ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

تتزايد التظاهرات في إيران مع تحولات نوعية في شكل المواجهات مع الأجهزة الأمنية القمعية في دولة ولاية الفقيه التي أسست نظاما شموليا بوليسيا بامتياز منذ اللحظة الأولي لانقلاب الخميني قائد ثورة 1979 على شركائه من اليساريين والليبراليين في الثورة.

فعدد المدن التي تنخرط في التظاهرات قد تنبئ بأن حراك ما قد تظهر نتائجه في دولة الولي الفقيه ، لاسيما وأن هذه التحركات تلقى قبولا ضمنيا من دول الغرب وعلنيا من الولايات المتحدة الأمريكية، التي دعت كل الدول إلى دعم الشعب الإيراني علنا في مطالبه بحقوقه الأساسية، وهو الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريده عبر حسابه الشخصي على تويتر قال فيها (هناك العديد من التقارير عن الاحتجاجات السلمية من قبل مواطنين إيرانيين تضرروا من فساد النظام، وإهدار ثروات البلاد لتمويل الإرهاب في الخارج، يجب على الحكومة الإيرانية احترام حقوق شعبها، بما في ذلك الحق في التعبير عن نفسها، العالم يراقب).

وإن كانت أجهزة أمن دولة ولاية الفقيه قوية إلى حد بعيد، وواجهت اختبارا قوياً في عام 2009 تمثل في احتجاجات عارمة على نتائج الانتخابات الرئاسية في حينها ، إلا أن الأوضاع هذه المرة مختلفة حيث أن الاحتجاجات تمس الحياة المعيشية للمواطن العادي الذي يعاني الإفقار والقمع والفساد، وهو ما يرشح تلك التظاهرات إلى أن تغير الأوضاع بشكل كبير في دولة الولي الفقيه.

وهنا يجدر التنبؤ بما يمكن أن يؤثر به تغير النظام في إيران على علاقات النظام المصري سواءً مع الدولة الجديدة أو مع محيطها الإقليمي .

تعتبر العلاقات المصرية الإيرانية من الملفات الأكثر تعقيداً، فمصر وإيران دولتان لهما وزنهما الإقليمي و الدولي المؤثر, رغم تغير الأوضاع في مصر كثيرا بعد انقلاب الثالث من يوليو، إلا أن مقومات وازنة لازالت ترجح كفة فاعلية الدولتين في المنطقة ، ومع ذلك فقد عرفت العلاقات المصرية الإيرانية حالة من الشد والجذب منذ ولادة الجمهورية المصرية .

فقد اتسمت تلك العلاقات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بالخلاف والعداء، بعد محاولة عبد الناصر دعم رئيس الوزراء محمد مصدق ضد نظام الشاه، الذي فشل في محاولته الانقلاب على الشاه، وكانت النتيجة قطيعة من نظام الشاه لعبد الناصر ونظامه.

إلا أن هذا الجمود سرعان ما زال بعد تولي الرئيس المصري أنور السادات مقاليد الحكم خلفا لعبد الناصر، لاسيما وأنه اتخذ من الولايات المتحدة و حلفائها أصدقاء له. حتى اندلاع ثورة 1979 في إيران والتي ناصبها السادات العداء بعد توتر علاقات الثورة الوليدة بالولايات المتحدة الأمريكية، ولم يخرج مبارك الذي خلف السادات في حكم مصر عن مسار سلفه فاتسمت العلاقات بين البلدين بالتوتر شبه المستمر.

وبعد ثورة يناير في مصر بدت احتمالات مرحلة جديدة في العلاقات المصرية الإيرانية، حيث رحبت إيران بالثورة المصرية ، في مقابل انفتاح على القوى الإقليمية لتشكيل خريطة علاقات جديدة تخرج مصر إلى حد ما من إطار الهيمنة الغربية . فجاءت زيارة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي لطهران كأول زيارة لرئيس مصري بعد الثورة في إيران ترسيخا للفكرة وسعيا للمشروع .

إلا أن العلاقات الإيرانية مع النظام في مصر قد تحولت مرة أخرى بعد انقلاب الثالث من يوليو الذي قاده وزير الدفاع على الرئيس ، والذي انتقدته الخارجية الإيرانية وهو ما أغلق الباب أمام علاقات قد بدأت تتطور بشكل خجول في حقبة الرئيس مرسي.

ولم يكن بيان الخارجية الإيرانية هو السبب الرئيسي لإغلاق باب العلاقات بين إيران والنظام في مصر ، ولكن العلاقات التي ربطت النظام المصري بالسعودية والإمارات اللذان دعما عبد الفتاح السيسي سواءً سياسيا أو لوجستياً لتنفيذ مخططه للإطاحة بالرئيس المنتخب ، كانت كفيلة بأن يقطع النظام المصري علاقته بإيران وهو ما رآه البعض ثمنا مقدراً سلفا لذلك الدعم ضمن صفقة كبيرة ربحت منها تلك الدول نظاما وامتيازات ، وخسرت فيها الشعب.

وكانت مواقف النظام المصري محاولة لإعطاء انطباع بأنه يفي بوعوده  التي ضربت في صفقة 3 يوليو، فبعد حرق السفارة والقنصلية السعودية في إيران أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد إدانة النظام في مصر للحادث, وهو ما تماشى مع النهج الذي اتخذه النظام في سياسة الترضية مقابل الدعم المادي والعيني الذي تتلقاه من السعودية والذي تمثل في تأكيد وزير خارجية  النظام في مصر سامح شكري على أن علاقات بلاده بالمملكة السعودية لها خصوصية تحول دون دخول أطراف أخرى وتأثيرها عليها، وشدد على أنه لا مجال لإطلاق أي حوار بين مصر وإيران ، وتضامناً مع الموقف السعودي أدانت خارجية النظام في مصر ضبط شحنات أسلحة إيرانية أثناء تهريبها إلى اليمن.

لكن وبما أن علاقة النظام في مصر مبني على برجماتية بحتة، فقد تحولت مصر إلى علاقات سرية مع إيران كشفت عنها صحيفة الجارديان البريطانية في وقت شهدت فيه العلاقة بين النظام والسعودية تراجع ، وهو ما رآه المراقبون على أنه محاولة لابتزاز المملكة بتلك الورقة .

وهو ما يكشف عن مضمون علاقة النظام في مصر بإيران والذي ترى فيها وسيلة للضغط على السعودية لمزيد من المكاسب، تمثلت في ستة مليارات نقدية ودعم عيني في صورة بترول خام أو مشتقاته وصل إلى ثلاثة مليارات . وهو ما يعني أن النظام في مصر يرى في دولة الولي الفقيه دجاجة تبيض له المليارات النقدية و أخوتها البترولية .

وهو ما يعني أيضا بالنتيجة أن زوال دولة ولاية الفقيه سيكون خسارة كبيرة للنظام المصري الذي طالما أستطاع أن يحقق مكاسب مادية وعينية بمجرد التلويح بتلك الورقة.                

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس