د. سمير صالحة - خاص ترك برس

من هو القيادي الإقليمي الوحيد القادر على رفع سماعة الهاتف أكثر من مرة والاتصال بالرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلادمير بوتين والطلب إليهما تهدئة الامور كي لا تنفلت ونذهب بمنحى إقليمي آخر بعيدا عن ملف الأزمة السورية؟

ومن هو هذا القيادي والسياسي الذي يستطيع وحده أن يدعو ترامب وبوتين للقاء فوق إحدى البوارج الحربية المتنقلة في المتوسط لصناعة السلام بدل تحريك هذه السفن في مواجهة نعرف أنها قد تندلع لكننا لا نعرف أين وكيف ستتوقف وتنتهي إذا ما بدأت؟

وأين هو هذا القيادي الذي يبحث عن أمن واستقرار المنطقة بعدما أعلن العديد من القيادات وقوفهم على الحياد في معركة تجري فوق أرضهم ويعرفون أنهم أول من سيدفع ثمنها ولن يخرجوا منها سوى منهزمين إذا ما توسعت رقعة المواجهات وانتشرت فالرسائل الموجهة والمواقف المعلنة كلها تقول إنها ستكون حربا منفتحة على أكثر من احتمال وقد يكون الأسد الرابح الأول فيها رغم أنه المتسبب بها؟

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرة أخرى أمام مسؤولية تاريخية يتهرب البعض منها من أجل قطع الطريق على إشعال فتيل الانفجار الإقليمي الذي حرك سفنا بعيدة تقترب من أراضينا للاحتراب فوقها بعدما تقاعسنا في تحمل الأعباء والمسؤوليات وتحولنا إلى أدوات مهمشة بيد الكبار ورهن أوامرهم وقراراتهم.

أنقرة تعرف جيدا أن العملية العسكرية الأميركية تختلف عن أجواء رسائل صواريخ الشعيرات التي منحت الأسد المزيد من القوة والفرص للمضي في مواجهته مع الشعب السوري.

البوارج الأميركية والروسية في المنطقة هي ليست من أجل حرب بالوكالة بعد الآن والمواجهة لن تكون محدودة في سوريا بل شرارتها سرعان ما ستنتشر إلى أكثر من مكان حيث تتداخل وتتشابك وتتعقد الأمور . حياد البعض لن يساعده على حماية رأسه إلا إذا كان راضيا بقرن استعماري جديد يضع معه شعبه وثورته وثروته تحت تصرف أحد فرقاء الصراع.

الرسائل المشفرة الأخيرة:

لرئيس الوزراء التركى بن على يلدريم ودعوته روسيا والولايات المتحدة الكف عن شجارات الشوارع بشأن سوريا "الوقت حان لوضع خلافاتهما جانبًا لأن الوقت الآن هو ليس للخصومات، إنه وقت تضميد الجراح فى المنطقة والتلاقي وتنحية الخلافات جانبًا".

ولنائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة التركية بكير بوزداغ، "إن التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن حله عسكريا وأن الحل السياسي مهم جدا، ولكن مع الأسف لم تطبق نتائج اتفاقية جنيف، والأمم المتحدة، وتم وضع خطوات نحو الحل عبر مباحثات أستانة، وسوتشي ". وإعلان فلاديمير شامانوف رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، "إنّ تركيا

تقوم بدور الوسيط لتهدئة التوتر الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن سوريا وإنّ موسكو تتواصل مع حلف شمال الأطلسي عن طريق تركيا، وتتواصل مع الجانب الأميركي عبر رئاسة أركان الدول الثلاث وأنّ رئيس هيئة الأركان التركية خلوصي أكار، هو الذي ينسق التواصل بين موسكو وحلف شمال الأطلسي".

وما قاله الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس حول ضرورة  تجنب خروج الوضع في سوريا عن السيطرة، ودعونا لا ننسى أنه، في نهاية المطاف، يجب أن تنصبّ جهودنا على إنهاء المعاناة الرهيبة للشعب السوري.

كلها مؤشرات تقول إن التعليمات التي زود بها أردوغان الدبلوماسيين والعسكريين الأتراك المشاركين في هذه المبادرة التركية وهذا التحرك المكوكي الذي تقوده أنقرة في هذه الساعات بعيدا عن الأعين بين قيادات الأركان التركية والروسية والأميركية والذي تتابعه قيادات البيت الابيض والكرملين بكافة تفاصيله، هدفه الأول امتصاص التوتر ووقف التصعيد بين موسكو وواشنطن ثم الخروج بتفاهم حول تسريع المرحلة الانتقالية في سوريا ورحيل الأسد بأسرع ما يكون وفتح الأبواب أمام حوار سوري سوري حقيقي ينهي أزمته.

ما لا يمكن تجاهله هنا طبعا هو:

- أن التحرك التركي يأتي وسط استعدادات لوضع اللمسات الأخيرة على البيان الختامي للقمة العربية المرتقبة حيث سيكون هناك تنديد بالتواجد العسكري التركي في سوريا والعراق لكننا لا نعرف إذا ما كان سيصل هذا التنديد إلى التواجد الأميركي والروسي والفرنسي والإيطالي والبريطاني وو… وتسمية الأشياء بأسمائها ثم إعلان استراتيجية التحرك للرد على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد دولة عربية رغم معرفتنا تماما أن المشكلة هي أن معظم هذه الدول تنحاز إلى الجانب الأميركي في تنفيذ عمليته التي هي أبعد من توجيه رسالة إلى رأس النظام في سوريا.

- وأنه قد يكون الرئيس الروسي بواقعيته وبراغماتيته هو الذي نجح في مهمة التهدئة بين تركيا وإيران بسبب الملف السوري وحلحلة الكثير من الأمور في اللقاء الثلاثي الأخير المنعقد في العاصمة التركية وتخفيف حدة التوتر بينهما وتتويج ذلك بالبيان الختامي الذي توصلت إليه قمة أنقرة.

- وقد يكون الرئيس الأميركي ترامب هو الذي يثبت هذه المرة أنه ليس تاجرا ويتحدث بلغة الأرقام فقط عندما يوجه رسائل انه لن يقبل بتفاهمات قمة أنقرة على حساب النفوذ الأميركي في المنطقة وأن واشنطن لن تقبل بمحاولة قلب المعادلات في سوريا رغما عنها وأنها لذلك قررت لعب ورقة تلقين النظام السوري الدرس بسبب ما ارتكبه من مجازر في الغوطة ضد المدنيين.

- وقد يكون الرئيس التركي أردوغان انحاز إلى الجانب الأميركي في المجزرة المرتكبة ضد المدنيين السورينن في دوما "اللعنة على مرتكبي  مجزرة الغوطة الشرقية أيا كان المنفذون فهم سيدفعون الثمن باهظا" إلا أن أردوغان يعرف أن تحريك السفن والغواصات الغربية على هذا النحو هو أبعد من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعتزامه توجيه ضربة للنظام السوري للانتقام لضخايا الغوطة.

شعار أردوغان كان دائما العالم أكبر من الدول الخمس الكبرى فهل سيقبل بفلتان الأمور واندلاع مواجهة هذه الدول على حساب دول المنطقة والعالم وهو يتفرج؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس