ترك برس

أسفرت المحاولات الخمس للقوات البريطانية للتقدم على القوات العثمانية في معركة كوت العمارة بالعراق عن استسلام 13 جنرالا و481 ضابطا و13 ألفًا و100 جندي، ومقتل 30 ألف جندي بريطاني.

تقع مدينة الكوت جنوب شرقي بغداد. وقد شهدت إبان الحرب العالمية الأولى معارك بين القوات العثمانية والقوات البريطانية، وجرى فيها حصار هو الأطول واﻷشد في الحرب العالمية الأولى، سجل العثمانيون فيه الانتصار الثاني على الجيش البريطاني بعد معركة جناق قلعة.

وقد انتهى الحصار الذي استمر 147 يوما بهزيمة الجيش البريطاني - الذي كان في حينها الجيش الأسطوري الذي لا يُقهر - واستسلامه إلى الجيش العثماني، وذلك بعد محاولات عديدة.

المحاولة الأولى

اندلعت معركة سلمان باك بتاريخ 22 - 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1915، حين تقدمت الفرقة السادسة في الجيش البريطاني بقيادة الجنرال تشارلز فيرز تاونسند نحو بغداد، وانتهت بهزيمة الإنجليز من قبل العثمانيين، ما يعني أن المحاولة الأولى باءت بالفشل.

المحاولة الثانية

معركة الشيخ سعد التي بدأت بتاريخ 3 كانون الأول/ ديسمبر 1915، حين تم تعيين الجنرال كولمار فون در غولتس القائد الألماني في الجيش العثماني، وأمر قائد الجيش العثماني العقيد نور الدين باشا بمحاصرة الجيش البريطاني في بلدة الكوت في 27 من الشهر نفسه.

وبعد حصار العثمانيين شن البريطانيون هجوما ﻹنقاذ جيشهم المحاصر من قبل العقيد نور الدين باشا في الكوت، ولكنهم أجبروا على الانسحاب بعد أن سقط قرابة 4000 جندي، لتنتهي المحاولة الثانية بفشل البريطانيين بتاريخ 6 كانون الثاني/ يناير 1916.

تلت المحاولة الثانية معركة الوادي بتاريخ 13 يناير 1916، وخسر خلالها الجيش البريطاني 1600 جندي. ثم معركة أم الحنة بتاريخ 21 من الشهر نفسه، والتي خسر فيها الجيش البريطاني قرابة 2700 جندي.

المحاولة الثالثة

هي معركة سابيس 8 آذار/ مارس 1916، التي أعلن فيها الجيش البريطاني أنه لم ييأس من تكرار المحاولات رغم فشله الذريع ﻷكثر من مرتين خلال فترة زمنية قصيرة. فمع بداية شهر مارس عاود البريطانيون الهجوم على الفيلق 13، محاولين تخليص الجيش البريطاني من أيدي العثمانيين بقيادة العقيد على إحسان بيك.

انتهت معركة سابيس بين الجيشين لصالح الجيش العثماني فقد انتهت مجددا بهزيمة الجيش البريطاني على أيدي العثمانيين وسقوط 3500 جندي بريطاني، مما اضطر البريطانيين إلى الانسحاب مرة ثانية وعزل الجنرال أيلمر من منصبه بسبب فشله في تخليص الجيش البريطاني.

استمرار النصر رغم تغيير القادة

أصيب الجنرال كولمار فون در غولتس باشا بمرض التيفوئيد، وتوفي على أثره في بغداد 19 نيسان/ أبريل 1916، ثم تم تعيين خليل باشا قائدا للجيش السادس بدلا عنه.

أما الجيش البريطاني فقد استلم قيادته تشارلز تاونسند في 29 إبريل 1916، بعد عزل الجنرال أيلمر.

المرحلة الرابعة وبدء الفاجعة

وصل الجيش البريطاني إلى حالة مزرية من انقطاع الإمدادات فقد بات محاصرا بلا طعام ولا شراب. ووصل الحصار بالبريطانيين إلى إسقاط أكياس دقيق من الطيارات ﻹنقاذ جيشهم المحاصر الذي أنهكه الجوع ونقص الغذاء، إلا ان الطائرات الحربية العثمانية لم تسمح بذلك أبدا.

بل قامت بإسقاط الطائرات البريطانية مانعة اي محاولة لسد رمق الجيش البريطاني، فلجأ البريطانيون إلى إدخال المؤن عبر السفن ليلا، وانتهى الأمر بوقوع السفن في يد العثمانيين.

المحاولة الخامسة

كانت الرشوة البطاقة الأخيرة بيد البريطانيين والتي باءت بالفشل في النهاية أيضًا، بعد أن طال الحصار وبعد الفشل الذريغ للجيش البريطاني، قام تاونسند بعرض مبلغ مليون جنيه على القائد خليل باشا مقابل إصداره لقرار يسمح له ولجيشه التوجه للهند.

وهذا ما أعلنه القائد خليل باشا أمام الملأ فور تلقيه للعرض، ورد عليه ببرقية قائلا: "لا حاجة لنا بالنقود، يمكنكم السماح لتاونسند فقط بالرحيل مع أسر جيشه”.

ثم أصدر برقية أخرى تسمح لتاونسند بالذهاب بحرية إلى المكان الذي يريد، مقابل استسلامه مع جنوده وتعهده بأن لا يعتدي على الجيش العثماني طوال فترة الحرب.

تاونسند يحاول إنقاذ جيشه للمرة الأخيرة

أعلن تاونسند أنه سيسلم جنوده للقائد خليل باشا، وطلب منه السماح له ولمساعده وثلاثة من أتباعه بالانتقال إلى إسطنبول، وقال في رسالته التي أرسلها للقائد خليل باشا متوسلا إليه:

"السيد خليل باشا، الجوع يجبرنا على ترك السلاح، لذا فإنني بناء على عهدكم بأن جنودنا الأبطال سيحلون ضيوفا مكرمين لديكم، أعلم جنابكم العالي باستعدادي لتسليم جنودي لكم، نحن مستعدون لتسليم كوت العمارة، عقب الاستجابة لشروطنا، وتسريع عملية نقل المؤن.

أعرض عليكم زيارة الجرحى، حيث ستشاهدون من بترت اقدامهم وأيديهم، أو من حل به الهزال والمرض من جراء الجوع، ولا أعتقد أنكم ستاخذونهم أسرى حرب، وأعرض نقلهم إلى الهند بدل ذلك”.

وبعد استسلام جيش البريطاتيين للعثمانيين، أرسل القائد تاونسند رسالة إلى قيادة القوات البريطانية مخبرا بها أن الجيش البريطاني أعلن استسلامه للعثمانيين، وأن الجيش العثماني قد توجه إلى الكوت ﻻستلام الجنود البريطانيين، ثم توجه بالتهنئة للقائد خليل باشا على نصره الحاسم.

في ليلة 29 أبريل، قام الجنود البريطانيون بإتلاف أسلحتهم، وفي صباح اليوم التالي بدأت عملية أسر الجنود المحاصرين البالغ عددهم 13100 جندي. تلاها إرسال تاونسند ومعاونوه وأتباعه الثلاثة إلى إسطنبول كأسرى حرب.

وتم رفع العلم العثماني على مبنى الحكومة في الكوت من قبل النقيب نظمي، قائد الفوج العثماني الثالث، وراية الفوج على مقر الجنرال تاونسند. وأُرسلت برقية إلى قيادة الجيش العثماني تصف حال معركة الكوت: "لقد تلقى الإنجليز مرة ثانية، الدرس الذي سبق أن تلقوه في جناق قلعة، وفهموا أنهم لن يتمكنوا من كسر المقاومة العثمانية، ومن أخذ غنائم من يد العثمانيين”.

ماذا قال المؤرخون والقادة عن ذلك اليوم؟

وصف المؤرخ البريطاني جيمس موريس  معركة الكوت قائلا: "هذا الاستسلام الأكثر إذلالا في التاريخ العسكري البريطاني”.

حيث بدأت المعركة بحصار الجيش العثماني للقوات البريطانية والحلفاء في بلدة الكوت الواقعة على ضفاف نهر دجلة جنوب شرقي العراق، وانتهت بسيطرة العثمانيين على الكوت واستسلام كامل الجيش البريطاني.

وبعد عملية اﻷسر، أرسل خليل باشا رسالة إلى الجيش السادس العثماني، قال فيها: “سقط 350 ضابطا و10 آلاف جندي من جيشنا شهداء في الكوت، إلا أن المعركة أفضت في النهاية إلى استسلام 13 جنرالا و481 ضابطا و13100 جندي من الجيش البريطاني،  كما انسحبت القوات التي كانت تحاول إنقاذ الجيش البريطاني بعد أن سقط منها 30 ألف قتيل”.

وأضاف خليل باشا: "نحن أمام فرق كبير إلى درجة تدهش العالم، سيجد المؤرخون صعوبة في إيجاد كلمات لوصف هذه المعركة، كانت جناق قلعة النصر الأول الذي كسر فيه ثبات العثمانيين عناد اﻹنجليز، وأمامنا هذا النصر الثاني”.

كما قال العقيد كاظم قره بكر، قائد الفيلق العثماني الثامن عشر، في خطاب مكتوب: “فلنحمد الله الذي وهبنا نصرا لم يشهده تاريخنا منذ مائتي عام، هذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها الحربة التركية التاريخ الإنجليزي”.

والجدير بالذكر أن العرب حاربوا في هذه المعركة إلى جانب الأتراك، كما حارب السنة والشيعة والأكراد والأرمن والكلدان، وكل ذلك من أجل العراق وللحفاظ على مدينة الكوت، وهذا ما يشير إليه المسؤولون الأتراك في احتفالاتهم التي استمرت إلى يومنا هذا بذكرى هذه المعركة.

ورغم سقوط الدولة العثمانية ونشوء الجمهورية التركية، فقد تم تصنيف هذا الحدث على قائمة الاحتفالات الوطنية الرسمية حتى عام 1952، بعد انضمام تركيا إلى حلف الناتو، ليتم تقليص حجم الاحتفالات الوطنية. غير أن وزارتي السياحة والتعليم الوطني التركيتين لا زالتا تقومان بتنظيم فعاليات وأنشطة للتذكير بهذا اليوم.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!