د. محمد عزيز البياتي - خاص ترك برس

وُلِدَ فخر الدين باشا في عام 1868 للميلاد، وعُيِّنَ قائدًا للفيلق العثماني الرابع برُتبة عميد في الموصل في الحرب العالمية الأولى في عام 1914، ثُمّ رُقِّيَ إلى رتبة لواء...

وذكر فخر الدين باشا أنّه رأى في المنام أن النبي مُحمد ﷺ أمره بعدم الاستسلام.

الجنرال فخر الدين للشريف حسين: أنا الآن تحت حماية النبي، قائدي الأعلى

 في آب/ أغسطس 1918، تلقّى دعوة للاستسلام من الشريف الحسين. ردّ فخر الدّين باشا بهذه الكلمات:

"إلى من عرّض خلافة قائد المؤمنين للخطر، وعرّضها لسطوة البريطانيين.

يوم الخميس الرابع عشر من ذي الحجّة، كنت أمشي مُتعبًا ومُنهكًا، أفكر في حماية المدينة والدفاع عنها، حينها وجدت نفسي بين أُناس لا أعرفهم في ساحة صغيرة. ثمّ رأيت أمامي رجلًا ذا طلعةٍ بهيّة. لقد كان الرّسول ﷺ... قال لي بحذر: "اتبعني". تبعته ثم استيقظت. وهرعت فورًا إلى مسجده وبدأت بالصلاة والدعاء.

أنا الآن تحت حماية النبي، قائدي الأعلى. أُشغِلُ نفسي بتقوية دفاعاتي، وأبني الطرق والساحات في المدينة. لا حاجة لي بعرضك العقيم...".

السميوطيقية وقراءة وتحليل الصورة الفوتو غرافية لشخصية الجنرال فخر الدّين رحمه الله، حامي أقدس المُدن المدينة المنورة. خادم الرسول ﷺ

معنى التحليل السميوطيقية للصور الفوتوغرافية: السميوطيقا (أو علم الإشارات). يرجع أصل كلمة سميوطيقا من الكلمة الإغريقية سيميون (semiotics) أو سميولوجيا semiology (semiotics) وتعني إشارة أو علامة (sign) وبالتالي فإن السميوطيقا تعني علم الإشارات أو العلم الذي يقوم بتحليل المعاني عن طريق الإشارات.

ويمتد جذور هذا العلم إلى علماء الإغريق والفلاسفة العرب الذين كانت لهم إسهاماتهم الكبيرة في هذا الجانب، إلا أن السميوطيقا الحديثة كعلم منظم له قواعده وأصوله العلمية يرجع إلى باحثين أساسيين وهما: اللغوي السويسري فريناند دي سوسيير (Fredinand de Saussure)، والأمريكي تشارلز بيرس (Charles Pierce).

كيف يمكن قراءة الصورة الفوتوغرافية قراءة سميوطيقية

قراءة الصورة الفوتوغرافية يمكن أن تعرف من خلال الإطار الآتي حيث أنها: محاولة التعرف على محتويات الصورة الأساسية والثانوية، والتعرف على العلاقات التي تربط بين هذه العناصر بمستوياتها المختلفة، وما يمكن استنتاجه من أبعاد لهذه الصورة.

استخدم "تشارلز بيرس (1931-1958) شكلًا ثلاثي الأضلاع ليعرف العلاقة بين الإشارة والموضوع والمفسرة. الإشارة هي شيء لا يمكن أن يشير إلى نفسه وإنما إلى شيء آخر وهو الموضوع.

وهذه الاشارة يمكن فهمها عن طريق شخص يملك خبرة ليفسر تلك الإشارة وهذه هي المفسرة.

هناك ثلاث فئات أساسية للإشارة: الأيقونة (أو التمثال)، والدليل أو المؤشر، والرمز. الأيقونة هي العلاقة بين الدال والمدلول. الصور الفوتوغرافية يمكن أن تعد مثالا بسيطا على الفئة الأولى للإشارة (الأيقونة)...

يرى رولان بارث أن الصورة الفوتوغرافية كرسالة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: مصدر الرسالة، والقناة التي تمر عبرها الرسالة، والمتلقي.

