الأناضول

بدت العلاقات التركية الأوروبية جيدة مطلع عام 2016، إلا أن الأحداث التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/تموز وعمليات تركيا في مجال مكافحة الإرهاب نجم عنها دعوات لتعليق مفاوضات انضمام الأخيرة إلى الاتحاد الأوروبي.

سعى الاتحاد الأوروبي مطلع العام الحالي إلى البحث عن حلول لأزمة اللاجئين، التي يعتبرها أكبر مشاكله في الوقت الراهن، الأمر الذي دفعه إلى تعزيز علاقاته مع أنقرة وتطبيق قرارات الاجتماعات المشتركة بين الجانبين في الإطار المذكور.     

في فبراير/ شباط الماضي، تلقى رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو، دعوة لزيارة بروكسل للمشاركة في اجتماع "البلدان ذات الرؤى المشتركة" المكونة من تركيا ، ألمانيا، هولندا، النمسا، بلجيكا، فنلندا، هولندا، السويد، لوكسمبورغ، واليونان.

لكن تفجيرًا نفّذته منظمة "بي كا كا" الإرهابية في العاصمة التركية أنقرة يوم 17 فبراير/ شباط 2016، تسبب بإلغاء زيارة داود أوغلو المقررة إلى بروكسل، وبدأ الإرهاب إثر ذلك يلقي بظلاله على العلاقات بين الجانبين.

وقرر الاتحاد الأوروبي وتركيا عقد قمة جديدة في 7 مارس/آذار 2016 للتركيز على إيجاد حل دائم لأزمة اللاجئين ومفاوضات عضوية أنقرة في الاتحاد، بالإضافة إلى قضية إلغاء تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك إلى منطقة شنغن.

وصدر عن القمة بيان مشترك، يتعهّد بإلغاء التأشيرة اعتبارًا من يونيو/ حزيران 2016، وتسريع مفاوضات العضوية، وإعادة استقبال تركيا للاجئين من الجزر اليونانية، وذلك في حال استيفاء الشروط اللازمة.

وفي 18 مارس/آذار 2016، عقدت تركيا قمة جديدة مع الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، توصل الجانبان خلالها إلى اتفاق لتعزيز التعاون وإيجاد حل لأزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

ووافق الاتحاد الأوروبي خلال القمة على فتح الفصل رقم 33،  الذي يحمل عنوان "الأحكام المالية والميزانية"، بهدف إحياء مسيرة عضوية تركيا في الاتحاد في إطار الاتفاق المذكور، وإلغاء تأشيرة الدخول اعتبارًا من يونيو/حزيران.

كما نص الاتفاق على إعادة استقبال تركيا للاجئين السوريين الذين وصلوا إلى جزر يونانية بعد 21 مارس/ آذار انطلاقا من الأراضي التركية، واستقبال الاتحاد الأوروبي للاجئ سوري واحد مقابل كل لاجئ سوري تعيده إلى تركيا.

وتضمن الاتفاق التركي الأوروبي تسريع استخدام مبلغ الـ 3 مليارات يورو الذي تعهد به الاتحاد لمساعدة تركيا، ومنح الأخيرة 3 مليارات يورو إضافية حتى نهاية 2018، في حال انتهى المبلغ الأول.

وقبل أيام من موعد القمة، نصب أنصار منظمة "بي كا كا" الإرهابية، خيمة خلف مبنى مجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يحتضن القمة، وعلقوا عليها لافتات وشعارات منظمتهم، عقب تفجير إرهابي استهدف أنقرة في 13 مارس/آذار 2016.

وإثر ذلك، وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انتقادات لدول غربية لعدم اتخاذها موقفاً مبدئياً حيال هذه المنظمات الإرهابية، لافتًا إلى أن كل المنظمات الإرهابية التي تنشط في المنطقة توحدت ضد تركيا.

وقال أردوغان، إن "بلجيكا تسمح لمنظمة (بي كا كا) التي تدرجها دول الاتحاد الأوروبي في قائمة المنظمات الإرهابية، بنصب خيمة خلف مبنى مجلس الاتحاد ببروكسل، الذي يستضيف القمة التركية الأوروبية اليوم. هؤلاء غير صادقين وغير مخلصين، وتصرفاتهم متناقضة".

لكن السلطات البلجيكية، رفضت تصريحات تركيا بشأن القضية المذكورة، واعتبرت نصب خيمة لصالح المنظمة الإرهابية أمام المجلس الأوروبي وبالتزامن مع انعقاد القمة التركية الأوروبية، بأنه عبارة عن "حرية تعبير".

تراجع تدفق اللاجئين بشكل ملحوظ عقب دخول الاتفاق التركي الأوروبي حيز التنفيذ يوم 21 مارس/آذار 2016، حيث انخفض التدفق اليومي من 6 آلاف إلى ما دون الـ100، الأمر الذي زاد من توقعات تركيا بإلغاء التأشيرة عن مواطنيها.

وفي خضم التطورات، أصدرت المفوضية، يوم 4 مايو/أيار 2016، تقريرها الثالث حول سير المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، المتعلق بإلغاء التأشيرة، وجاء فيه أن تركيا أوفت بـ 67 مادة من أصل 72 خاصة بإلغاء التأشيرة.

وتضمن التقرير الأوروبي توصية برفع التأشيرة المفروضة على دخول الأتراك لمنطقة "شنغن" بحلول نهاية يونيو/ حزيران.

وبالتزامن مع صدور القرار، أعلن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أنه لن يطرح مسألة إلغاء التأشيرة على أجندة البرلمان حتى تضمن المفوضية الأوروبية إيفاء تركيا بكامل الشروط اللازمة لأجل ذلك.

بدورها، أعلنت أنقرة أنها لن تغيّر قانون مكافحة الإرهاب لديها بسبب استمرار الهجمات الإرهابية، التي تشنها المنتظمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" و"بي كا كا" في مدن تركية مختلفة.

من جهة أخرى، ارتفع التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي بسبب تأخر في إلغاء التأشيرة وعدم إرسال المساعدات الأوروبية المخصصة لأجل للاجئين.

لم يلتزم الاتحاد الأوروبي بإلغاء تأشيرة الدخول عن الأتراك، مع حلول يونيو/حزيران 2016، حتى أن البرلمان الأوروبي بدأ يطلق تصريحات تنتقد تركيا في إجراءاتها المتعلقة بمكافحة الإرهاب، التي اعتبرها وسيلة ضغط ضد المعارضين، متجاهلاً الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المدن التركية.

وفي 30 يونيو/ حزيران، انتقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الاتحاد الأوربي، خلال زيارته إلى بروكسل، واتهمه باتباع ازدواجية المعايير تجاه التنظيمات الإرهابية. 

افتتاح معرض لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية في البرلمان الأوروبي

بعد أيام من تصريحات جاويش أوغلو في بروكسل، افتتح معرض بتاريخ 12 يوليو/ تموز الماضي، حمل صورًا لزعيم المنظمة الإرهابية، عبدالله أوجلان، وعناصر لذراع المنظمة في سوريا "ب ي د". 

افتتاح المعرض سرعان ما لاقى صداه في تركيا التي أدانت افتتاحه في البرلمان الأوروبي عبر بيان لوزارة خارجيتها. 

وورد في نص البيان: "داعش وبي كا كا تنظيمان إرهابيان. وتفضيل منظمة إرهابية على أخرى يعتبر عدم احترام لضحايا الإرهاب، والمعايير المزدوجة تضر بشكل جدي بصورة الاتحاد الأوروبي".

موقف الاتحاد الأوروبي الهزيل تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا منتصف يوليو/ تموز 2016

في ظل مرحلة العلاقات المضطربة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، نفذت منظمة "فتح الله غولن/ الكيان الموازي" الإرهابية محاولة انقلاب فاشلة في تركيا.

كان موقف الاتحاد الأوروبي هزيلاً، بالمقارنة مع ما تعرض له الشعب التركي ومبنى برلمانه لقصف من طائرات الانقلابيين، فضلاً عن استشهاد مئات الأشخاص وإصابة آخرين بجروح في صد هذه المحاولة.

وجاءت زيارة مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى تركيا للتعبير عن تضامنهم معها متأخرة، حيث كانت أول زيارة بعد أسابيع من المحاولة الانقلابية.

وبعد 39 يومًا بالتحديد زار ألمار بروك رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، تركيا، مع عضوة الكتلة ومقررة لجنة العلاقات مع تركيا في الاتحاد، "كاتي بيري".

وأعقبت تلك الزيارة، مجيء الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى تركيا ولكن  بعد 56 يومًا من الانقلاب الفاشل، في حين لم يأت كل من رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، إلى أنقرة للتعبير عن التضامن مع بلد مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.

الاتحاد الأوروبي انتقد فصل وتوقيف أشخاص على خلفية الانقلاب الفاشل في تركيا

وجه الاتحاد الأوروبي انتقادات شديدة اللهجة ضد تركيا، فيما يتعلق بفصل متورطين بالانقلاب الفاشل وتوقيف أشخاص، دون أن يعير اهتمامًا لدموية المحاولة الانقلابية.

وفي هذه الأجواء المضطربة، صرّح الرئيس التركي في مختلف المناسبات أنه سيصادق على إعادة عقوبة الإعدام، في حال حصولها على تأييد البرلمان، الأمر قابله الاتحاد الأوروبي، بتلويحه بـ "تعليق مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي".

توتر متصاعد في علاقات تركيا والاتحاد الأوروبي متعلقة بسجن أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي

رفع الاتحاد الأوروبي من وتيرة انقاداته لتركيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عقب توقيف وحبس أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي (المعارض في تركيا)، على خلفية عدم انصياعهم لقرار المحكمة بإدلاء إفاداتهم حول تهم موجهة إليهم بقضايا إرهاب.

الاتحاد الأوربي الذي بقي موقفه هزيلاً أمام الانقلاب الفاشل، نشر بيانًا ينتقد فيه تركيا في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على لسان موغيريني.

ودعت موغيريني، في البيان، تركيا إلى حماية الديمقراطية البرلمانية، وحقوق الفرد في القضاء العادل، والحقوق الأساسية، وحقوق الإنسان، بصفتها بلد مرشح لعضوية الاتحاد.

وأكد البيان حاجة تركيا إلى اتخاذ خطوات متوازنة، في ظل مرحلة ملاحقة الانقلابيين، مدينًا الانقلاب الفاشل.

الاتحاد الأوروبي ينتقد مكافحة تركيا للإرهاب

أصدر الاتحاد الأوروبي تقريرًا حول التقدم المحرز، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انتقد فيه التدابير المتخذة من قبل تركيا ضد منتسبي منظمة "فتح الله غولن" الإرهابية، وأنشطتها في مكافحة منظمة "بي كا كا" الإرهابية.

وذكر التقرير أن تركيا أعلنت حالة الطوارئ في البلاد بعد الانقلاب الفاشل، ومددته 3 أشهر إضافية، وفصلت أشخاصًا، وأغلقت مؤسسات إعلامية، وأوقفت وحبست آخرين على خلفية المحاولة الانقلابية، في حين أشاد التقرير بمكافحة أنقرة لتنظيم "داعش".

مناقشات حول وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي

وفي اليوم، الذي صدر فيه التقرير، دعت مقررة لجنة العلاقات مع تركيا في الاتحاد، "كاتي بيري" إلى تعليق المفاوضات مع تركيا.

وفي 14 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اجتمع وزارء خارجية الاتحاد الأوروبي لتبني موقف موحد من تركيا، طلبت فيه النمسا تعليق المفاوضات مع تركيا، وعارضت بقية الدول.

استقبال المفوض الأوروبي "هان" لفارٍ من حزب الشعوب الديمقراطي

التقى المفوض المسؤول عن توسعة الاتحاد الأوروبي، يوهانس هان، مع فيصل صاري يلدز، النائب في البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي، الذي أصدرت السلطات التركية قرارًا بتوقيفه على خلفية مشاهد فيديو تظهر نقله أسلحة لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية.  

وفي ذات اليوم، استقبل رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، فيصل يلدز إلى جانب طوبى هزر أوزتورك، الفارين من القضاء التركي.

ووصف وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي عمر جليك استقبال يلدز وأوزتورك، بأنه يحمل معنى رغبة الاتحاد الأوروبي بإفساد علاقاته مع تركيا.

البرلمان الأوروبي يطلب تعليق المفاوضات مع تركيا مؤقتًا

في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، صوت 479 نائباً في البرلمان الأوربي، لصالح مشروع قرار غير ملزم، يوصي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ورفض 37، فيما امتنع 107 نواب عن التصويت. 

وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، لم يتوصل أعضاء دول الاتحاد الأوروبي لاتفاق حول مستقبل مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، بسبب استخدام النمسا حق النقض في اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي.

وأكد الاتحاد الأوروبي، في 15 من الشهر ذاته، التزامه باتفاقية "إعادة قبول المهاجرين" المبرمة مع تركيا، والإعداد لقمة معها الربيع المقبل لتجاوز المسائل العالقة، في قمة قادة دول الاتحاد، في حين لم يتطرق المشاركون فيها إلى مسألة المفاوضات مع تركيا حيال انضمامها للاتحاد.

وفي 21 من ذات الشهر، طلبت اللجنة الأوروبية تفويضًا من مجلس الاتحاد الأوروبي، للبدء في مفاوضات مع تركيا حول الاتحاد الجمركي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!