برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

منذ فترة ليست بالبعيدة وأنا أكتب عن الشرق الأوسط ومؤشرات التغيير الجديدة الحاصلة فيه وضرورة استعداد تركيا لهذه التغيرات، ولو عزونا سبب هذه التغيرات لأمريكا وأوروبا الطامحتين لبسط أجنحتهما على الشرق الأوسط لوجدنا أن الصراع والتنافس للتوسع ليس حكرا عليهما فقط بل توجد أطراف أخرى تسعى لذات الشيء، ولهذا فقد بدأت منطقة الشرق الأوسط بالتغير قبل أن يتضح دور أمريكا في المنطقة بقيادة ترامب.

والكل يعلم أن تأثر تركيا برياح هذه التبدلات والحرب السورية أكبر شاهد على هذه التأثيرات السلبية، وبلا شك فإن أولوياتنا بالحرب على التنظيمات الإرهابية غولن، وداعش، والعمال الكردستاني قد أثرت على خططنا وأهدافنا المستقبلية، لكن علينا في الوقت ذاته أن لا ننسى السعي لتحقيق أهدافنا البعيدة.

أصبحت تركيا قوة صاعدة وواحدة من أهم اللاعبين الفاعلين والمغيرين في المنطقة وذلك بفضل وحدتها الداخلية وتلاحم شعبها مع حكومته، وباستغلال هذا الدور الهام عليها اتباع استرتيجيات معينة لتحقيق مصالحها ومصالح شعبها.

اتبعت إدارة بوش الأمريكية سابقا سياسة التدخل العنيف في الدول كما حصل في أفغانستان والعراق، أما إدارة أوباما فقد اتبعت سياسة المصالح المحدودة والضيقة، واستغل أوباما فرصة تنوع وتعدد القوى المنافسة، و تبنى بعض اللاعبين في المنطقة، وبهذا الشكل وبناء على طلب بعض الأطراف بمشاركة أمريكا في شؤون الشرق الأوسط أشعلت فتيل الحرب الأهلية هناك و أظهرت "ثورات الربيع العربي" إفلاس إدارة أوباما الليبرالية وانسلخت مفاهيم حقوق الإنسان والديموقراطية عن معناها الحقيقي.

وأما سياسات ترامب الجديدة "المصالح التجارية" و"القوة" فقد سارت على خطى أوباما وأظهرت عدم المسؤولية واللامبالاة.

قلنا مرارا وتكرارا إن تركيا هي الدولة الأكثر تضررا من سياسات أوباما تجاه ثورات الربيع العربي، وخاصة عندما أخلفت أمريكا بوعودها بشأن حل الأزمة السورية، وعندما أصبحت روسيا لاعبًا رئيسيًا، وعندما فتحت الطريق أمام التوسع الإيراني في المنطقة ودعمت تنظيمي الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب.

تأخرت تركيا باتخاذ قرارها ببدء عملية درع الفرات واستهداف تنظيم الاتحاد الديموقراطي، فكان عليها أن تستخدم قوتها العسكرية بشكل مبكر، وما سياسة أنقرة الوقائية تجاه إدارة ترامب إلا درس تعلمته سابقا، وأما بالنسبة إلى عمليتي منبج والرقة فتركيا تتباحث مع أمريكا مستندة إلى معطيات قوية في الساحة العسكرية.

ما تمر به المنطقة من فوضى فترة ترامب والتباعد بين الخليج العربي وإيران ما هو إلا عاصفة ثانية متوقعة الحدوث، لكن بعد فترة قصيرة من هذه الفوضى من الممكن أن يعود التوازن للمنطقة من جديد.

ويظل تقليص الدور الإيراني والقضية الفلسطينية رهن شكل السياسة التي سيتبعها ترامب، ومن جهة أخرى فإن تركيا تلعب دور الوسيط بين روسيا وأمريكا من أجل حل الأزمة السورية.

كانت رسائل أردوغان الموجهة للقادة العرب في جولته الخليجية منطقية وعقلانية وذات حس إنساني، كما كانت انتقاداته بخصوص سياسات إيران المطبقة "القومية الفارسية" وتنديده بقرارات إسرائيل المطبقة بحظر الأذان رسائل تحذيرية.

لم يحدد المحور السعودي، والمصري، والإسرائيلي، والتركي ما سيفعله في المنطقة، ويتعلق ذلك بشكل العلاقات مع إدارة ترامب الجديدة، أما بالنسبة إلى إيران فهي منهمكة في الحفاظ على المكتسبات التي ربحتها في عهد أوباما.

وتسعى دول المنطقة لإقحام الدول القوية لمساعدتها في حل مشاكلها، لكن الأصل أن تحل دول المنطقة مشاكلها بأنفسها دون الرجوع لأحد.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس