خلود الخميس - الانباء
دولة تركيا الحديثة ستنهض مع انبعاث شعبها بقيادة حملة لواء الإسلام فيها، كما أطلق عليهم الأوروبيون، الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية.
وقد اقترضتُ مصطلح «انبعاث أو قيامة» من المسلسل التاريخي الأعلى مشاهدة والأهم والأشهر منذ العام الماضي في الدراما التركية «قيامة أرطغرل». وهو يتناول إرهاصات ما قبل قيام الدولة العثمانية عبر بيان أحداث أحاطت بالشعب التركي أو القبائل التركمانية والتضحيات التي قدموها في سبيل تأسيس دولة إسلامية منذ جد عثمان الأول، سليمان شاه، حتى أبيه أرطغرل، وهو بدأها، وكانت دولة ترفع لواء دين وليس عرق.
بالطبع كان الثمن باهظاً، ولم يكن زمن الإعداد قليلا.
فهل تقوم الدول أو الدعوة إلا على تضحيات أبنائها وأتباعها؟
وهل تخلو التضحيات من الدماء؟
وهل أقول هذا تعطشاً للون الأحمر أن يراق من عروق البشر حتى نرفع راية ديننا الإسلام؟
الإجابة على السؤالين الأول والثاني : نعم، أما الثالث : فلا وألف لا إلا لمن اعتدى.
واليوم حتى من اعتدى تجد له ديبلوماسية الحوار والخذلان وسيلة للإنحاء تحت مسمى معاهدات تنصفهم وتظلمنا، ولكن هذا الذي يحدث والسمّ الذي يدسه سياسيونا في العسل أنهم الأقوى ونحن ضعاف، صدقوا نحن ضعاف ولكن ضعف إيمان.
فلم تنتصر جيوش المسلمين بعدد وعدة، بل بيقين وإيمان ولهذا حكمة، فلما تركنا : الله أكبر التي تُرفع بحقها، أخذها الخوارج والجهلاء وصاحوا بها لقطع الرؤوس وجز الأعناق بغير حق.
كذلك لم تقم دولة المدينة بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو من نزلت عليه الرسالة وحامل لواء الإسلام وخاتم المرسلين وسيد المجاهدين، على التعدي بل تعاهد مع اليهود في أول دستور تشهده الدولة، ولم يقتل رأس النفاق ابن سلول رغم علمه بنفاقه، ولم يتربص لغير المسلمين بأذى، كان يدعو إلى الله بالحسنى والقول الفصل الذي لا يجادل به عاقل إلا وأسلم إلا من أبت عليه جاهليته وكبره.
هل كانت الدولة تقوم على العهد والصلح فقط؟!
لا. لقد سُقيتْ شجرة الإسلام أيضاً من دماء الصحابة وصُبت في جذورها أرواح كثيرة، فالمسلم موعود بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة إن بذل الأسباب واتبع سنن الله، وهذا وعد الله وتقديره : ليتخذ منكم شهداء، وأيضاً أخبرنا الحبيب المصطفى أن الشهداء في أمته ليسوا فقط شهداء القتال والمعارك، بل شهداء الغرق والحرق ومن مات حتف أنفه ....
المعنى الذي أبغي بيانه، أن الأذى بالغ من سيرفع راية الإسلام من أعداء الإسلام كفاراً كانوا أو أهل نفاق وما أكثر الفئة الثانية، هذا حق وكل مسلم يعلم به، بينما لا يصدقه إلا المؤمن.
الدولة التركية منذ أن أغرقها أتاتورك في مصطلحات الحداثة، وقتذاك، ودفع بها إلى أحضان أوروبا وشعبها بدأ «انبعاثه» إن صح التعبير أي منذ تسعين عاماً هي إرهاصات لقيام جديد لدولة إسلامية وبمعايير حديثة لا تتعارض مع الدين وتواكب السياسة العالمية.
إي، منذ أن عرف الشعب أن السلطان كان محبوساً في القصر، وذلك عند موته، وهم يشعرون بالذنب تجاه الخلافة التي انسلّت من بين أيديهم لتسقط معها كرامتهم وحريتهم وقيمهم ودينهم ليعلو هُبَل العلمانية الأوروبية الملفقة، فلا توجد دولة أوروبية إلا وتُقسم على الإنجيل، حسب نسخة الإنجيل التي تعتمدها كنيستها، هي إذن دول دينية في الحقيقة، علمانية في الافتراء، وليتبعها قومي إلى جحر الأفاعي والضِّباب.
فمنذ أن قامت الجمهورية التركية، والشعب التركي المسلم، في قلبه وإن بعد سلوكه وتم تغريبه، وهو يتلمس ذاك المسمى وتلك الهيبة، ولا يلتمس لنفسه عذراً أن انحدرت الدولة وصارت مدينة وغارقة في الرذائل وتلاشت فيها ملامح الإسلام حتى بلغ الأذان، رجحت القومية على الدين، فاختفى الثاني شيئاً فشيئا، ولكنه كبر في القلوب.
هل الأتراك قوميون؟ نعم وبشدة، هم كذلك، وأيضاً نحن العرب نتشدق بأننا من نزلت بلساننا رسالة الإسلام، وغفلنا أنه تكليف لا تشريف، وأن من يعجزه حملها والذب عنها فسيأتي الله بقوم «يحبهم ويحبونه»، كل مسلم يجيد إكمال الآية ولكنه يتكاسل عن قراءة تفسيرها، أو يتنازع مع أخيه في الدين على كاتب التفسير أهو حنبلي أو حنفي أو شافعي أو مالكي، أوَفرّقنا غير خلافاتنا ونزاعاتنا؟!
اليوم تركيا، تتصدر بجسدها لسهام أوروبا التي كانت في يوم ما تحتمي من أعدائها ببدلات الجيش العثماني فقط، وتطلب العزة بتبعيتها لدولة الخلافة، والعرب شعارهم في الهجمة عليها «القردة الثلاثة» لا نرى، لا نسمع، لا نتكلم!
الأيام دوَل، والعرب عليهم واجب النصرة لتركيا، المعركة الآن بينها وبين هولندا، وغداً ستزحف.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس