د. باسل الحاج جاسم - صحيفة الحياة

في الوقت الذي تتجه أنظار العالم إلى واشنطن بانتظار قرار عمل عسكري ضد النظام السوري،ليس من المبالغة القول بأنه،لم يحدث في تاريخ الازمات و الحروب و الثورات، أن يكون هناك وضع في مثل غموض و تعقيد الحالة السورية اليوم،في ظل حضور روسي قوي،و هو ما يختلف عن حروب الشرق الاوسط السابقة.

تتدخل واشنطن عسكرياً في سورية منذ سنوات،و بحسب اهدافها المعلنة،لمكافحة "داعش"، وهو الهدف الذي تعلنه كذلك روسيا،الا ان ما يجري على الارض شي أخر ايضا،اذ تدعم واشنطن مجموعات مسلحة انفصالية تمثل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف ارهابيا في حلف الناتو).

لا يخفى أن تركيا استطاعت جمع المتناقضات لتتبدل مواقف مختلف الأطراف تجاه تدخلها العسكري المباشر في سورية،الاول في درع الفرات،والثاني في غصن الزيتون،فلم تعد روسيا تعارض تحليق الطيران التركي في الأجواء السورية (بعد تجاوز أزمة إسقاط المقاتلة الروسية)،و لم تعارض واشنطن العمليات العسكرية التركية،كما تخلت بعض فصائل المعارضة السورية عن موقفها الرافض قتال التنظيمات الارهابية المتطرفة والانفصالية، وحصر نشاطها بقتال النظام السوري.

صحيح أن الأتراك يغيرون مواقفهم بسرعة وسلاسة،وهنا تعتبر عودة العلاقات التركية - الروسية التغيير الأهم في الشأن السوري،إلا أن التغيير الحقيقي الذي يمكن أن تحققه تركيا في شأن الحرب في سورية،والمنطقة في شكلٍ عام هو أن تكون جسراً بين كل الأطراف،وصعوبة المرحلة أن على عاتق أنقرة مهمة إثبات قدرتها على إحداث فرق في مسار الأحداث في سورية،بعد أن باتت كل الأطراف تدرك استحالة فوز طرف واحد دون الآخرين.

من خلال التفاهم مع موسكو،اتاحت روسيا لتركيا المجال لاستخدام القوة في الحالات التي تحتاجها انقرة داخل سورية،كما أن ذلك قلل الى حد كبير،و ربما أبعد استخدام موسكو ورقة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا داخل سورية،بالاضافة الى الدعم الروسي الذي لا تخطئه عين من اجل استكمال تركيا نشر نقاط المراقبة حول ادلب،وباقي المناطق،وفق اتفاقات استانا،و اي عملية عسكرية محتملة في إدلب ستراعي روسيا فيها وجهة نظر تركيا،لما لذلك من عواقب سيئة على انقرة،و لا يمكن اغفال حقيقة ان تفاهمات أنقرة – موسكو،باتت تحد من تصرف الولايات المتحدة إلى حد ما،كما تشاء في الكثير من المناطق السورية.

الا ان كل ما سبق لم يقف عائقا امام علاقات أنقرة بواشنطن سورياً،وهو ما يسمح لتركيا بمواصلة اعلان التمسك بموقفها الذي اعلنته منذ سبع اعوام،و الوقوف في وجه نظام الأسد، مع ان التحالف الاستراتيجي بين البلدين لم يوقف حتى اليوم التعاون بين الولايات المتحدة و الامتداد السوري للعمال الكردستاني،الا انه استطاع ان يجعله محدودًا في بعض الاماكن،كما حصل في عملية غصن الزيتون في عفرين السورية.

و استمرار المحادثات التركية الاميركية حول سورية،يحول دون تحقيق روسيا نفوذًا كاملًا في في الملف السوري من جهة،ويجعل و اشنطن تجد الا مفر لها من اخذ حسابات انقرة السورية بعين الحسبان و على محمل الجد من جهة ثانية،وليس من الصعب التكهن بأن الذي يدعم الموقف التركي في شأن حزب العمال الكردستاني و فروعه الآن أكثر،سيكون لديه أفضل العلاقات مع أنقرة.

وعلى الرغم من أن هناك مصالح مشتركة بين تركيا وإيران،أبرزها التعاون التكتيكي قصير الأجل ضد المجموعات الانفصالية،إلا أنهما تختلفان بشأن الحل النهائي في سورية،إذ تنظر إيران إلى نظام الأسد بوصفه جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها لزيادة نفوذها،بينما ترى تركيا إيران منافساً،حققت توسعاً استراتيجياً إضافياً،في الأشهر الأخيرة،وتتعين إعادتها إلى حجمها، كما أن إيران ربطت أطماعها أكثر بروسيا اللاعب الأكبر الآخر في المنطقة،و توفر التفاهمات مع طهران لتركيا ترميم علاقتها مع الحكومة المركزية في العراق.

و ربما فات طهران،ان تركيا لم تأت من ديار بعيدة كبقية القوى الدولية والإقليمية، فهي بجوار عفرين ومنبج و عين العرب وتل أبيض والقامشلي،و أن تركيا اليوم على الأرض في سورية بكامل قوتها.

صحيح ان مسار محادثات آستانة السوري،بين تركيا وروسيا وإيران،تعرض لهزات عدة في الآونة الأخيرة،إلا أنه يبقى حاجة مشتركة ثلاثية، تتقاطع في أكثر من جانب مع حاجة سورية - سورية (نظام وفصائل عسكرية معارضة) في شق منها لوقف التمدد الانفصالي الاستيطاني الذي تدعمه واشنطن تحت غطاء محاربة «داعش».

و في سياق التفاهمات المعقدة اقليميا و دوليا،قال فلاديمير شامانوف رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي،إنّ تركيا تقوم بدور الوسيط لتهدأة التوتر الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بشأن سورية،و ذلك على خلفية التهديدات التي اطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب بقوله،ردا على تهديد روسيا باسقاط اي صورايخ تسقط على سورية.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس