسين العلاقات منذ إسقاط تركيا طائرة روسية مقاتلة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015

وحيث أن فصلا آخر من فصول الحرب الأهلية السورية يجري بوحشية في شرق حلب، ومع وجود مجموعة من المصالح القابلة للاشتعال للقوى العظمى والمحلية، ورغبة الجماعات المسلحة غير الحكومية في استمرار القتال، فإن الظروف لا تختلف كثيرا عن ظروف 1912-1913.

ورغم أن المقارنات التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الحرب العالمية الأولى أو اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند واغتيال السفير الروسي كارلوف تبدو مثيرة للاهتمام للوهلة الأولى، فإنها تنسى في النهاية أن المنافسة الجيو سياسية التركية الروسية تعود إلى القرن الثامن عشر.

والأكثر من ذلك أن الوضع الراهن بين روسيا وتركيا يشبه عام 1903 أكثر مما يشبه الوضع عام 1914، وتبدو سوريا اليوم أشبه كثيرا بمقدونيا قبل قرن من الزمان، حيث توجد نفس القوى والمصالح وردود الأفعال الخارجية.

أدى اغتيال 1903 إلى منح روسيا مجموعة واسعة من التنازلات العثمانية، ويرجع بعضها إلى الحرج الدبلوماسي على خلفية الحادث، بينما يرجع معظمها إلى تزايد الوجود البحري الروسي في البحر الأسود.

تابع السلطان عبد الحميد الثاني محاكمة الجندي الألباني عن كثب، وتأكد من أنه حكم عليه بالإعدام، ورغم ذلك دخل الأتراك الحرب العالمية الأولى عندما قصفت البحرية العثمانية الألمانية ميناء سيفاستوبول، الميناء الروسي الرئيس على البحر الأسود.

لا حاجة للتهويل

التهويل باندلاع "حرب عالمية ثالثة جديدة" لا أساس له إلى حد كبير، على الأقل فيما يتعلق بتركيا وروسيا أو حتى سوريا.

وعلى الرغم من أن سوريا تجمع شمل الأطراف التي شاركت في الحرب العالمية الأولى، فإن ديناميات التنافس في سوريا والعراق (أو في حلب والموصل) هي أكثر محلية (طائفية تاريخية) منها ديناميات تنافس دولية.

وعلى النقيض فإن اغتيال كارلوف سيكون له تأثير مماثل لإسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، أي أنه سيدفع موسكو وأنقرة إلى مزيد من التقارب (أو يجعل أنقرة أكثر اعتمادا على موسكو في الشؤون الأمنية).

بعد حادثة القتل في 1903 ازداد التوتر العرقي داخل الجيش العثماني وقوات الأمن المحلية، الأمر الذي نبه السفارات الأخرى في القسطنطينية التي كانت تخشى وقوع هجمات مماثلة، فدعت القوات البحرية التابعة لها لأن ترسو سفنها الحربية في مضيق البوسفور لحماية موظفيها.

وأخيرا فإن الخلاف داخل الجيش العثماني، وتهديد رؤساء البعثات الأجنبية، ووجهة النظر الأوروبية بأن الإمبراطورية العثمانية لم تعد تستطيع تحمل انحدار بطيء، أفضى إلى خضوع الجيش العثماني لتأثير القيادة الألمانية المباشر قبل عام 1909 وتوحيد الصفوف العثمانية بما يكفي لكي تخوض للمرة الأخيرة الحرب العالمية الأولى.

أما اليوم فمن غير المرجح ومن الصعب بالنسبة إلى روسيا أن تباشر تأثيرا مماثلا في الجيش التركي. وبصرف النظر عن الدعم الروسي للحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الساقط في يوليو/ تموز، والتعاون الناشئ بين الجانبين في سوريا، فإن هناك الكثير مما يمكن أن تقدمه روسيا وتركيا إحداهما للأخرى خارج سوريا في مجال الطاقة والسياحة والشراكة التجارية.

استخدمت تركيا لمدة طويلة تحسن علاقاتها مع روسيا كقوة دفع للحصول على شروط تفاوض أفضل مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز موقفها في حلف شمال الأطلسي. إن تركيز تركيا الحقيقي هو على هاتين المؤسستين، على الرغم مما يقوله المسؤولون الأتراك في التجمعات العامة المتحمسة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس