ترك برس

سلط تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الضوء على التحديات التي تواجهها تركيا بعد تبني روسيا في منطقة شرق البحر المتوسط وفي البحر الأسود، وأن عليها أن تتبنى استراتيجية A2\ AD التي اصطلح عليها حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتعني منع القوات المعادية من دخول أراضي الدول الصديقة أو تحريم الدخول إليها.

وقال التقرير الذي أعده الباحثان بليدا كورت دالجان المتخصص في النزاعات المسلحة وقوانين البحار، وبارين كايا أوغلو أستاذ التاريخ في جامعة السليمانية، إن روسيا تواصل تبني هذه الاستراتيجية ضد اليابان في جزر الكوريل المتنازع عليها، كما أن تبنيها  لهذه الاستراتيجية في مقاطعة كالينغراد الروسية يشكل تحديا لحلف الناتو في أوروبا الشرقية.

وأضاف أن هناك منظومتين حربيتين "فقاعة" نشرهما الروس في البحر الأسود وسوريا تهددان تركيا وحلف شمال الأطلسي من الجهة الجنوبية الشرقية، وأن تركيا تشعر بالقلق من نشر هاتين الفقاعتين، حيث تعد إيذانا بنهاية التفوق البحري النسبي الذي رسخته أنقرة في البحر الأسود وبحر إيجة وشرق البحر المتوسط بعد الحرب الباردة. كما أن نشر الفقاعتين الروسيتين يعني أن على تركيا إعادة توجيه مواردها تجاه تطوير الاستراتيجيات والأسلحة لمواجهة الاستراتيجية الروسية.

وعلى الرغم من أن العلاقات التركية الروسية تحسنت خلال الأشهر الماضية، فإن مستقبلها غير مؤكد، ففي حال اندلعت أزمة مماثلة لإسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ، فستواجه أنقرة خلافات مخيفة مع موسكو.

واستعرض التقرير الجهود الروسية في سبيل تدعيم سيطرتها البحرية في البحرين متوسط والأسود خلال السنوات الماضية، وذكر أن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو أعلن في مايو /أيار 2014 برنامج تحديث القوة وإعادة الهيكلة الذي تضمن خطة نشر أنظمة جديدة للدفاع الجوي بحلول عام 2020 إلى جانب نشر سفن سطح وغواصات لتعزيز الأسطول الروسي في البحر الأسود.

وعندما نفذت روسيا عناصر استراتيجيتها البحرية الجديدة في البحر الأسود أعلن الرئيس الروسي فلايديمير بويتن في مارس 2015 أن موسكو نصبت أنظمة الصواريخ باستيون المتحركة التي يطلق عليها الناتو اسم إس إس 5 في شبه جزيرة القرم.

وفي 12 أغسطس آب الماضي ذكر موقع روسيا اليوم أن موسكو نشرت موسكو منظومة الدفاع الصاروخي الأكثر تطورا إس 400  ترايمف في شبه جزيرة القرم لتعزيز قدرات الدفاع الجوي الهائلة التي تملكها هناك من صواريخ إس 300 في 4 ، ونظام الدفاع الدوي الأرضي بانتسير إس 1 إلى جانب إنعاش محطات الإنذار المبكر هناك؛ مما حول شبه جزيرة القرم إلى منطقة لا يمكن اختراقها أو دخولها من البحر الأسود.

وفي سبتمبر أيلول الماضي تحدث رئيس الأركان الروسي، فاليري غراسيموف، بثقة حين زعم أن بلاده استعادت السيادة على البحر الأسود التي خسرتها أمام تركيا في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وقال غراسيموف في محاولة للتأكيد على فعالية استراتيحية موسكو الجديدة إن الأسطول الروسي ينبغي له أن يكون قادرا على تدمير قوة العدو البرمائية وهي في الطريق، مضيفا أن أسطول البحر الاسود لديه جميع وسائل الاستطلاع الضرورية القادرة على تحديد الأهداف على بعد 500 كم ومهاجمتها.

وأشار التقرير إلى أن التهديد الثاني لتركيا يقع قبالة سواحل ميناء طرطوس السوري، حيث يوجد نفس المشهد تقريبا، بعد أن نشر الروس أنظمة إس 400 ، وصواريخ باستيون المضادة للسفن، وصواريخ كروز.

وقال التقرير إن المخططين الاستراتيجيين الروس تبنوا عناصر استراتيجية A2/ AD التي تمنع قوات العدو من الدخول إلى المنطقة التي تعمل فيها القوات الروسية أو البقاء في منطقة الصراع.

لماذا يجب على تركيا أن تغير أولويات قواتها البحرية

وفي مواجهة هذا التحدي الروسي نوه التقرير إلى أن الاستراتيجية البحرية التركية  ترتكز على افتراضات من الحقبة التي كانت بحريتها تتمتع فيها بتفوق نسبي من حيث الكم والنوع في البحر الأسود وبحر إيجة والبحر المتوسط.بينما تهدف هذه الاستراتيجية حاليا إلى الدفاع عن الوطن، وتحييد التهديدات التي تتعرض لها مصالحها وحقوقها في البحار المحيطة بها، وعلى ذلك تتمثل المهمة الرئيسة للبحرية التركية في بسط سيطرتها البحرية، وإن كانت أنقرة لا تشير إلى ما إذا كانت هذه السيطرة مطلقة أو محدودة.

أما المهمة الثانية والثالثة فتتمثل في القدرة على الانتشار السريع للقوات، وتوجيه ضربة لأهداف في البر، بينما تأتي في المرتبة الرابعة للأهداف منع العدو من استخدام قدراته في السيطرة على البحر لتحقيق أهدافه الخاصة.

وفي الوقت الراهن تتأثر الاستراتيجية البحرية التركية برؤية الاستراتيجي الأمريكي ألفريد ثاير ماهان للاستراتيجية البحرية التي تعتمد على السيطرة على البحر من خلال تطوير الخطط وبناء الفرقاطات البحرية، مثل مشروع ميلجيم لبناء طراد وفرقاطة وطنية تحمل 16 صاروخا مضادا للسفن، ومشروع TF2000 الفرقاطة التركية المضادة للطائرات،وحاملتي مروحيات على غرار تصميم السفينة الإسبانية خوان كارولس الأول، وسفن برمائية هجومية تبلغ تكلفة الواحدة مليار دولار، وتخطط لاستضافة مقاتلة إف 35 الهجومية وسفن دعم القتال السريع.

وحسب التقرير فإن على تركيا أن تواجه الواقع الحالي الجديد ،حيث إن نشر روسيا عددا من سفنها البحرية في البحر الأسود مثل الفرقاطة أميرال جريجوروفيتش، والسفينة بويان إم، وست غواصات من نوع كيلو المحسنة أو فارشافيانكا الروسية العاملة بالديزل والكهرباء، كل ذلك قلب الموازين لصالحها. وعلاوة على ذلك ففي الوقت التي تتحول فيه موسكو إلى نهج أكثر عدوانية لا يمكن التنبؤ به، فإنها توشك على إقامة منطقتين قويتين وفق استراتيجية A2/AD من الشمال والجنوب، وتفرض قيودا كبيرة على حركة تركيا في عرض البحر أو الجو، وعلى ذلك ينبغي أن تعيد تركيا صياغة استراتيجيتها البحرية بتبني استراتيجية A2/AD.

ونوه التقرير إلى أن بسط السيطرة البحرية في الوقت الحالي عملية مكلفة ومرهقة للقوات البحرية، وخاصة في البحار الضيقة وشبه المغلقة وفي المناطق الساحلية المحيطة بتركيا، لكن إذا حدثت انفراجة تجعل تركيا متميزة في التقنيات المضادة للصواريخ، مثل أسلحة الطاقة المباشرة، واستراتيجية A2/ AD البرية بقدرتها على شن هجمات التشبّع، فسوف يجعلها ذلك تتغلب على أنظمة الدفاع A2/AD البحرية.

غير أن الخبر السار هو أن تركيا حققت بعض التقدم في منظومة الأسلحة التي يمكن استخدامها، فقد عملت هيئة الصناعات الدفاعية التركية على تطوير تقنيات صواريخ A2/AD مضادة للسفن وصواريخ كروز التركية محلية الصنع، وفي إطار المجموعة الأولى يتطور مشروع الصواريخ المضادة للسفن "أتماجا" منذ عام 2009 الذي يهدف إلى تطوير الصواريخ المضادة للسفن بحيث تكون لها قدرات ومدى الصاروخ الأمريكي هاربون بلوك 2.

وفيما يتعلق بصواريخ كروز محلية الصنع فقد أنتجت تركيا الصاروخ سوم بي 1 الذي يصل مداه إلى 180 كم المجهز بنظام تليفزيوني بالأشعة تحت الحمراء آي آي آر، وقادر على تحديد الهدف آليا، وتوجيه ضربة للأهداف المتحركة. وقد أدمجت هذه الصواريخ بالفعل في طائرات إف 4 فانتوم التركية، ومقاتلات إف 16 بلوك 40 .

لكن التقرير استطرد أن هذه التحديثات على الرغم من أنها مؤثرة، فإنها ليست كافية، حيث تحتاج تركيا إلى اكتشاف الإمكانات التكتيكية لصواريخ كروز بعيدة المدى، وترجمتها إلى استراتيجية بحرية فعالة وواقعية من حيث التكلفة. وفي هذا الصدد ينبغي لتركيا أن تستثمر في تطوير منظومة الصواريخ الساحلية التي يصل مداها إلى 300 كم، وتحتاج إلى منصات إطلاق متحركة ، وأنظمة تتبع واستمكان الأهداف.

وتابع إنه نظرا لموقع تركيا الجغرافي الذي يسمح لها بالسيطرة على صمامات بين البحر الأسود والمتوسط وسواحلها الطويلة، فإن منظومة الأسلحة البرية المتحركة ومنظومة الاستشعار ستكون دفعة كبيرة للقوات البحرية التركية، وبهذه الأوراق يمكن لتركيا أن تمنع أي تهديد أو مضايقة لسواحلها في بحر إيجة والمتوسط والأسود.

وخلص التقرير إلى أنه أيا كانت نوايا روسيا المستقبلية، وبغض النظر عن إشارات التقارب الأخيرة بين أنقرة وموسكو، فإن لدى تركيا أسبابًا وجيهة للاستثمار في استراتيجية A2/ AD.

أول هذه الأسباب أن تركيا تواجه في الوقت الحالي تقدما تكنولوجيا سريعا وبيئة استراتيجية غير مؤكدة ينبغي لها ان تتبنى سياسية بحرية ودفاعية حذرة، لاسيما في ظل حالة عدم اليقين التي تخلقها إدارة ترامب حول مستقبل حلف شمال الأطلسي، ومن شأن إقامة منطقة A2/AD أن تسمح لتركيا بحرمان البلدان التي تعمل في بحارها والأجواء المحيطة بها من العمل ضد مصالحها الوطنية.

كما أن إنشاء هذه المنطقة سيسمح لتركيا بالرد على الانتقادات التي شنها ترامب خلال حملته الرئاسية من أن دول الحلف الناتو يجب أن تؤدي دورها ولا تعتمد على الولايات المتحدة، ولذلك يجب أن تسعى تركيا بمساعدة حلفائها في الناتو لإنشاء تلك المنطقة وتعزز الدفاع عن نفسها وعن الغرب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!