عبو الحسو - خاص ترك برس

بدأت القوات المسلحة التركية مع فصائل من الجيش الحر عملية برية وجوية واسعة النطاق باسم عملية درع الفرات امتدت من 24 آب/ أغسطس 2016 وحتى 23 آذار/ مارس  2017 تم بموجبها تحرير المناطق والبلدات والقرى التابعة لمناطق اعزاز وجرابلس والباب والراعي من تنظيم الدولة- داعش- وتجاوزت المساحة المحررة الألفي كيلومتر مربع، وكان المخطط متابعة العملية لغاية تحرير 5 آلاف كم2 لكن تدخل الولايات المتحدة وروسيا ودعمهما لقوات سوريا الديمقراطية والنظام حالتا دون اتمام عملية درع الفرات مهمتها وشكلتا حزاماً مانعاً بين قوات درع الفرات وتنظيم الدولة.

سأحاول في هذه المقالة تسليط الضوء على مناطق درع الفرات مالها وما عليها من خلال المشاهدات العينية وانطباعات الناس، فقد سنحت لي الفرصة زيارة المنطقة مرتين خلال الفترة الماضية إحداها في شهر كانون الأول/ ديسمبر والثانية في شهر تموز/ يوليو وما بين الزيارتين تغيرت أشياء كثيرة بعضها ايجاباً وبعضها سلباً، الناس كانت متحمسة ومتفائلة جداً في الزيارة الأولى التي كانت عقب التحرير مباشرة والثانية بعد 7 أشهر حيث كان تفاؤل الناس وحماسهم أقل، سيتم تقسيم المقال إلى عدة محاور أساسية ليسهل علينا تناول الموضوع وتحليله:

أولاً- الوضع الأمني والعسكري:

ما زال الوضع الأمني غير مستقر وغير مشجع كثيراً على عودة الناس لعدة أسباب:

1- وجود مقرات الفصائل في المناطق السكنية وخاصة في المدن الكبرى ووضع اليد على بيوت كثير من المواطنين من قبل أفراد في الفصائل وعدم اخلاء البيوت رغم الطلب من أصحابها ورغم تقديم شكاوي في المحاكم المختصة لكن دون طائل وخاصة في مدينة الراعي- جوبان بي- ومدينة الباب.

2- كثرة الحواجز العسكرية من قبل الفصائل، ووجود فصائل لا وجود لها على الجبهات ونقاط التماس ووجدت فقط من أجل فرض أتاوات على المارين عبر حواجزها، مثلاً احدى الفصائل عدد عناصرها لا يتجاوز 60 عنصراً لكنها تملك أكثر من 6 حواجز.

3- انشغال بعض الفصائل بفرض إتاوات والقيام بعمليات تهريب مواد غذائية وبترولية وحتى السلاح إلى مناطق قسد والنظام.

4- انشقاق فصائل من الجيش الحر والتحاقها بالنظام وقوات قسد ولدت شعوراً بعدم الأمان لدى المواطنين والخوف من الاغتيالات والاعتقال من قبل عملاء النظام- الذين ما زالوا متخفيين- للناشطين والعسكريين.

5- ضعف قوات الشرطة من حيت العدد والعتاد لا يمكُّنها من فرض الأمن ومحاسبة المسيئين وتقديم آليات مدرعة ودراجات نارية في الفترة الأخيرة خطوة ممتازة ستعزز من قدرات الشرطة وزيادة فاعليتها ومرونة حركتها.

6- منح بعض عناصر الشرطة رتباً قيادية لمن لا يحملون مؤهلات علمية - بعضهم لا يحمل سوى شهادة اتمام المرحلة الابتدائية- يضعف الثقة بالجهاز ويفتح الطريق أمام فساد بنيوي وإداري لا مفر منه.

7- عدم وجود محاكم لها قوة القرار والتنفيذ لعدم وجود ذراع تنفيذي لقراراتها وعدم إمكانية إحضار المسيئين من المواطنين والعسكريين على حد سواء.

8- عدم وجود مؤسسات رسمية ومدنية قوية تفرض هيبة الدولة وتؤمن الخدمات للمواطنين.

ولتلافي الملاحظات الآنفة الذكر يمكن القيام بما يلي:

1- دمج جميع الفصائل العسكرية تحت مسمى جيش وطني وفق تراتبية مؤسساتية تحت قيادة مركزية واحدة قادرة على التحكم والمحاسبة وإصدار القرارات وتنفيذها، وحل جميع غرف العمليات وإلحاقها بقيادة الجيش الوطني.

2- إبعاد مقار وثكنات الجيش الوطني عن التجمعات السكنية وحصر عملهم في الجانب العسكري.

3- منع تجول العسكريين بأسلحتهم ضمن المدن والبلدات والقرى ومنع اطلاق النار دون مبرر.

4- إلغاء جميع الحواجز العسكرية ضمن منطقة درع الفرات والاقتصار عليها في مناطق التماس مع قسد والنظام.

5- تمكين قوات الشرطة والأمن العام بزيادة عددها وعتادها وتخريج دورة ضباط من ذوي الكفاءات العلمية أو من الضباط السابقين في الشرطة.

6- اختيار قضاة أكفاء وتفعيل المحاكم وتخصيص قوى أمنية وشرطية لحمايتها وتنفيذ قراراتها.

7- تمكين مؤسسات الدولة وتأمين الخدمات الأساسية.

8- فتح مخافر تابعة للشرطة وإحالة الشكاوي إلى المحاكم المختصة.

9- محاسبة المسيئين من العسكريين ومنعهم من التدخل في شؤون المواطنين. 

ثانياً- المجالس المحلية ومؤسسات الدولة:

ما زالت المجالس المحلية غير فاعلة كما ينبغي تشكو القصور وضعف الإمكانيات والموارد وذلك لجملة من الأسباب يمكن إيجازها بما يلي:

1- آلية انتخاب المجالس المحلية لم تكن سليمة، حيث تم اختيار هئية ناخبة على عجل من قبل الفصائل العسكرية وبالتالي لم تكن للمجالس قوة تمثيلية كبيرة وقبول لدى الناس وإن كانت معظم المجالس فيها كفاءات وشهادات علمية عالية.

2- عدم اعتماد نظام عمل واحد ناظم لعمل المجالس من ناحية اتخاذ القرار والتنفيذ والمحاسبة وتأمين موارد مالية ذاتية، مما أدى إلى شل عمل المجالس وافتقارها إلى الفاعلية والمرونة.

3- منع المجالس من التعامل مع منظمات المجتمع المدني وحصرها فقط بالجهات الرسمية التركية فوتّت عليها فرص كان من الممكن لو تم استغلالها بشكل صحيح تنفيذ مشاريع كبيرة وكثيرة تساهم في تأمين الاحتياجات الأساسية للناس.

4- الاستجابة البطيئة للدوائر الرسمية التركية صاحبة العلاقة لطلبات المجالس في تأمين الاحتياجات الأساسية- مياه وكهرباء...- أدت إلى تذمر الناس وضعف الثقة بالمجالس.

5- عدم تأمين المجالس موارد ذاتية من خلال فوترة الخدمات الأساسية وفرض ضرائب ورسوم على المعاملات والاجراءات وعلى الحركة التجارية والصناعية. 

6- ضعف أداء بعض الشخصيات في المجالس المحلية وغيرها وتغولها والمدعومة من قبل السلطات التركية والتكلم باسمها أساء إلى دور المجالس وتحميل جريرة ما يرتكبونه من أخطاء إلى تركيا مما أثر سلباً إلى نظرة المواطنين نحو تركيا.

7- منع دخول المنظمات إلى منطقة درع الفرات ضيّعت على المنطقة فرص كبيرة كانت ساهمت في تنميتها فيما لو تم استثمارها بشكل جيد وتم ضبط ايقاع عملها وتوجيهها بما يتناسب مع التوزيع العادل للمشاريع وتلبية الاحتياجات وفق الأولويات. 

ولزيادة فعالية المجالس المحلية ورفع وتيرة أدائها يمكن القيام بما يلي: 

1- إعادة انتخاب المجالس المحلية مباشرة من قبل الشعب مما سيزيد من قوة تمثيلها الحقيقي وإعطاؤها دعماً شعبياً كبيراً سيرتقي بأدائها وقوة قرارها.

2- الانتهاء من بناء المؤسسات وتوفير كافة مستلزمات العمل والإمكانيات المادية لتستطيع تقديم الخدمات الأساسية بالشكل الأمثل. 

3- حل مشكلة الكهرباء والمياه بشكل أساسي والإسراع في إصلاح شبكات المياه والكهرباء وإيجاد مصادر للتغذية لها.

4- محاسبة الأشخاص المسيئين أياً كانوا بغض النظر عن انتماءاتهم وارتباطاتهم. 

5- إيجاد آلية لعمل المنظمات بالتنسيق مع السلطات التركية والمجالس المحلية بشكل يساهم في تنمية المنطقة.

ثالثاً- الوضع الاقتصادي:

يمكن إجمال الوضع الاقتصادي في مناطق درع الفرات بالنقاط التالية:

1- انتعشت الحياة الاقتصادية في بعض النواحي بشكل جيد مثل الحركة التجارية من تركيا إلى سوريا وتباطأت في نواحي أخرى.

2- ما زالت الراساميل الكبيرة تخشى الدخول وفتح استثمارات كبيرة توفر فرص عمل كثيرة بسبب عدم استقرار الوضع الأمني وصعوبة الحركة التجارية من سوريا إلى تركيا إن لم نقل انعدامها.

3- تعاني الزراعة من عدم توفر مستلزماتها بشكل كافي وتصريف المحصول بعد حصاده وانكفاء المزارعين عن زراعة بعض المحاصيل الاستراتيجية لعدم وجود أسواق تصريف لها مثل القطن. 

4- عدم توفر المياه والكهرباء دفعت إلى إغلاق الورش الصغيرة بدل افتتاح ورش جديدة مثل ورش تصنيع الأحذية والتي ما زالت مناطق النظام هي المستهلك الرئيسي لتلك المنتجات. 

5- نشطت كثيراً ورش اصلاح الآليات بأنواعها السياحية والزراعية والشحن بسبب استيراد كثير من الآليات المستعملة من أوروبا ورداءة الطرقات ورداءة نوعية الوقود المستعمل تؤدي إلى كثرة تعطلها.

6- نشطت صناعة جديدة في منطقة هي تكرير النفط الخام بطرق مختلفة لكنها ملوثة للبيئة بشكل كبير لوجود نواتج ملوثة وذهاب قسم منها إلى التربة والقسم الآخر تخرج على شكل أدخنة كثيفة تؤذي البشر والحجر والشجر.

ولتنشيط الحركة الاقتصادية وزيادة مردودها وخلق فرص عمل جديدة يمكن القيام بما يلي:

1- تسهيل الحركة التجارية عبر المعابر باتجاه الطرفين وتسهيل حركة التجار والصناعيين يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، والخطوة الأخيرة لغرفة تجارة عنتاب باستقبال طلبات رجال الأعمال السوريين الراغبين في الاستثمار في مناطق درع الفرات من أجل تأمين الموافقات اللازمة لتسهيل حركتهم عبر معبر قراقميش- جرابلس خطوة في الاتجاه الصحيح ويمكن تعميمها على المعابرالأخرى.

2- توفير الأمن والاستقرار يجذب أصحاب رؤوس الأموال ويشجع الاستثمار.

3- توفير مستلزمات الزراعة ودعمها من قبل مؤسسات الدولة أو المنظمات وشراء المحاصيل الزراعية من قبل المؤسسات الرسمية يشجع المزاعين على الزراعة. 

4- توفير المياه والكهرباء والبينية التحتية اللازمة كإقامة مناطق أو مدن صناعية في المدن الكبيرة وتسهيل استيراد المواد الأولية واعطاء شهادات منشأ للبضائع من أجل التصدير.

5- توفير الوقود من تركيا أو إلزام المصافي بالالتزام بجودة المنتج وبالمعايير البيئية لمنع تلوث التراب والهواء.

ولا بد من الإشارة هنا إلى تحسن كبير في قطاعي التعليم والصحة والشؤون الدينية حيث تم ترميم معظم المدارس وتأمين كادر تعليمي لها وإلحاقهم بدورة تدريبية تأهلية، للذكور في عنتاب والإناث في الداخل السوري.

وفي القطاع الصحي تم ترميم المراكز الصحية ووضع مستشفيات في الخدمة في المدن الكبرى مثل مشفى الحكمة في الباب ومشفى الأهلي في اعزاز ومشفى جرابلس وتأمين كوادر طبية سورية وتركية لها وإحالة الحالات الصعبة والمستعصية إلى المشافي التركية عبر سيارات إسعاف تعمل على مدار الساعة واليوم، ويتم العمل على إنشاء 5 مستشفيات وفق المعايير الدولية المطبقة في تركيا و30 مستوصف وتطوير منظومة الإسعاف ما نخطط له بشكل مبدئي هو إنشاء 5 مستشفيات متكاملة و 30 المستشفيات التي يتم العمل على إنشائها هي: 

1- مشفى الراعي 200 سرير.

2- مشفى الباب 200 سرير.

3- مشفى اعزاز الوطني 100 سرير (قابلة للتوسيع لـ200 سرير).

4- مشفى مارع 75 سرير.

5- مشفى جرابلس 75 سرير.

كما تم ترميم وتأهيل عشرات المساجد والجوامع في مناطق درع الفرات من قبل وقف الديانة التركية وتأهيل ما يقارب 500 إمام وخطيب بالتعاون مع رابطة العلماء السوريين وتوظيفهم في مساجد منطقة درع الفرات وإحداث مديريات أوقاف في المناطق.

مناطق درع الفرات باتت الأمل الوحيد للسوريين في صنع نموذج يمكن تعميمه على باقي المناطق في الإدارة الرشيدة وتحقيق الأمان والرفاه والعدالة الاجتماعية وكذلك تحقيق تنمية مُستدامة تكون أنموذجاً لنهضة سوريا الاقتصادية في المستقبل ولا سيما أنها تحمل جميع العوامل اللازمة لذلك، والاستفادة من الدعم التركي اللا محدود ومن التجربة التركية في الإدارة والبلديات والنهضة الاقتصادية.

وفي الختام يحضرني قول أحد السياسيين الأتراك الذي التقينا به في إحدى المناسبات بأن القضية السورية قضية سياسية بامتياز تحتاج إلى قرارات سياسية شجاعة وجريئة ولا يمكن لدوائر ومديريات تنفيذية حكومية متابعة أمورها داخل وخارج تركيا، يجب توحيد الجهات المعنية وربطها بجهة سياسية واحدة لا تقل عن وزارة ويديرها وزير له صلاحية اتخاذ القرار وفرضه على الجهات المختصة وتوجيهها للتنفيذ ومحاسبتهم في حال عدم الامتثال للقرارات أو في حال التقصير.

عن الكاتب

عبو الحسو

صحفي مهتم بالشأن التركي وشؤون اللاجئين ومهندس سابق في مؤسسة الاتصالات في سوريا لمدة 18 عام ومدير قطاع الاتصالات في حكومة أحمد طعمة.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس