ترك برس

علق المحلل السياسي الأمريكي، ياكوب شابيرو، على الخلافات الحالية بين أنقرة وواشنطن، والتي بلغت ذروتها مع قضية القس الأمريكي أندرو برونسون، بأن تركيا لم تعد ترى نفسها شريكا صغيرا للولايات المتحدة، وليست خادما إقليميا لها؛ ولذلك فإنها لن تنحني للضغوط الأمريكية.

واعتبر شابيرو أن هناك عدة أسباب لتدهور العلاقة بين البلدين، أهمها التحول الذي شهدته تركيا خلال العقد الماضي، وحرص القادة الأتراك على استخدام أفضل سبل القوة الاقتصادية والعسكرية لتحقيق المصالح التركية في الخارج.

وقال شابيرو الذي يشغل منصب مدير التحليل السياسي في مركز جيوبوليتيكال فيوتشرز، إن الولايات المتحدة وتركيا بينهما الكثير من المصالح المشتركة، لكنهما لا تستطيعان التوقف عن النزاع حول القضايا الصغيرة، بينما يستفيد أعداؤهما من ذلك.

وأوضح شابيرو في مقاله أن واشنطن وأنقرة يواجهان عددا من التهديدات المشتركة، فإيران تقيم هلال نفوذ شيعيا في البحر المتوسط ​​وهددت في الآونة الأخيرة بعرقلة مضيق هرمز، ويستعد بشار الأسد للاستيلاء على آخر جيوب المعارضة التي دعمتها تركيا وأمريكا. وتأمل روسيا في أن يصل الأسد وميليشيا وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، إلى اتفاق لتقاسم السلطة يحافظ على السيناريو الحالي على الحدود الجنوبية لتركيا.

ولكن على الرغم من كل هذا، لا يوجد ما يدل على وجود استراتيجية مشتركة للحد من طموحات إيران، وتدمير داعش، وإضعاف الأسد، ونزع المصداقية عن تدخل روسيا، أو إيجاد أساس للتسوية في شمال سوريا.

ورأى أنه من وجهة المصالح البحتة لا يمكن أن تتبادل البلدان فرض العقوبات على بعضهما بسبب قضية القس أندرو برونسون، لكن السياسة يمكن أن تفوق المصالح أحيانًا.

وأضاف أنه من وجهة نظر تركيا، فإن تصرفات واشنطن يتعذر تفسيرها، لأن أنقرة اتهمت القس برونسون بالتجسس لصالح حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره كل من الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، وبمساعدة وتحريض منظمة فتح الله غولن الإرهابية "فيتو".

وترى تركيا أن العقوبات ليست علامة على حسن نية شريك يحترم المؤسسات التركية، وأن مقارنة تركيا بنيكاراغوا والصين وكوريا الشمالية وروسيا وداعش، كما فعل نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في خطاب ألقاه يوم 26 تموز/ يوليو، هو إهانة صريحة لها.

أما من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن تصرفات تركيا تعد محيرة، لأنها تريد من الولايات المتحدة تسليم غولن لتدبيره الانقلاب العسكري الفاشل قبل عامين دون تقديم أدلة كافية تثبت إدانته.

ولكن شابيرو يلفت إلى أن تركيا قدمت للولايات المتحدة كميات كبيرة من الأدلة، لكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة تجد أنها غير مقنعة.

ووفقا لشابيرو، فإن هذه الأزمة، وما سبقها من اعتراض واشنطن على صفقة صواريخ إس 400، هي ما قادت إلى المأزق الحالي، ذلك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يستطيع أن يبدو ضعيفًا في هذه القضية، حيث يعد احتجاز برونسون قضية سياسية رئيسية للمسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة، وهم مصدر مهم لدعم ترامب.

وأضاف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يستطيع أيضا أن يبدو ضعيفًا في هذه القضية، بعد أن أحرجته الولايات المتحدة برفضها تسليم غولن، وهو غير مستعد لتسليم متهم بالتجسس والإرهاب إلى الولايات المتحدة لمجرد أن واشنطن تقول ذلك.

ويلفت شابيرو إلى إن قضية برونسون وغيرها من الأحداث الدبلوماسية الصغيرة هي مجرد أعراض لتدهور العلاقات الثنائية بين واشنكون وأنقرة.

واعتبر أن السبب الرئيس في هذا التدهور هو التحول الهائل الذي شهدته تركيا في العقد الماضي. فقد صوت شعب تركيا لإصلاح هيكل الحكم في البلاد، ويكافح المجتمع التركي لإيجاد توازن جديد بين تركيا الجديدة وتركيا القديمة، ويتنافس قادة تركيا حول أفضل السبل لاستخدام القوة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة لتركيا لتحقيق المصالح التركية في الخارج.

وعلق قائلا إن أيا من هذه التحولات في حد ذاتها سيكون كافياً لتوتر علاقات تركيا الخارجية، لكنها معا أثرت في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة.

وأردف أن الحكومة التركية، وليس الجيش التركي، هي الآن صاحبة السلطة المطلقة في البلاد، وبدلا من أن يكون المسؤولون العسكريون هم القناة الرئيسية للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، حل محلهم السياسيون.

على أن التغيير الأهم الذي شهدته تركيا، كما يقول شابيرو، هو أنها لم تعد ترغب في أن تصبح شريكا صغيرا للولايات المتحدة، وليست مجرد خادم إقليمي لواشنطن.

ويختم شابيرو مقاله بأنه ما يزال هناك أساس لا لاستمرار الشراكة الأمريكية-التركية فحسب، بل لتطويرها. ولكي يحدث ذلك يتعين على الطرفين تقديم تنازلات، وإذا كانت قضية برونسون مؤشرا، فإن تلك التنازلات ربما أصبحت مكلفة جدا من الناحية السياسية لكلا الرئيسين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!