ويرى رولان بارث أن هناك مرحلتين أساسيتين لقراءة الصورة الفوتوغرافية وهي المعنى الإشاري (Denotation meaning)، والمعنى الإيحائي (Connotation meaning).

تحليل وقراءة سميوطيقية لثلاثة صور فوتوغرافية للجنرال فخر الدين باشا رحمه الله وكما يلي:

الصورة الأولى

الصورة الثانية

الصورة الثالثة

حركة العين وزاوية النظر وحركة الجسم وانطباعات الوجه والإيماءات، عناصربارزة في الصور الثلاث. وسوف تساعد الباحث أو القارىء لتحليل الشفرات الثقافية، وبالتالي القراءات الأيديولوجية أو الأسطورية لشخصية الجنرال فخر الدين باشا رحمه الله المدافع عن المدينة المنورة المقدسة.

أولا: أن وجه الجنرال فخر الدين تتضح معالمه من خبراتنا للوجه البشري العادي والمكون من عينين، وأنف، وفم، وأذنين، بخط مستقيم لا يعرفه القادم من ثقافة غير التركية.

وبنظرة دقيقة لأنف الجنرال نجد أنه شخصية تعرف تماماً ما تريد، وتوصف إجمالاً بعنادها، ويحب عيش الحياة بمغامرة ونشاط، ويعتز بأصله وانتمائه العثماني، ويتمتع بكاريزما قوية وتخفي في أعماقها شغفاً كبيراً إزاء من يحب، ولكنّها تميل إلى النضوج، خصوصاً في المحافظة على العلاقات الطويلة الأمد أو المناقشة مع الأشخاص الذين يختلفون عنها بالرأي.

ثانيا: مشية القوي الحاسم والنظر إلى الأمام والسير بخطى العسكر الواثقة تعد إشارة، وطريقة المشي عنصر وركن مهم لتحدد شخصية الجنرال فخر الدين رحمه الله.

حركة ومشية  القوي الحاسم للجنرال فخر الدين رحمه الله الواضحة في الصورة رقم (2) دليل على أنه شخص واثق الخطوات وسريع، لكن ليس بطريقة المسرع المتعجل، بل إنه شخص مليء بالحيوية والنشاط دون تعجل، ويتبادل النظر مع المارين به ويتأمل بدقة ما حوله، كما يتبادل الحديث بصوت عال مع جنوده الذين يمر بهم ويبادلهم الاهتمام والابتسام، ولأنه يمشي واثق الخطوات متمتعا بالحماسة والسعي الحثيث  للنجاح ربما يراه البعض متكبرا.

وقد توصل علماء النفس الأمريكيون في أواخر ثمانينيات القرن الماضي إلى أن هناك هيئتين رئيسيتين للمشي، تتميز إحداهما بأسلوب للحركة أكثر شبابًا والأخرى بأسلوب أكثر كهولة.

ومشية الجنرال فخر الدين رحمه الله الواضحة بالصورة رقم (2) تتضمن حركة منتظمة أكثر نشاطًا وخفة، مع تمايل أكثر للأرداف، وتأرجح أكبر للذراعين، وخطوات سريعة متتابعة، أما الأسلوب الأكثر كهولة، فهو أكثر جمودًا وبطئًا، مع الانحناء أكثر إلى الأمام.

علاوة على أن المراقبين افترضوا أن أولئك الذين يسيرون بالأسلوب الأكثر شبابًا هم أكثر سعادة وأكثر قوة. ولم يختلف الأمر عندما تبيّن سنّهم الفعلي بالكشف عن وجوههم وأجسامهم.

إن مشية الجنرال فخر الدين رحمه الله الواضحة في الصورة تشير إلى أنه أراد أن يوصل رسالة لجنوده وأعدائه مفادها أنه قوي وصعب المراس، ولذلك نراه يمشي بخطى واسعة، ويحرك ذراعيه بجسارة، كأنه يقود فصيلًا عسكريًا في استعراض عسكري.

ثالثا: فن التعامل مع الآخرين واضح في الصورة رقم (3).

إنّ النظر بالأعين مباشرة، من قبل الجنرال فخر الدين رحمه الله لرجاله وهو يحمل قربة الماء ويحاول مشاركتهم الماء دليل على التواصل، ويدلّ على الاهتمام الإيجابيّ حيث إنّ إطالة النظر من قبل الجنرال فخر الدين رحمه الله لجنوده قد يشعرهم بالأمان والصبر والرغبة بالقتال حتى الموت.

وختاما عسكت الصور الثلاثة للجنرال فخر الدين رحمه الله الحقائق الآتية:

أولا: من خلال تحليل ملامحه وحركة مشيته الواثقة أنه يعد من النوع الذي يوصف بأنه قائد بالفطرة. أي من الأشخاص الذين يتمتعون بهذا النوع من الشخصية يجسدون الكاريزما والثقة والقيادة، ويستطيعون توجيه الحشود معًاً وراء هدف مشترك.

ثانيا: التصميم والعزم والقدرة على التفكير الاستراتيجي جعلت الجنرال فخر الدين رحمه الله يحسب خطواته بدقة ويركز على الصمود لفترة طويلة والحكمة في توظيف الموارد والإمكانيات المتاحة والانطلاق منها لتحديد استراتيجية المواجهة والصمود لفترة طويلة.

وصموده جعل أعداءه يحترمونه، إذ يشار أن "عمر فخر الدين باشا" الذي لقبه الإنجليز بـ"نمر الصحراء التركي"، اشتُهِر بدفاعه عن المدينة المنورة جنبًا إلى جنب مع سكانها المحليين، طوال سنتين و7 أشهر (ما بين 1916- 1919) رغم إمكانياته المحدودة في مواجهة البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى.

ورغم الأوامر من إسطنبول، والضغط من الإنجليز حول تسليم المدينة المنورة وتركها، رفض فخر الدين باشا رحمه الله، ترك مدينة الرسول محمد ﷺ واستمر في المقاومة، حتى اعتُقِل كأسير حرب.

ثالثا: نجاح الجنرال فخر الدين رحمه الله بتطبيق استراتيجية روح القتال والتفكير بمناورة العدو لتحطيم تماسكه وتحطيم إرادته للقتال، لأنه أدرك كقائد عسكري محترف أن طبيعة العقيدة العسكرية هي نتاج ضرورات وملحات عسكرية، تؤدي في النهاية إلى الحاجة للتحضير للحرب، وإذا اضطر الأمر للقتال والانتصار فيه، فعلى كل فرد في قواته المسلحة أن يكون على استعداد للقتال والموت في سبيل أي قضية مشروعة يتم النضال من أجل تحقيقها من خلال الخيار العسكري. بالتالي فإن العقيدة العسكرية تتضمن في جوهرها روح القتال والتفكير بمفهوم المناورة.

رابعا: الصور الثلاثة للجنرال فخر الدين رحمه الله تمثل رسائل إيحائية لأن الصور بحد ذاتها تمثل عنصر جذب لها دلالاتها الإيحائية المتجسدة بإشارات حركة الجسم وانطباعات الوجه والإيماءات... إلخ، وكلها عناصر تساعد الباحث أو القارىء لتحليل الشفرات الثقافية وبالتالي القراءات الأيديولوجية أو الأسطورية  لشخصية الجنرال فخر الدين باشا رحمه الله.

خامسا: الإيمان بالله ورؤية الرسول محمد صلى الله عليه وآله وصحبه اجمعين كانت الحافز والدافع لصمود الجنرال فخر الدين باشا رحمه الله.

فهنيئا له على محبة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين ورؤيته في المنام وحرصه على أداء واجبه بالدفاع عن المدينة المنورة المقدسة. ففي الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي." وفي رواية: :فقد رأى الحق." وفي رواية: "ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار." وهذا لفظ البخاري.

ولذلك فإن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروفة في السنة والسيرة لا شك أنها بشرى لصاحبها، كما قال أهل العلم وأنها بشارة خاصة للجنرال فخر الدين باشا رحمه الله والذي نال شرف الدنيا والآخرة.

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس