فهيم تستكين - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

منذ مئات السنين، منذ معاهدة قصر شيرين عام 1639، حافظت تركيا وإيران على تعايش سلمي جيد نسبيًا، وذلك عبر عدم السماح للتنافس الإقليمي وللمشاحنات السياسية العرضية أن تؤثر على علاقاتهما الاقتصادية.

أصبح الجانبان أسياد عدم الدنو من الحدود الحرجة في علاقاتهما. لكن تلك التوترات السياسية الناجمة عن الحرب الأهلية السورية بدأت تَحُدّ من سيادة عدم الدنو تلك، والعلاقات الاقتصادية بين البلدين الآن بحكم المهددة.

في بعض الأحيان، ربما لا تبدو تركيا تساعد نفسها. وفي أحيان أخرى، تبدو هفواتها الدبلوماسية مقصودة. ومؤخرًا، يتقصد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو انتقاد إيران في المحافل الدولية، الأمر الذي تسبب بأضرار اقتصادية.

في الأسبوع الماضي بالبحرين، اتهم أردوغان في بيان له إيران بالسعي إلى تقسيم العراق وسوريا عن طريق اللجوء إلى القومية الفارسية، التي قال أردوغان إنه لا بد من منعها. وفي 19 شباط/ فبراير بمؤتمر ميونيخ، قال جاويش أوغلو: "تحاول إيران إنشاء دولتين شيعيتين في سوريا والعراق. هذا أمر خطير للغاية، ويجب أن يتوقف".

ليس من المستغرب، أن طهران غاضبة. حيث رد بقوة المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، قائلًا لا يمكن لأولئك الذين يدعمون المنظمات الإرهابية، والذين يتسببون بسفك الدماء، والذين يساهمون في التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة أن يهربوا من المسؤولية عبر اتهام الآخرين. "نحن نعمل بصبر، ولكن هناك حدًا لذلك. وإذا كرر أصدقاؤنا الأتراك هذا النوع من التصريحات، سيتوجب علينا الرد". 

يلقي هذا التوتر بظلاله على منتدى الأعمال بين تركيا وإيران المقرر في 25 شباط/ فبراير في طهران. حيث كان سيمثل تركيا وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، وسيمثل إيران وزير الصناعة والتجارة محمد رضا نعمت زادة. ونظرًا للجدل بين البلدين، ألغى زيبكجي رحلته. ثم تم تأجيل المنتدى. ومن غير المعروف إذا كان سيتم تحديد موعد جديد أم لا.

وكان مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا (DEIK) قد نظم حضور مدراء تنفيذيين من حوالي مائة شركة تركية إلى المنتدى. كما نظم أيضًا مسؤولون خلال الملتقى تدشين مركز التجارة التركية في طهران.

ينتظر رجال الأعمال الأتراك مثل هذا المنتدى، على أمل إيجاد فرص في مجال الطاقة والبتروكيماويات والتعدين والبناء وتجارة التجزئة والخدمات اللوجستية والسياحة بعد أن تم رفع بعض العقوبات عن إيران. حيث أصدر مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا بيانًا قال فيه إن الاجتماع من الممكن أن يكون فعالًا في زيادة حجم التبادل التجاري إلى مستوى 30 مليار دولار المطلوب في غضون عامين.

ليست الشركات التركية- التي لم تعد على استعداد للذهاب إلى طهران بعد وقت قصير من البدء في رفع العقوبات- متأكدة مما إذا كان بإمكانها إدارة مشاريعها في إيران. حيث لم ينسحب أي منها، لكنها تفكر مليًا قبل المشاركة، وتشعر بالقلق من أن ممارسة الأعمال التجارية في إيران قد لا تكون سهلةً كما كانت في السابق. فعلى سبيل المثال، يؤجل فرع الطيران المدني الإيراني إصدار تصاريح الرحلات إلى تركيا. وقد بدأ هذا الأمر قبل ظهور التوتر الحالي، ولكنه يساهم في عدم الاستقرار الاقتصادي، وقد تسبب بخيبة أمل كبيرة في قطاع السياحة بتركيا، التي تستضيف وسطيًا ​​بين 1.5 إلى 2 مليون إيرانيًا كل عام.

ورأى المنظمون أن منتدى الأعمال التركي الإيراني قد قطع شوطًا طويلًا باتجاه تسهيل التجارة.

من المهم أن نفهم خلفية التوتر بين أنقرة وطهران. ولا شك أن تركيا تحاول العثور على شخص مسؤول عن الكارثة في سوريا، وعن فقدان أنقرة لنفوذها في العراق. حيث يحاول المسؤولون الأتراك شرح موقفهم بالقول إن بإمكانهم النجاح لولا التدخل الإيراني. ولكن هناك ثلاثة عوامل مهمة أخرى:

أولًا، حاجة تركيا الماسة للأموال السائلة من الخليج؛ لتخفيف نقص الأموال في السوق. حيث تأمل أنقرة من خلال تبني موقف ضد إيران، أن تكون العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أكثر سلاسة ونفعًا.

ثانيًا، في إطار بحثها عن أسواق لصناعتها البالغة الأهمية في الدفاع، أشارت تركيا إلى أن دول الخليج تنفق بسخاء على التسليح. حيث تحاول العقول السياسية المدبرة في أنقرة تعزيز شعور مبالغ فيه بشأن "الخطر الإيراني" لتشجيع دول الخليج على شراء الأسلحة التركية.

في هذا السياق، نشرت صحيفة يني شفق التركية المؤيدة للإسلاميين والمعادية لإيران، عناوين مثل: "قبل أن تصيب الصواريخ مكة المكرمة" و"قبل أن تبدأ الحروب على مكة المكرمة"، و"قبل أن تحيط الدبابات بالكعبة"، تلك العناوين تعكس دوافع الحكومة التركية.

كتب إبراهيم كاراغول، رئيس تحرير الصحيفة في 16 شباط/ فبراير: "على الرغم من أن الولايات المتحدة وأوروبا تزود المنطقة باحتياجات الدفاع إلى حد كبير، وأنها عقدت اتفاقيات أسلحة بقيمة مليار دولار مع هذه الدول"، ستشهد صناعة الدفاع التركية فرصًا جديدةً جزئيًا بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة.

كتب كاراغول: "ليس في سياق التخمين قول إن الأموال الخليجية التي كانت موجهة نحو القطاعات المختلفة حتى الآن تسير نحو خلق موجة جديدة في العلاقات التركية مع دول المنطقة". فبينما تولد اتفاقيات الدفاع المشترك أيضًا علاقة، على الرغم من أن "الوضع أبعد من الاقتصاد بالنسبة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج مثل قطر والبحرين، تتعرض تلك الدول لتهديد جدي". وأضاف: "هناك قلق بخصوص توسع إيراني يستهدف العالم العربي بأسره، بالإضافة إلى خطط للاستيلاء على مكة المكرمة. وقد كشفت الصواريخ الإيرانية التي يتم إرسالها عبر اليمن إلى جدة والرياض نوايا طهران".

والعامل الثالث والأخير هو الرغبة في انتهاز فرصة شراكة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. فدول الخليج سعيدة بأن الرئيس دونالد ترامب جعل من إيران مرة ثانية هدفًا. وهذا هو المفهوم الذي وضعه أردوغان نصب عينيه.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس