د. زهير حنيضل _ خاص ترك برس

يعتمد المبدأ على تصنيع الداء والدواء معاً، بحيث يكون المُنتج لهما صاحب الحقوق الحصرية لكليهما.

في الطب، عمدت بعض المؤسسات لإنتاج الجمرات الخبيثة التي غزت العالم من المجهول، فرأينا الأمراض الوبائية تنتشر كالنار في الهشيم، فأطلت على البشرية أوبئة من قبيل "إنفلونزا الدجاج، وإنفلونزا الخنازير، وفيروس إيبولا، وجنون البقر".

اعتمدت هذه المؤسسات على تصنيع هذه الجمرات الخبيثة ونشرها في الدول الفقيرة، وانتظرت حتى تستشري هذه الجمرات لتخرج كالبطل التاريخي بالمصل المضاد لهذه الجمرات والدواء الوحيد القادر على لجم انتشارها.

في خضم انتشار الوباء، لا مجال إلا للتمسك بالمصل المضاد دون التفكير بما سواه، فالمصاب أعظم من أن يتم الالتفات نحو التفاصيل المعلنة وغير المعلنة سواء.

تخيلوا معي كم جنت وتجني هذه المؤسسات من جراء هذه الأوبئة والأمصلة المضادة لها!

ضمنت هذه المؤسسات سوقاً تجارياً رابحاً ومستمراً، حتى وإن كان غير أخلاقي ومنافٍ لكل الأعراف والتقاليد الإنسانية، فالهدف هو فرض الهيمنة على سوق دوائي يحقق لها التميز والتفرد بعد أن سطع نجم عديد الشركات الدوائية في دول العالم الثالث والتي صنعت وتصنع أدوية ناجعة وبأسعار تناسب القدرة الشرائية لمواطني تلك الدول، بل تجاوز الأمر حد الاكتفاء الذاتي إلى التصدير العالمي مما فتح النار عليها من قبل تلك المؤسسات المصنعة للجمرات الخبيثة، والتي سارعت لاستحداث الجمرات وأمصلتها لضمان الريادة.

حسناً، هذا الأمر ذو دلالةٍ في الطب يسهل فهمها، لكن ما علاقة الجمرات الخبيثة بالسياسة!

لا يختلف الأمر في السياسة عنه في الطب، فالحروب التقليدية لم تعد ناجعة وتحتاج لأدلة وتفاهمات وحجج وقد يطول الأمر سنيناً حتى تستطيع دولة شن الحرب على أخرى  بمستند قانوني، وبالتالي لا بد من عدوٍ متفقٍ عليه من قبل الجميع، ولا يستطيع أحد إنكاره ويؤمن الحجة والذريعة الوافية لشن الحروب.

من هنا، كان تصنيع داعش من رحم القاعدة المصنعة مسبقاً من قبل مخابرات دول بعينها، ابتدأ العرض المسرحي من خلال تفجير برجي التجارة العالميين في أمريكا والذي أثبتت الدراسات الأمريكية المستقلة كون العملية أكذوبة مخابراتية كبرى، وبغض النظر عمن صدق وعمن لم يفعل، استغل التفجير للتمهيد لما يتلوه من حرب على أفغانستان فالعراق، ثم ركدت الساحة بعد احتلال العراق رغم وجود القاعدة هناك، فالمشهد لم يعد ساخناً بالقدر الكافي لتنفيذ المرحلة التالية من الجمرات الخبيثة المولدة للحروب، فكان التوجه نحو إنتاج داعش كنسخة مطورة من القاعدة، وتم نشر داعش في الدول المراد استهدافها، ولا ننسى هنا قوانين مكافحة الإرهاب العابرة للقارات والتي استندت إليها الحرب على داعش، ولإنجاح الأمر وليسود التوافق لا بد من أن تقوم داعش بعمليات إرهابية في الغرب ليكون الأمر ملزماً لكل الدول أمام شعوبها بضرورة محاربة داعش كونها تهدد الأمن القومي لتلك الدول، و بالفعل فقد قامت داعش وعلى أكمل وجه بتلك العمليات مأدية دورها المنوط بها على أتم صورة.

بالعودة للدول المراد استهدافها، تمت تغذية داعش بتسهيل الانضمام إليها عبر غض الطرف عن آلاف المقاتلين من أصحاب السوابق والمدرجين سلفاً على قوائم الإرهاب في بلدانهم، وتم السماح لداعش بالتمدد والسيطرة على الأرض حتى تتغول وتصبح جاهزة للمرحلة الأخيرة من دورها في المسرحية وهي تسليم المناطق التي تحتلها لجهات بعينها وفقاً لمصالح الدول المعنية بالأمر والتي تعتبر المستفيد الأكبر من وجود داعش.

في المشهد السوري، تم ما سلف ذكره لداعش رعايةً وإن بصورة غير مباشرة، ليأتي دورها في تسليم المناطق عبر مسرحيات، تارة لعصابات صالح مسلم وتارة أخرى لعصابات  نظام الأسد وحلفائها من المرتزقة "الأفغان وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية" المدعومة إيرانياً تحت راية طائفية مقيتة فرأينا الانسحابات الخرافية لداعش في حلب وريفها أمام عصابات النظام والآبوجية، في حين أن داعش استبلست في مواجهة الجيش السوري الحر ولم يقف الأمر عند غض الطرف، بل تم تسليح داعش بشكل مباشر ومن مخازن نظام الأسد عبر تسليمه لمراتٍ عديدة مستودعات مليئة بالسلاح  في خناصر وتدمر وعياش، والأمر عبر معارك مفتعلة لتمرير صفقات التسليح، ونذكر ما كان من أمر تسليح عصابات الأسد لداعش أثناء تحرير مدينة الباب.

بعد أن انتهى دور داعش المسرحي، وصلنا إلى فصل الختام عبر قطف ثمار هذا الدور، فرأينا روسيا وأمريكا وإيران في سورية بشكل مباشر وعلى الأرض السورية بقوات خاصة ومدرعات وأسلحة متطورة، بينما يجب على تركيا صاحبة الحدود البالغ طولها 920 كلم مع سورية أن تقدم المبررات والمسوغات لتحارب داعش التي كانت على حدودها وضربت في عمق الأمن القومي التركي عبر التفجيرات الإرهابية في كبرى المدن التركية!

إن الجمرة الداعشية الخبيثة وجدت، وأوجد معها المصل المضاد لها الذي يتنوع ويتعدد من حيث الشكل وفقاً للحاجة والمكان، فهذا المصل على هيئة نظام الأسد وعصابات صالح مسلم وميليشيات الحشد الشعبي.

عن الكاتب

د. زهير حنيضل

طبيب و أديب و معارض سوري مستقل


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس